2012/07/04
خاص بوسطة - علي وجيه بالبحث عن أسباب انتحار شاعر الحب والموت الروسي بوريس ريجي في فيلم الهولندية أليونا فان ديرهورست الذي يحمل اسم "الشاعر"، اختتم «أيام سينما الواقع» Dox Box 2010 برنامج العروض في الدورة الثالثة (3 - 11) آذار 2010. قبل أن يصار إلى منح الفيلم السوري "نور الهدى" للفلسطينية لينا العبد جائزة (DOX BOX – Soura) بالتعاون مع شركة صورة التي يديرها المخرج حاتم علي، والتي تبلغ قيمتها 100 ألف ليرة (حوالي 2000 دولار). أصوات من سورية الفيلم الذي أنتج عام 2008 لصالح إحدى الفضائيات الإخبارية، يرصد في 20 دقيقة يوميات نور الهدى؛ الفتاة التي تعيش مع عائلتها وسط بيوت الصفيح والكرتون والسقوف المعدنية في حي سري بدمشق (في الكتالوغ نعرف أنّه على تخوم حي القابون). تخجل الصبية من ظروف عائلتها وتحلم بحياة أفضل، في رؤية عاطفية مباشرة تذكّر بالريبورتاجات التلفزيونية وبروح أقرب إلى الهواية، وهذا ليس مستغرباً كون المخرجة صحفية أصلاً. أربعة أفلام أخرى ضمن تظاهرة "أصوات من سورية"، نافست "نور الهدى" على الجائزة المحدثة في هذه الدورة. "حجر أسود" 2006 إخراج نضال الدبس وسيناريو خالد خليفة، الذي يدخل إلى الحي الفقير ويرصد حياة وهواجس أربعة أطفال داخله. الفقر والتشرّد والمخدرات والتحرّش الجنسي والتسرّب من المدارس، كلها عناوين أثقلت الفيلم بالقسوة والتشعّب، حتى أنّ وزارة الإعلام منعت الفيلم من العرض على شاشة التلفزيون (أحاديث الكواليس تتحدّث عن منع آخر بسبب أبطاله الأكراد). "جبال الصوّان" للشاب نضال حسن يأخذنا إلى جبال الساحل السوري، حيث نتعرّف على نحّات فطري، أو بالأحرى جامع أحجار ذات أشكال مميزة، يتماهى مع الحجارة تعويضاً عن خيباته الشخصية. نرى هنا انجدال الإنسان مع الطبيعة حيث العزلة والخواء والصمت. ريفيون منسلخون عن الصيرورة الاجتماعية، يحتفون بإنجازات بعضهم مع قليل من الثرثرة الثقافية التي لا تخلو من الطرافة. في هذا الفيلم الذي أنتجته الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008، يبقى نضال حسن في المنطقة الساحلية بعد فيلم سابق مع أطفال مدينته طرطوس هو «البشرة المالحة» 2003 (مشروع تخرّج نضال من جامعة السينما في أرمينيا). عمّار البيك يقترح في "سامية" توليفة سردية مختلفة، فالفيلم المصوّر في الأراضي الفلسطينية التي لم يزرها المخرج، يجمع في الذكرى الستين للنكبة بين المخرج الفرنسي جان لوك غودار الذي رفض المشاركة في مهرجان إسرائيلي لأفلام الطلبة، والرسّامة الفلسطينية سامية الحلبي التي أهدت المخرج حجراً التقطته من حقل زيتون في رام الله، ووفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي نراه في فيلم غودار «موسيقانا» 2008. في «كلام حريم» 2008 للمخرج سامر برقاوي والسيناريست عدنان العودة، تذهب الكاميرا إلى ضفاف الفرات في الجزيرة السورية لرصد واقع المرأة السورية في تلك القرية النائية، من خلال طرح ساخر يتراوح بين الواقع والرواية، القول والفعل. لاحقاً تحوّل الفيلم إلى لوحة ساخرة في سلسلة "بقعة ضوء" التلفزيونية. إذاً، هي أفلام أسرها الموضوع والمناخ الفني الجديد، كون الفيلم التسجيلي يمنح صانعه حريةً أكبر في ترك الكاميرا تدور على راحتها دون الاكتراث للقواعد الدرامية الصارمة كما في الأفلام الروائية. الأمر الذي ينعكس، ربما، على الرغبة في التعبير عمّا هو مسكوت عنه عادةً. هكذا نرى العشوائيات وأحزمة الفقر وتلال القمامة وأطفال الطنابر والريف المتخلف دون رتوش وبانفلات أكبر من المعتاد، ولدرجة مبالغ فيها غالباً. وهي نقاط سنأتي عليها بالتفصيل لأهمّيتها. جائزة للسوريين كما حدث في مهرجان دمشق السينمائي الذي أحدث جائزة أفضل فيلم عربي لصعوبة المنافسة مع الأفلام الأجنبية ذات الهوية العريقة في صناعة السينما، طلعت علينا هذه الدورة من «أيام سينما الواقع» بجائزة (DOX BOX – Soura). وهي لفتة تشجيعية للسينما التسجيلية في سورية، خصوصاً أن أحدث الأفلام السورية المشاركة في هذه الدورة يعود لعام 2008. يقول المنظّمون في تقديم التظاهرة: «لعلّ أول ما يتبادر إلى الذهن هو واقع أنّ عدد الأفلام التسجيلية الإبداعية التي تُصنَع في سورية كل سنة لا يكاد يبلغ عدد أصابع اليد الواحدة، وأنّ هذا الواقع لا يضمن انتقاء أفلام جيدة كل عام. ولكنّها غواية الشراكة، لأفضل ما يصلنا من أفلام نخصص هذه التظاهرة، ونؤكّد إيماننا بأن المستقبل لن يكون إلا أفضل!». والخلاصة أنّ الجائزة تأتي لتشجيع الحراك السوري في السينما التسجيلية، طبعاً بعد الاعتراف بصعوبة (أو استحالة) مقارعة الأفلام المشاركة من دول أخرى عريقة سينمائياً، في الوقت الحالي على الأقل. سينما تسجيلية أم ريبورتاجات تلفزيونية؟ سؤال يفرض نفسه مع ما رأيناه في مجمل الأفلام السورية. كادر ضعيف يعتاش على غرائبية البيئة والعشوائيات والمناطق المعدمة (حي الحجر الأسود - الحي السري على تخوم القابون – القرية الجزراوية) أو الموضوع (النحّات الفطري وطقوس صنع العرق في المنزل)، ولا يبحث عن جماليات الصورة وأبعادها الخفية. تناول سطحي في أغلب الأحيان للفكرة (الأفكار) المطروحة، ينسى أنّ الفيلم التسجيلي هو «فيلم» بالنهاية، وكأن الأمر لا يعدو عمل ريبورتاج تلفزيوني مطوّل مع بعض المقابلات واللقطات (الإنسيرتات) الموازية. رأينا ذلك في "نور الهدى" و"كلام حريم" وبقية الأعمال بدرجات متفاوتة. هذه الأفلام أغفلت ما يسمّى بـ «السينما التسجيلية الإبداعية»، وهو المصطلح الذي ظهر في أوروبا أوائل الثمانينات لتمييز الفيلم التسجيلي ذي الخصائص الإبداعية عن الريبورتاج المصوّر، ولحثّ الحكومات والمنتجين على دعم الأفلام الوثائقية. المخرج التشيلي باتريسيو غوسمان صاحب ثلاثية "حرب تشيلي"، التي تعد أهم إبداع تسجيلي من أمريكا اللاتينية، و"قضية بينوشيه" و"تشيلي، ذاكرة مستعصية" و"سلفادور الليندي"، حلّ ضيفاً على المهرجان مع مجموعة من أهم أفلامه، وتحدّث عن الفرق بين الفيلم التسجيلي الإبداعي والريبورتاج المصوّر: «الصحفيون معتادون على زمن محدود وقصير يتبع لبرنامج العرض في القناة التلفزيونية، بينما الزمن مفتوح في الفيلم التسجيلي. الريبورتاج الصحفي لا يصوّر مجرى الحدث، بل يرويه عبر مجموعة من اللقطات للمكان والشخصية ثم التعليق الصحفي، بينما الفيلم التسجيلي يصوّر صيرورة الحدث، كيف بدأ، وكيف تطور، وماذا يخفي من علامات؟ ثمّة قصة يتم سردها وسبر أبعادها، ومع ذلك فإن الصحافة المرئية والفيلم التسجيلي أبناء عم». من حديث التسجيلي التشيلي الكبير لنا أن نتساءل: هل لبّت الأفلام السورية الخمس هذه المعايير أو بعضها؟ هل قاربت شريطاً سورياً قديماً للمخرج عمر أميرالاي يحمل عنوان: "الحياة اليومية في قرية سورية" 1974 أنجزه مع الراحل سعد الله ونوس؟ هذه تساؤلات يمكن أن نحتفظ بها للدورة الرابعة من المهرجان، والتي يُفترض أن تقدّم جديد «السينما التسجيلية السورية» إذا جاز التعبير. التشعّب ودور السيناريو يُلاحظ في الأفلام السورية الخمس حالة التشعّب والتشّظي التي تؤول فكرة العمل إليها بعد البدء بتنفيذه. عشرات الصور والأفكار والالتقاطات تفرض نفسها على عدسة المخرج حتى لو كانت خارج فكرة الفيلم برمّته. نضال حسن يمهّد لتشعباته في "جبال الصوّان" (46 دقيقة) في بداية الفيلم، ونضال الدبس يعترف بأنّه صوّر 12 ساعة كاملة رأى منها الجمهور 63 دقيقة، بعد أن تغيّر الموضوع من التسرّب المدرسي إلى قائمة عناوين عريضة يصلح كل منها لأفلام مستقلة بحد ذاتها. طبعاً حدث هذا بعد بدء التصوير. هنا يبرز سؤال كبير عن ماهية سيناريو الفيلم التسجيلي. هذا الورق علامَ يحتوي بالضبط؟ هل هو ملخّص بسيط Synopsis أم تصوّر كامل للعمل؟ وما فائدة الدراسات الميدانية التي تسبق التصوير إن كان الحال سيتغيّر بعده؟ ملاحظتان على التنظيم الجهود المبذولة لإنجاح المهرجان وتسويقه بشكل جيد واضحة وملموسة. ولكن التأخير في مواعيد عرض الأفلام كانت سمة دائمة لهذه الدورة، ما أدى إلى انزياح زمني في المواعيد يومياً. كذلك استئثار بعض المنظّمين بوقت مهم من نقاش ما بعد العرض بين الجمهور وصنّاع الفيلم، فاعتادت إحداهنّ طرح ما بين 4 - 5 أسئلة حتى تنتقل إلى الجمهور، حيث لا يُسمَح للشخص بأكثر من سؤال واحد لإتاحة الفرصة للجميع. جائزة الجمهور لـ "12 لبنانياً غاضباً" نال فيلم «12 لبنانياً غاضباً»، للمخرجة والممثلة اللبنانية زينة دكاش، جائزة الجمهور التي تبلغ قيمتها 150 ألف ليرة (حوالي 3000 دولار) مع مجسّم تذكاري من تصميم النحّات السوري العالمي مصطفى علي، محققاً إجماعاً استثنائياً ورقماً قياسياً نسبته 4ر95 بالمئة من التصويت. يرصد الفيلم مجموعة من نزلاء سجن «رومية»، أكبر سجون لبنان، يختبرون العلاج بالمسرح، فيعملون على إنجاز عملٍ مسرحيّ، تحت إشراف مختصّة شابة هي «زينة دكّاش» نفسها، فنكتشف عوالم هؤلاء السجناء ومكنوناتهم التي تجعلنا نتواطئ حتى مع مرتكبي جرائم القتل والاغتصاب منهم. فيلم حسّاس بمعالجة بسيطة جعلته الأقرب إلى جمهور المهرجان من بين كل العناوين المشاركة. يُذكَر أنّ جائزة الجمهور ذهبت في الدورة الأولى 2008 للفيلم الصربي "شوتكا: كتاب للأرقام القياسية" للمخرج الصربي الكساندر مانيش، وحازت جائزة الدورة الثانية 2009 المخرجة الأمريكية من أصل سوري جاكي ريم سلوم عن فيلم "هيب هوب المقلاع". بالأرقام - تضمّنت هذه الدورة 43 فيلماً تسجيلياَ إبداعياً من حول العالم، 19 فيلماً منها يعرض للمرة الأولى في المنطقة العربية. -بلغ عدد الأفلام التي تقدمت للمشاركة أكثر من 600 فيلم من 58 دولة حول العالم، اختارت منها اللجنة المؤلفة من 8 شباب وشابات 43 فيلماً من 27 بلد، مع حضور قوي لعدد من البلدان: 4 أفلام من لبنان، و 7 أفلام من بولونيا. -خبرة سابقة في العمل ضمن هذا المجال، تلقّوا دروساً في مجالات الإخراج والإنتاج والتصوير والمونتاج. أرقام من الدورة الثانية 2009: 12000 متفرج - أكثر من 170 مقال صحفي، محلي وعربي ودولي - أكثر من 70 ضيفاً - 40 فيلماً - 3 مدن. يُذكَر أنّ «أيام سينما الواقع» هي تظاهرة دولية سينمائية مستقلة، مختصة بالأفلام التسجيلية الإبداعية، تقام سنوياً في دمشق وحمص وطرطوس، تنظمها شركة بروأكشن فيلم برعاية المؤسسة العامة للسينما وبالتعاون مع العديد من الجهات المختصة والمانحة.