2013/05/29
سناء الخوري – السفير
لم يكن الحدث الكوري بالأمس، نووياً فقط. في كلّ مرّة تنشغل الشاشات العالميّة بمشاغبات كيم جون أون، تفتتن مواقع التواصل الاجتماعي بأشرطة مسروقة عن «تلفزيون كوريا المركزي». كلّ روّاد «يوتيوب» صاروا يترقّبون مذيعة الأخبار الشرسة، التي تؤدّي النشرة، كأنّها تقذف قنابل من حنجرتها... وذلك ما تكرّر بالأمس.
تطلّ المذيعة غالباً بكيمونو ورديّ اللون، وخلفها، مشهديّة لأحد جبال بلادها. تسبق إطلالتها موسيقى عسكريّة، وصور لمعدّات الجيش. ويرمز الوردي في بلاد كيم جون أون، إلى الثقة. مذيعة التلفزيون الرسمي يجب أن توحي بثقة لا تهتزّ. كما أنّ الزهري، هو لون زهرة شائعة في كوريا، اسمها «وردة شارون»، كانت من النباتات المقدّسة في البلاد منذ قرون.
عناصر الصورة بسيطة، وربما تكون بدائيّة. لكنّ الصوت، يحتلّ كامل المشهد. يتناقل مدوّنون عرب وأجانب أشرطة الفيديو الآتية من التلفزيون الكوري، للتندُّر، والسخرية. ربما يكون الضحك ردّة الفعل الطبيعية الأولى، أمام سيّدة صغيرة الحجم، تخرج الكلمات من فمها كالرعد، وبإيقاع سريع. تقرأ عن ورقة أمامها، من دون استخدام جهاز الـ «أتوكيو»، وبتقنية مسرحيّة، جديرة بالمآسي الكلاسيكيّة. رغم كلّ ما تتضمّنه تلك التقنية من مسببات للضحك، إلا أنّها التقنية الرسميّة لإلقاء الأخبار في كوريا الشماليّة، إذ تتعمّد المذيعة إلقاء بيانها كأنّها تقرع طبول الحرب بصوتها.
المذيعة التي ألقت نبأ وفاة كيم جونغ إيل في كانون الأول الماضي، من الرموز الوطنيّة في بلادها، كادت تبكي عند إلقاء الخبر، وضحك العالم منها لأسابيع. تلك السيدة، هي أشهر مذيعة مرّت على تاريخ التلفزيون الكوري، وارتبط وجهها بثقافة الأجيال المتعاقبة في كوريا. اسمها ري شون هي، وقدّمت الأخبار أربعين عاماً، وكانت هي من ابتدع تلك المدرسة الغريبة في تلاوة الأخبار. قبل وفاة كيم جونغ إيل، تقاعدت ري شون هي، لكنّ «تلفزيون كوريا المركزي»، بقي يستدعيها لتلاوة الأخبار ذات الطابع المهمّ، لهذا عادت عند وفاة الزعيم الكوري الشمالي، لتتلو بنفسها النبأ.
المذيعة الأخرى التي تناقل العالم صورتها بالأمس، مجهولة الاسم، حتى بالنسبة لجزء كبير من جمهور التلفزيون الكوري الرسمي الذي تأسس في العام 1963. بالنسبة لهؤلاء، فإنّ ري شون هي، شخصيّة أسطوريّة. وإن كنتم تظنون أنّ ري لا تضحك أبداً، فأنتم مخطؤون. قبل تقاعدها، أنجز التلفزيون الصيني تقريراً خاصاً عن ري، ودخل غرفة الأخبار معها. يومها قالت للصحافية معدّة التقرير أنّها ستتقاعد عن عمر 68 عاماً، لأنّ هناك شبابا سيبدون أجمل وألطف منها على الشاشة، راسمةً ابتسامةً عريضة.
المذيعة التي ظهرت أمس الأول على شاشة التلفزيون الرسمي، لتعلن نبأ كوريا النووي، هي وجه جديد على الشاشة. وقد اضطرت إلى تعديل قصّة شعرها لتصير شبيهة ري شون هي (وفقاً لتقارير صحافية كوريّة استطعنا الحصول على ترجمة رديئة عنها، بواسطة خدمة الترجمة في «غوغل»). وأشارت تقارير أخرى، إلى أنّ كيم جون أون حاول بعد توليه السلطة، إجراء تعديلات على طريقة تقديم الأخبار في بلاده. هكذا، فرض على «تلفزيون كوريا المركزي»، أن يستبدل نمط النشرة القائم على مذيع واحد، بنشرة يقدمها مذيعان، رجل وامرأة. كما أدخل على النشرة الأخبار الرياضيّة، وصارت تتضمّن بعض الطرائف. ويجري تعيين المذيعين في التلفزيون الكوري الرسمي وفقاً لمعايير صارمة جداً، وغلباً ما يكونون من طلاب المسرح أو الآداب.
رغم «روح الشباب» التي يحاول كيم جون أون إدخالها على التلفزيون الرسمي، تبقى تقاليد تلك الشاشة في مجال البروباغندا العسكريّة، راسخة لا تتغيّر. كلّ خبر عسكري، يجب أن تتمّ تلاوته وفقاً لمدرسة ري شون هي، التي تقوم على بثّ الثقة في الشعب، ورفع معنوياته، ومن دون شكّ التأكيد على وصول رسالة حازمة إلى الخصوم.. الأكيد أنّ ري ووريثاتها يدركن أنّ ما يقمن به، ليس بأيّ شكل من الأشكال، عرضاً هزلياً.