2013/05/29
رمضان إبراهيم – الثورة
ثمة مفارقة عجيبة أحالتنا إليها التطورات الهائلة التي طفت على السطح في السنوات الأخيرة فيما يتعلق بالإعلام . وبما أن العين والأذن هما الحاستان المرتبطتان بذلك فهل تعشق الأذن قبل العين أم أن الشاعر لم يخطئ عندما قال العكس ؟!. وإذا صحّت هذه المقولة في بعض الحالات فهل ذلك ينطبق على كل ما نسمع ونشاهد أم أن للقضية أوجه متعددة وجوانب مختلفة ؟!
في حقيقة الأمر أن بعض المهتمين بالشأن الإعلامي يعتبرون أن الإعلام هو صنعة وتجارة وبالتالي فإن قابلية الربح والخسارة تأتي في صلب اهتماماتهم وأن المعنيين بهذه الصنعة يسعون دائماً لتحقيق أرباحهم دون الأخذ بالحسبان كيف سينعكس ذلك على المتابع ودون النظر إلى تلك المشاعر التي قد تنتاب المستهلك ( المشاهد) أيضاً !
إن المتتبع لهذه التطورات المذهلة في مجال نقل الخبر أو الصورة يقف على مفترق طرق حائراً بين تصديق الصورة وبالتالي الأخذ بالخبر المرافق لها وبين تصديق الخبر الذي ترافقه الصورة وهنا تكمن حيرة المتابع وشكوكه أيضاً . طبعاً لدينا الكثير الكثير من البراهين على ذلك خصوصاً بعد الفبركات التي لا تحصى فيما يتعلق بالأوضاع في سورية إذ قامت قنوات التضليل والكذب والخداع كالجزيرة والعربية وغيرهما من القنوات التي باتت مفضوحة لكل ذي عقل بتلفيق الأخبار معتمدة على صور غير صحيحة أحياناً من بلدان أخرى أو تطبيق أخبار على صور من هنا وهناك ولا داعي للإطالة بهذا الموضوع إذ تكفّل الإعلام السوري البطل بكشف كل هذا الزيف وربما من هنا كانت حملتهم المسعورة لوقف بث القنوات السورية .
لم يُحسَم الصراع والتنافس بين وسيلة الصورة (وأعني هنا بشكل خاص التلفاز ) ووسيلة الخبر ( وأعني هنا الصحافة بكل أشكالها وانتماءاتها) وبالتالي بقيت الزعامة متأرجحة بينهما إلى أن برزت وسيلة أخرى كادت أن تطيح بعرش الصحافة والتلفاز معاً ( وأعني هنا الشبكة العنكبوتية أو عالم الانترنت).
هذه الوسيلة تكاد تكون الأسرع من حيث نقل الخبر ونشره إذ لا تحتاج إلى تلك الأعداد الكبيرة من الموظفين الذين يدققون وينضّدون ويعدون المواد التي ستنشر في الصحافة التي تحتاج إلى 24 ساعة كي تكون بين يد القارئ أو تلك الجهود التي تبذل في التلفزيون من أجل إعداد المواضيع والبرامج المختلفة وقد يحتاج إعداد بعض البرامج إلى أسابيع أو أكثر .
ونظراً لأن معظم ما تنشره الصحافة أضحى صفحات مكشوفة ومفتوحة على شاشات الحواسيب المتصلة بشبكة الانترنت الدولية وهذا يحتّم عليها أن تتطوّر وتحافظ على مستوى لائق وتتجنب المحاذير التي يمكن أن تسيء إلى صورتها وتمس سمعتها. وهذا يقتضي من القائمين عليها بذل جهد مضاعف لتطويرها، وفي هذا المجال يذكر الكاتب ياسر الفهد في كتابه ( دراسات في المجتمع المدني والفكر الإعلامي) : إن أهم عمل يجب القيام به في سبيل ذلك هو فك الارتباط وفصل الاتصال بين النشر والمصالح فالعلم للعلم والثقافة للثقافة والصحافة للصحافة والمصلحة الوحيدة التي يجب الحرص عليها هي مصلحة الصحيفة والقارئ. ويضيف في نفس المصدر: للأسف فإن بعض الدوريات العربية تنشر أحياناً مقالات غير قيّمة بسبب مصالح أو صداقات معينة ما ينعكس سلباً على مستواها ومكانتها اللذين لا يخفيان عن أعين الانترنت التي ترصد كل ما ينشر في الدوريات .
وبالعودة إلى عنوان المقال والعلاقة بين الصورة والخبر فإنني أجد من الضروري أن أتحدث عن العلاقة بين العاملين في الصحافة وزملائهم في التلفزيون إذ بات العديد من الصحفيين يشعرون بالامتعاض وهم يرون بعض أفكارهم التي طرحوها على صفحات دورياتهم قد تم تبنيها من قبل زملاء لهم يعملون في التلفزيون حيث يعمد هؤلاء إلى تجميل تلك الأفكار وتحويلها وتقديمها في برامجهم على أنها من بنات أفكارهم دون اعتراف للصحفيين الذين يكدون ويتعبون ودون العودة إلى ذكر صاحب الفكرة أو حتى الصحيفة .
يعترف بعض العاملين في التلفزيون بأنهم لا يستطيعون العمل من دون العودة إلى الصحيفة واعتمادها مصدراً أساسياً لتحضير برامجهم وهذا طبيعي برأي بعض الصحفيين فلا غضاضة إن استفاد المعد التلفزيوني من الصحافة المكتوبة بشرط تحقيق الأمانة الصحافية والإشارة إلى المصدر واحترام جهود الصحافي.
يرى بيار بورديو في كتابه ( التلفزيون وآليات التلاعب بالعقول) بأن أحد المشاكل الكبرى التي يطرحها التلفزيون هي العلاقة بين التفكير والسرعة فالتلفزيون أعطى مجال الحديث لمفكرين يفكروا بسرعة متزايدة ومشكلة السرعة هذه حولت العلاقة بين التلفزيون والصحافة إلى علاقة منفعة الغلبة فيها حكماً للشاشة لأن ما تعرضه أوسع وأسرع انتشاراً، فالصحافة تعمل بتأن زمني على مدار 24 ساعة بين تحضير المواد وتدقيقها وطباعتها بينما تدور عجلة البث التلفزيوني بسرعة جنونية في عملية محو وتسجيل يومي للذاكرة فكل جديد يمحو الذي سبقه وتحت ضغط الوقت لا مناص من اللجوء إلى الصحافة سواء فيما يتعلق بالأفكار أو في اختيار المحللين للأخبار.