2013/05/29

رفيق سبيعي: أعمـــال البيئة الشـــامية انحرفت عن الواقـع
رفيق سبيعي: أعمـــال البيئة الشـــامية انحرفت عن الواقـع


بديع منير صنيج – تشرين

يتابع الفنان «رفيق سبيعي» مشواره مع برنامجه الإذاعي «حكواتي الفن»، لكن هذه المرة سينقله إلى التلفزيون من إنتاج شركة سورية الدولية ضمن محاولة لفتح المجال واسعاً أمام توثيق تلفزيوني لذاكرة وطن يرويها فنان الشعب،

وليزيد قدرته على التواصل مع الجمهور، فهو لا يريد أن يقتصر عمله على الإذاعة، ولا أن يقف خصما تجاه التلفزيون. يقول: «أحاول أن أساير وسائل الإعلام عموماً، لكن لدي أفكار أريد أن تصل كما هي، وهناك بعض المسؤولين في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون يقفون في وجهي نتيجة عدم وجود خبرة كافية عندهم، ويعملون كسدّ في طريق النفاذ إلى الناس بما يفيد الوطن, لا أريد أن أتهم أحداً، لكن في كثير من الأحيان أصبح محبطاً تجاه ذلك».

ورغم أن الفنان القديم يدرك أن أكثر ما يتأثر بالأحداث الجارية في سورية هو الفن، إلا أنه متفائل بأن الخير قادم رغم كل ما يحصل، وبأن الأمور ستعود لتأخذ مجراها الطبيعي، والسلام والأمان سيعمّان، ويدعم تفاؤله بالتأكيد على أن عجلة الدراما السورية ما زالت دائرة شركاتٍ وممثلين ومخرجين وفنيين، حيث سيجسد لهذا الموسم شخصية الزعيم في مسلسل «قمر شام» لمخرجه مروان بركات ويقول عنها: «كما كانت هذه الشخصية طاغية في مسلسل «طاحون الشر» فإنها في هذا العمل ستحتل أيضاً الحيز الأكبر من الاهتمام».

ويؤكد صاحب شخصية «أبو صياح» أن الدراما السورية لم تعد تؤسس لشخصيات استثنائية كما في السابق مع بعض الاستثناءات، ومنها شخصية «طوطح» في مسلسل «طالع الفضة» التي قال عنها: «كنت أكثر جرأة من العديد من زملائي، فقبلت بأدائها بعد أن أعرضوا عنها. ومع العلم بأنه من الصعب إيجاد الشخصية التي تطمح لأن تترك أثراً في الناس، فهي لن تستطيع ذلك إلا عبر ارتباطها بالبيئة التي تعيش فيها، وشخصية «طوطح» تمتلك هذه الميزة، فهي تعبر عن الارتباط بالوطن، وذاك الارتباط هو ما يحفزه لتقديم الأحسن لفائدة بلده قبل فائدته الشخصية».

يقول «السبيعي»: «إن أعمال البيئة الشامية انحرفت عن الواقع، لكنها في طبيعة الحال تُصوِّر مصغر أمة. والحارة تصور البلد بما فيها من نماذج مختلفة وهو ما أعجب الناس بها, لكن تلك الأعمال في معظمها لا تحاول إلا استعراض أمور ليس فيها ما يفيد المجتمع، فمثلاً لا يوجد في كل أعمال البيئة, باستثناء القليل منها, ولد ذاهب إلى المدرسة، وكلها أعمال فيها «بوجقة»، وتقليد أعمى لشخصيات البيئة الشامية، في حين أنني عندما أديت شخصية «أبو صياح» قصدت أن أقدم أنموذجاً من الإنسان الذي قلبه على بلده، ويهتم به، ويحب حارته والناس الذين حوله. لكن المسلسلات الشامية تتحول إلى خناقات و«بوجقة»، لذلك أرجو من كتاب البيئة الشامية أن يرجعوا إلى الصواب، ويقدموا الصورة الموضوعية والمفرحة لتلك الشخصيات».

يبدو أن هناك مشروعاً لتشويه مجتمعات بأكملها، والدراما إحدى أدوات الإعلام التي هيمن عليها المال فبات يفرض أفكاره، لكن السبيعي لا يوافق على مقولة أن «المال يسيطر»، ويوضح أن «كتاب الدراما باتوا يحذون حذو غيرهم، ولا يبدعون طروحات اجتماعية جديدة لها قيمة، وللأسف الشديد يتبعون الأسهل عبر جمع مجموعة أشخاص يختلفون ويتشاجرون وبعدها يتصالحون، بمعنى ليس هناك بعد اجتماعي أو قيمة حقيقية ولذلك لا بد من العودة إلى الأصول».

أما فيما يتعلق بـ«فن المونولوج» الذي كرسه السبيعي وانتقد من خلاله كثيراً من أخطاء المجتمع فـ«ليس من الممكن أن يرجع للشاشة إلا باهتمام المسؤولين عن الإعلام» هكذا يقول صاحب أغنية «شرم برم كعب الفنجان»... ويضيف:«أذكر أنه كان في كل بلد عربي ناقد شعبي مشهور يتناول أهم القضايا الاجتماعية ضمن أعمال دمها خفيف يمكنها أن تدخل إلى المجتمع وتجعل المستمع والمشاهد ينتبه إلى الأخطاء التي يقترفها، أما الآن فقد قل وجود هذا الناقد إلى الحد الأدنى، وأكاد أكون الوحيد من الذين يقدمون هذا النوع من الأعمال التي لا يمكن أن تستمر إلا بعد أن تأخذ الضوء الأخضر, وبصراحة قدمت الكثير من الأعمال وبعد أن أسجلها لا تأخذ الاهتمام الكافي، وأنا أعتب على القائمين على التلفزيون لأنهم لا يعطونها حقها، فأنا عندما أرى أنه لا تتم الاستفادة مما أقدم تثبط همتي، وبصراحة لا أعود متحمساً لتقديم شيء جديد».

ويقول بطل فيلم «أحلام المدينة» معاتباً المؤسسة العامة للسينما: «السينما لا يُقدم لها حيزها المناسب، ولا يسمح لها بالظهور كما يجب، ولاسيما في القطاع العام... على ما يبدو, إن مؤسسة السينما ما زالت تتعامل مع الإنتاج كواجب تقديم فيلم أو فيلمين في السنة من دون النظر إلى تطلعات الفنانين، وللأسف الشديد, إن العمل فيها يصطدم بروتين، وأشياء عجيبة غريبة، وأنا ما زلت أعد إنتاجها متواضعاً وغير كافٍ وغير مجد».

يتذكر المبدع الكبير أساتذته ورفاق دربه فيقول: «أفتقد اليوم القصاص والناقد الشعبي «حكمت محسن» وزملاءه الذين تعاونوا معه في تلك الفترة التي لم يكن فيها إلا الإذاعة، حيث استطاعت فرقته أن تؤثر في الناس، لأنه رصد في أعماله ما يلاحظه أمامه ويشاهده ويحتك به، حيث نقل الواقع والحقيقة عن طريق الدراما، ونجح في ذلك، وأمثال أولئك الناس نفتقدهم فليست هناك أعمال تترك آثاراً كما كانت تلك الأعمال, لكن حتى الآن هناك أدوات قد تستخدم من قبل الفنان ليقول ما يريده»، لكنه مع ذلك متفائل بالطاقات الفنية الجديدة ويصفها بالواعدة متمنياً أن تزول كل العوائق أمام هذه الأجيال لتقدم ما عندها ولاسيما إن حصلت على دعم أكبر.