2013/05/29
ماهر منصور – السفير
يستحق المهندس الشاب أديب خير لقب المنتج الفنان. رحل خير في بيروت أمس الأول، عن 48 عاماً، إثر أزمة قلبيّة، تاركاً بصمة كبيرة على مسار الدراما السوريّة، خلال العقد الماضي. خير هو منتجٌ فنان، بما أنتجه عبر شركة «سامة» من أعمال درامية، إلى جانب تنظيراته للدراما واتجاهاتها. فحين يكون الإنتاج الدرامي السوري مهنةَ من لا مهنةَ له، يصير منتج مثل أديب خير، عملةً نادرة، لناحية امتلاكه الرؤية الفنيّة المتكاملة. بفضل خير، ومجموعة قليلة من أمثاله في سوق الدراما السوريّة اليوم، تحوّلت تلك الصناعة في إحدى تجلياتها، إلى صناعة رشيدة، تعرف أين تمضي، وفق خطط عمل وإستراتيجيات، تجعلها مختلفة عن السائد.
أسسّ خير شركة «سامة» مطلع العام 2000، وجاءت أولى مشاريعها من بوابة المسرح، في عروض محليّة وعربيّة، أسّست لما حمل في حينه اسم «مسرح سامة». وخلال عامين، قدَّمت الشركة أربعة عروض بين محلية وعربية، منحت الشركة طابعها المعاكس للتيار. ففي وقت كان دخول مضمار الدراما السورية أمراً مغرياً لمعظم المنتجين، أسَّس خير لشركته انطلاقاً من عالم الخشبة.
لاحقاً التقى الراحل أديب خير مع الممثل السوري جمال سليمان، والموسيقي طاهر مامللي، ليؤسسوا معاً لانطلاقة «سامة» الدراميّة. وكان «أهل الغرام» في العام 2002 أولى انتاجات شركة «سامة» للشاشة الصغيرة، وهو العمل الذي حقق معادلتي الجمهور والنقاد في آن معاً، وأسس لدراما يمكن أن نسميها «دراما الحب»، إن صح التعبير، تناسلت منها مسلسلات كثيرة، في مقدمتها «ندى الأيام» الذي أنتجته الشركة نفسها، وتقاسم إخراج حلقاته ثلاثة مخرجين هم هيثم حقي، وحاتم علي، والمثنى صبح. وإن كان شرط وتوقيت العرض قد استدعى الاستعانة بالمخرجين الثلاثة، إلا أنّه يحسب لـ«سامة» قدرتها على جمع المخرجين الثلاثة، في عمل واحد.
نقطة التحول الثانية في مسيرة «سامة» كانت حين قدمت شكلاً مغايراً تماماً للدراما البدوية في «فنجان الدم»، مع إنجاز حكاية بدوي ضمن شرط زماني ومكاني واضحين، بعكس الشائع في ذلك النوع من المسلسلات. وكانت «ضربة المعلم» الحقيقة لسامة في إنتاج مسلسل «ضيعة ضايعة» للمخرج الليث حاجو، وهو إنتاج بسيط نسبياً حقق المعادلة الصعبة فنياً وجماهيرياً. وكان نجاح العمل مدويّا، لدرجة أنّ الضغط الجماهيري لا إرادة صانعيه دفعت الشركة لإنتاج جزء ثان منه. عند هذه النقطة انتهت شراكة أديب مع سليمان ومامللي، ليبدأ المنتج الراحل مرحلة جديدة من عمله.
يعدّ أديب خير عرّاب دبلجة الدراما التركية بالشامي، وقد سخّرت أعماله في الدبلجة بالكامل لعرضها على قنوات «أم بي سي» المتعددة. وبقدر ما هوجم المشروع، وتمّ التنظير لتأثيراته السلبية على الدراما السورية، كان الراحل يدافع عنه، وعن خياراته الفنية. لم ينفِ خير المردود التجاري الكبير لمشروعه في الدبلجة، إلا أنّه اعترف في حديث صحافي، بأنّ «الدخل الذي أجنيه من الدوبلاج هو الذي يساهم بتمويل الإنتاج السوري».
في كل مرحلة من مراحل عمله، كان الراحل أديب خير، ينتقل إلى المرحلة التي تليها بناءً على الدروس المستفادة مما أنجزه سابقاً. وهنا يظهر مفهومه لـ«الصناعة الرشيدة»، من خلال التوجّه نحو إنتاج الخماسيّات مثل «تقاطع خطر»، و«بيت عامر». وفي حديث صحافي، برَّر أديب خير توجّه «سامة» نحو إنتاج الخماسيّات بقوله: «خلال قراءتي لمئات المسلسلات، وجدت أنَّ أفضل المسلسلات تبدأ بالهبوط بعد 150 صفحة منها، ويبدأ الكاتب بالبحث عن مسوِّغات غير منسجمة كي يطيل المسلسل، لذلك فكَّرنا أن نأخذ هذه المئة وخمسين صفحة أي زبدة العمل، ونقوم بصنعها كخماسيات، وفي حال تابع أحد ما خماسية ما، ولم تعجبه فرضاً، فهو لن ينقطع عن المحطة لأكثر من خمسة أيام وسيعود إلى محطته وسيجد خماسية أخرى ستعجبه بالتأكيد».
مستلهماً دروسه المستفادة من دبلجة الأعمال التركيّة، أنتج مسلسل «روبي» للمخرج رامي حنا والكاتبة كلوديا مرشيليان. حقَّق العمل نجاحاً جماهيرياً، لكنه اخفق نقدياً، خلافاً لكل ما قدمه الراحل أديب خير من قبل.
نستفيض في الكلام عن «سامة»، وموضوعنا هو أديب خير. لكنّه من الصعب فصل الراحل عن شركته، على نحو يكون الحديث عن الواحد منهما، حديثاً عن الآخر. وذلك الالتحام هو خير دليل على أنّ أديب خير، هو خير عرّاب لصناعة دراميّة رشيدة.