2013/05/29
فجر يعقوب – الحياة
تبدو فكرة امتلاك فضائية خاصة مغرية لكثر باتوا يعتقدون بأن «اعتلاء» الفضاء يساهم – قطعاً - في الترويج لأفكارهم مهما تدنت في مستوى طروحاتها.
اليوم صار إطلاق فضائية من هذا النوع سهلاً وغير مكلف، وربما تبدو معاينتها من بوابة حرية الرأي قليلة الضرر بمجتمعات متقلبة مثل المجتمعات العربية.
«اعتلاء» الفضاء مصطلح يوازي ثقافة سائدة يقوم عليها دعاة متشددون من خلال التهجم على جماليات الحياة، وهم وجدوا في الفضاء السهل ضالتهم، فلم تعد المسألة في حاجة الى دراسات متعمقة في الجدوى الاقتصادية والمعرفية ومعرفة الدوافع المترتبة على إطلاق فضائيات رخيصة في كل شيء في ظل انعدام الناظم الذي يمكن أن يساهم في بلورة صورة واضحة يمكن أن تخفف من حمأة هذا الاعتلاء وفهمه، قبل أن يتحول إلى خطر مستفحل لا يمكن الحد من أذيته في المستقبل. إذ ثبت أن التلفزيون لا يمكن أن يشكل تلك الرافعة، أو الحاضنة المثالية للانتصار لمفهوم الثقافة مع «تجذيره» لحالة الفوضى الثقافية والفنية والدينية، وانتصاره المبرمج لسلطة الاعلامي في مواجهة المثقف، كما بات معروفاً.
حالة التطرف هنا قد تسري في اتجاهات معاكسة أيضاً مع احتدام المنافسات الفنية بين مغنيات اليوم. فإن كان التطرف الديني وجد ضالته في هذه الفضائيات الرخيصة، ولم يعد ممكناً السيطرة عليها لعدم وجود قوانين موحدة مخصصة للبث الفضائي العربي، وإن ظهر في الأفق ذكر ميثاق الشرف الخاص بهذا البث، فإنه يظل غير ملزم لأحد، في ظل التسيب الراهن، لأن الفضاء بحد ذاته قد يشكل اسفنجة تمتص ما يقدم له من وجبات، تماماً مثل ربيبه التلفزيون الذي فشل في اكتساب هوية خاصة به، فهو يقوم على بث الأغنية وأخبار الطقس والمباريات الرياضية والاعلانات وبرامج الترفيه والحوارات السياسية والثقافية الخ، من دون أن يكلف نفسه عناء الهوية المتعذرة في مثل حالته. ففي بلدان متقدمة صار المثقف ينظر إليه بوصفه آلة عدوة ينبغي النظر إليها، كما ينظر إلى المجرم الجنائي والقاتل المتسلسل، وليست علاقة المخرج الايطالي فيدريكو فيلليني بهذا الجهاز الرخيص و «المدعوم من مختلف الحكومات والأنظمة على مستوى العالم بأسره» إلا تشكيكاً بمدى قدرته على النفاذ إلى متطلبات وجوهر الانسان المعاصر.
الحالة التي يمثلها اقتناء فضائية خاصة، سواء امتلكها داعية متشدد أو مغنية، كما في حالة نوال الزغبي التي أعلن أخيراً اطلاق فضائية خاصة بها من طريق موقع «يوتيوب» قد تساهم في رفع وتيرة التطرف في محاولات جذب الأنصار والمعجبين في ظل تنافس محموم على شهرة عابرة لا يبقى منها إلا آثارها السيئة التي يصعب محوها، لأن مفهوم «اعتلاء» الفضاء يصبح اعتداء حراً ومبرمجاً على الثقافة الانسانية. وهذا ما يفعله، على الأقل، دعاة التشدد والتطرف الديني الذين تكاثروا مع ما يسمى بـ «الربيع العربي»، وأصبحوا مثل القاتل المتسلسل الذي وجد ضالته وحدد هدفه في المرأة والثقافة.