2013/05/29
مي سربيه – مجلة الموعد
تمرّ الذكرى السادسة والثلاثون لرحيل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ وهو ما زال الفنان الذي لا يمكن أن ينافس، فبعد أعوام طويلة على رحيله، ما زال عبد الحليم فناناً محبوباً، أغانيه مطلوبة وناجحة، حتى أن أجيالاً ولدت بعد وفاته، أحبته وأحبت أغانيه، وما زال هو الفنان المتوج على قمة الفن... ما سرّه، ما سرّ العندليب؟
لم يكن طريق عبد الحليم الفني مفروشاً بالورود، بل هو تعب وعمل وتعرض أحياناً للفشل والإخفاقات، ولكن ذلك لم يثنه عن إكمال مشوار النجاح، وكانت الشهرة زمان، صعبة المنال، وليست سهلة كما في أيامنا هذه، إذ يمكن أن يتواجد الفنان على عدة شاشات تلفزيونية فضائية، فيراه كل العالم العربي، بينما زمان كان كل بلد لا يتعدى فيها عدد المحطات اثنتان على الأكثر وكانت كلها تحت إشراف الدولة، عكس ما يحصل اليوم حيث يتكاثر وبسرعة كبيرة عدد المحطات التلفزيونية الخاصة، وكذلك الحال بالنسبة للإذاعات والصحافة أيضاً، فكان وقتها الوصول الى التلفزيون والإذاعة والصحيفة يلزمه مشوار طويل أما اليوم فالفنان متاح له الظهور بسرعة في آلاف المحطات التلفزيونية، والتحدث عبر محطات الإذاعة والظهور حتى عبر يوتيوب، كما يخاطب جمهوره عبر الفيس بوك أو التويتر، أصبحت الشهرة في أيامنا هذه سهلة، لذلك كان تحقيق الشهرة زمان شيئاً صعباً ولكنه في النهاية حقيقياً، ولذلك رغم كل السنين ما زال عبد الحليم موجوداً وينافس كل الفنانين الحاليين.
عبد الحليم كان فناناً صادقاً أعطى حياته كلها للفن وحتى وهو مريض كان يصر على إجراء البروفات الكثيرة لأنه كان دائماً يتطلع الى الكمال في فنه، كان عبد الحليم يعمل ألف حساب لجمهوره حتى بعد أن وصل الى القمة، ففي بداية حياته أحيا حفلاً غنائياً في الإسكندرية وغنى «صافيني مرة» ولكن الجمهور رفضه ورفض أسلوبه المتجدد في الغناء، ولكن حليم كان مؤمناً بما يقدمه وبعد عام في سنة 1953 وفي حفل في حديقة الأندلس، قدم نفس الأغنية فلقيت نجاحاً كبيراً وكانت الحفلة بمناسبة إعلان الجمهورية في مصر، ويومها قدمه الفنان يوسف وهبي الذي قال «ونحن نحتفل بميلاد الجمهورية، نحتفل أيضاً بميلاد مطرب جديد». وأذكر وبعد تربع حليم على القمة حدث مرة في إحدى حفلاته أن كان هناك فئة من الناس تشوش عليه بالصراخ والهتافات فطلب منهم احتراماً لجمهوره ومحبته له الهدوء، فلم يمتثلوا، وبعد عدة محاولات منه للتهدئة، فاض كيله فصرخ «بس بقى»، وفي اليوم التالي كان حليم يتعرض لنقد لاذع من الصحافة لأنه خاطب جمهوره بهذه الطريقة واضطر أن يوضح مراراً وتكراراً أنه لم يكن يخاطب جمهوره، بل تلك الفئة الصغيرة التي أرادت إحداث مشكلة في الحفلة، ولما اقتنع الناس هدأت الحملات ضده، الجمهور كان شيئاً كبيراً بالنسبة للفنان، كان يحبه ولكنه كان يخاف منه ومن حكمه، وكان جمهوراً صعب الإرضاء يضع معايير عالية لعبور القلوب وكان عبد الحليم يتقبل النقد من الصحافة معتبراً أنها توجهه الى أشياء قد تكون قد غابت عنه، حتى أحياناً التجريح كان يتجاوزه، عكس ما يحدث الآن، فلو تعرض فنان ما لنقد فني، يتعرض الكاتب لهجوم من قبل معجبيه على الفيس بوك وتويتر، وبذلك يفقد الفنان أفضل بوصلة للتوجيه الصحيح وهي النقد الفني..
أذكر أن علاقة عبد الحليم حافظ بوالدي محمد بديع سربيه رئيس تحرير «الموعد» الراحل، كانت علاقة ممتازة على مدى سنين طويلة، وكنت أقرأ مقالات لوالدي يوجه فيها أحياناً النقد لعبد الحليم، ولكنه أبداً لم يكن ذلك ليؤثر على علاقتهما، لأن عبد الحليم كان يعرف أن قلم محمد بديع سربيه ليس قلماً هدفه التشهير والتجريح بل يكتب من منطلق محبته للفنان، فكانت المحبة تسود علاقتهما ولا ننسى أن محمد بديع سربيه هو الذي أطلق على عبد الحليم حافظ لقب العندليب الأسمر، الذي ما زال يطلق عليه بعد سنين طويلة من رحيله، لأنه نابع من صحفي ذا إحساس صادق لفنان أسر قلوب الناس على مدى أجيال بفنه وصدقه وإحساسه.