2013/05/29
أمينة خيري – الحياة
أحكام القضاء التي توالت على الاعلاميين المصريين خلال الأيام السابقة تفتح أبواب التكهنات والتوقعات والتحليلات التي تتداخل فيها السياسة والإعلام، وتتشابك فيها خيوط الحكم والمعارضة عبر شاشات التلفزيون. شاشات التلفزيون التي تشكل الجانب الأكبر من وعي - أو قلة وعي- المصريين، وتوجه نعرات الكراهية يميناً ويساراً، وتبث نبرات الأمل شمالاً وجنوباً، وتدّعي الطهارة الأخلاقية حيناً وتموّه الألاعيب السياسية حيناً آخر، فيما يعتبرها بعضهم أدوات سيطرة، ويأمل آخرون بأن تكون أدوات تمكين بغرض تفعيل العقل، هذه الشاشات مقبلة على كثير من التغيير والتشكيل والهيكلة.
هيكلة شاشات التلفزيون قد تأتي عبر بوابات القضاء، أو على الأقل قد تفتح أحكام القضاء الباب المؤدي لإعادة الهيكلة! فميزان العدالة أوقف بث قناة «الحافظ» لـ 30 يومًا، ومنع المذيع عاطف عبد الرشيد و«الداعية» عبدالله بدر من الظهور في أي وسيلة إعلامية أخرى للمدة ذاتها. وجاء في حيثيات الحكم أن بدر «شوّه المادة الإعلامية التي يقدمها للجمهور من دون داعٍ بتطاول على الآخرين والإساءة إليهم من دون مقتضى، بل وادعى أنه يملك خزائن رحمة الله ويملك مفاتيح الجنة والنار، الأمر الذي يُعد إيذاءً لمشاعر المشاهدين من خلال سماعهم تلك الألفاظ النابية ومشاهدتهم مشاهد قبيحة». وأضافت المحكمة أن «القناة لم تنكر أفعال عبد الله بدر، بل تمسكت بها في مذكرة دفاعها، وذلك في ظل صمت وتقاعس الجهة الإدارية عن منع هذا الإسفاف من طعن في الأعراض والتعرض للحياة الشخصية لأفراد الناس، رغم افتراض أنها قناة دينية تدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، الأمر الذي يُعد مخالفة صريحة للقوانين والمواثيق الإعلامية وللشريعة الإسلامية التي من المفترض أن تسير على نهجها القناة».
«المشروع الإسلامي»
نهج القناة الذي يراه العاملون فيها- أو على الأقل هكذا يجاهرون- بأنه يخدم المشروع الإسلامي، والذي رأت المحكمة أنه «نشر للبذاءات سيؤدي إلى نشر الرذيلة والعصف بكيان الأسرة، ويؤثر سلبًا في تربية الأطفال»، يسلط الكثير من الضوء على ما يسمى «القنوات الدينية»! فهذه القنوات، والتي كانت ترزح تحت قبضة النظام السابق، حاجبة إياها حيناً ومطلقة إياها في قنابل متفجرة أحياناً، باتت في ظل النظام الجديد تتمتع بنوع غريب من الشرعية المستمدة من ملامحها القريبة من ملامح النظام الحالي. فـ «المشروع الإسلامي» الذي يمثله النظام الحالي له أذرع دعوية، وأخرى خيرية وثالثة تلفزيونية. هذه الأذرع التلفزيونية باتت داعمة للنظام في شحذ همم المشاهدين للتصويت بـ «نعم» بين الحين والآخر، وتأييد قرارات الرئيس، ودحض معارضة «الكفار» وكله من أجل رفعة «المشروع الإسلامي».
ويعتقد بعضهم أن رفعة «المشروع الإسلامي» أو تثبيت الحكم الإسلامي في مصر لا بد أن يمر من بوابة إسكات أو إخراس أو تشويه أو تهميش أو تكفير أو تكبيل أو تخويف كل من لديه القدرة على المعارضة، لاسيما إن كانت قادرة على الوصول إلى الملايين. بالتالي تقف برامج التلفزيون العصية على سيطرة الجماعة وحلفائها على رأس القائمة. لكنّ مثل هذه الخطوة التمكينية ينبغي أن تتم بشيء من الحنكة، لأن الخطوات المتسارعة قد تؤدي إلى رد شعبي يأتي على أخضر كرسي الحكم ويابس مفاصل الدولة.
أيادي التمكين
وإذا كان أحد أقوى هذه المفاصل واقعاً حالياً تحت وطأة عملية السيطرة والهيمنة، ألا وهو التلفزيون الرسمي، فإن سواه من الشاشات يحتم ابتداع سبل أخرى وطرق مبتكرة من أجل كسر شوكتها لأنها لا تقع تحت طائلة تمكين «الجماعة»!
برنامج «البرنامج» يثبت مع كل حلقة أسبوعية أن ربّ سخرية خير من ألف تكفير، وأن دحض الكذب بالحجة والبرهان يدفع الكذاب إلى حافة الجنون، وأن فضح التدليس يهدد التمكين، ومن ثم كان لزاماً مواجهته قبل فوات الأوان!
وهكذا، تجيشت جيوش المحبين والغيورين على الاسلام السياسي الذي يهدده هذا البرنامج ومقدمه باسم يوسف. وتوزعت الأدوار بين محب يطالب بوقف البرنامج الذي يهين السيد الرئيس، ومريد يشدد على أهمية محاكمة المذيع الذي يزدري الدين، وسواها كثير من جهود الحكم الرشيد في إخراس الإعلام العتيد. صحيح أن المحكمة كانت لها وجهة مغايرة، إذ رفضت وقف بث البرنامج أو معاقبة مالك القناة أو مقدم البرنامج، لكنها لن تكون المحاولة الأخيرة لـ «محبي» الجماعة لتمكينها.
جهود التجييش
جهود التجييش من أجل إسكات انتقاد الرئيس تمتد أيضاً إلى الأقلام المساعدة على التمكين، ومنها ما كتبه أحدهم. «لست من المنزعجين من برنامج باسم يوسف الساقط -لا الساخر- وأرى أن ما يعرضه من غثاء وسخافات في برنامجه، تسخر من الرئيس ومن التيار الإسلامي عموماً، لا يستحق عناء تضييع الوقت للتعليق على ما يفعله من الاستهزاء بالدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية، والاستخفاف بما يفعله من إنجازات لا يعرف الجهّال قيمتها؛ لأن مثل هذه البرامج السخيفة تنقرض مع الوقت وينصرف عنها المشاهدون».
«انصراف» المشاهدين عن باسم يوسف - والذي تعدى حاجز أربعة ملايين مشاهد لبعض الحلقات- تواكبه مظاهر انصراف أخرى مثل برنامج «هنا القاهرة» للإعلامي إبراهيم عيسى والذي يصفه أحدهم بـ «أسبرين الشعب» الذي يساعده على تحمل آلامه، وينعته آخر بـ «فشة خلق» تمنع من الانفجار! بالتالي كان لزاماً بذل المحاولات والجهود المحبة لـ «الجماعة» لإسكاته لأنه ينكأ الجراح!
جراح التمكين من حكم مصر والإجهاز على مفاصل شعبها من أجل شلّ حركته دخلت في منافسة حامية مع جانب من الإعلام الذي يعتبره مصريون كثر لسان حالهم البائس الباكي على ثورة مجهضة وأحلام مبددة! وأحياناً توجب محاولات التمكين كسر ضلع لها أملاً بأن ينمو بدلاً منه ألف ضلع آخر، ويلوّح الخبثاء أن كسر ضلع قناة دينية تبث ما يعتقد أنه يخدم المشروع الإسلامي قد يمهد الطريق لكسر ضلوع أخرى يرونها تفضح حقيقة المشروع المتأسلم. يضحك المصريون حين يشاهدون باسم يوسف وإبراهيم عيسى، لكنه ضحك كالبكاء، يفتح جراحهم ويضغط عليها فيتأكدون أنهم مازالوا على قيد الحياة لفرط الألم، لكنّ هناك من يحاول أن يفقدهم الوعي، ليس رحمة بآلامهم بل إجهازاً على ما تبقى منهم! إنه التمكين!