2013/05/29
سامر محمد إسماعيل – تشرين
كثيرٌ هذا الذي يحدث في مسلسل «زنود الست» فوصفة الطبخ العجيبة التي يقدمها هذا العرض التلفزيوني ليس لها مثيل، سواء من ناحية دمج الطبخ بالدراما، أو حتى من خلال استثمار البيت الدمشقي كحرملك معاصر يتم فيه حشد مجاميع نسائية من دون سبب يذكر،
سوى تلك الرغبة في تحقيق شروط السوق التلفزيونية، فمن الواضح أن النساء في المطبخ صورة نمطية لابد من تكريسها من قبل الجهة المنتجة، وهي هنا جهة مستترة تحت اسم صفة «المنتج المنفذ»، على ما يبدو تكشفت الآن نيات الإنتاج التابع للمال الجاهل، فليس من الضروري تقديم نص سيناريو جيد، ولا من الأهمية بمكان كتابة شخصيات، أو حبكات درامية، إطلاقاً.. المطلوب نساء يتبخترن حول وحيال بحرة ماء دمشقية، يشهشقن، ويتراقصن، ويشدنَّ شعور بعضهن بعضاً، يتراكضن بين «السلملك» و«الخدملك» و«الليوان» أمام كاميرا تعرف من أين تؤكل كتف التوزيع على المحطات النفطية.. فليس غريباً أن هناك جزءاً ثانياً من «الست وزنودها» يقوم تامر إسحاق بإخراجه، فالوصفة «بياعة» وناجعة، وهي لا تتطلب الكثير إنتاجياً، ارتجالات فوق طناجر الطبخ، وحرتقات عجيبة، مشكلات نسائية وثرثرة لا تنتهي، ثرثرة لا طائل منها سوى تبديل الأدوار النسائية، فلا من رجال هنا، هم غائبون في العمل أو ميتون في برادات اللحمة والخضار، لا أحد يعرف، المهم أن الطبخات مستمرة في «زنود الست» على غرار «طباخي الأرواح» التلفزيونية، ومن يحرقون أصابعهم لخدمة ساعات البث العربية التي تدأب لتنميط دمشق المدينة في قالب عثماني لا يمت لها بصلة، دمشق المدينة المحرّمة ليست فقط «زنود الست» صحيح أن المطبخ الدمشقي عريق وأصيل وثرّ، لكن دمشق ليست مطبخاً فقط، وكذلك نساؤها لسن «حريم السلطان».
دمشق البيوت العريقة التي خاضت استقلال السوريين من مستعمريها، وقلعت عيونهم بزجاجها المعشّق، دمشق «قارورة العطر» التي وصف نزار قباني بها بيته في حي «مئذنة الشحم»، دمشق الأسواق والمقاهي ونوادي الفكر والمكتبة الظاهرية والزوايا الصوفية على سفح قاسيون، دمشق الحِرفُ والناس الطيبون، دمشق ليست «زنوداً» بضّة للطهو السريع على شاشات التنميط، ليست رزقاً بصرياً داشراً، دمشق المتاحف الكبرى والحدائق والمسارح وصالات السينما، دمشق التماثيل والأغنياتُ والناس الذاهبون إلى صباحاتهم بابتسامة قهوتهم الكريمة، وحبورهم الآسر في وجه الخطوب، دمشق ليست «فتة مقادم» لقطعان المشاهدين في صحراء الربع الخالي، ليست هودجاً سياحياً لخيم الطبخ والنفخ البصري، دمشقُ الجامعات وصالات الفن التشكيلي ومختبرات الخط العربي، دمشق ليست للأكل يا بائعي الأرواح.