2013/05/29

مــرة أخـــرى.. مبـــدعــو الـــدرامـــا الســــورية فـــي دائـرة الاسـتهداف!
مــرة أخـــرى.. مبـــدعــو الـــدرامـــا الســــورية فـــي دائـرة الاسـتهداف!


عمر محمد جمعة - البعث

> تعيد الحملة الشعواء التي شنّها بعض الإعلاميين اللبنانيين منذ مدة على المخرج السوري سيف الدين سبيعي، بعد أن انتقد الدراما اللبنانية، إلى الأذهان الحروب والتصريحات النارية التي دارت على مدى سنوات نهوض الدراما السورية واكتساحها الشاشات والفضائيات العربية، بدءاً من عام 1990، وتحقيقها نسب مشاهدة عالية، وإثارة جدل طويل بعد عرضها ونيلها ذهبيات ومراكز متقدّمة في المهرجانات العربية.

فالفنان سبيعي الذي أخرج: "مرايا، وتعب المشوار، وطالع الفضة، وأهل الراية، وعن الخوف والعزلة، والحصرم الشامي" وغيرها من الأعمال، لم يفعل شيئاً ولم ينسف تاريخ أحد أو يقزّم جهد أحد سوى أنه أعطى رأيه جهاراً، وانتقد الدراما اللبنانية بالقول: "إنه عندما أتيت للعمل كمخرج في لبنان، اعتقدت أنني سأجد دراما تحاكي الواقع، لكنني فوجئت بأعمال سطحية عائمة تتكلم فقط عن قصة حب أو عن صعوبة الارتباط بسبب اختلاف الدين بين الحبيبين"، متسائلاً عن سبب ابتعاد الدراما عن قصص الاختلاف السياسي في المنزل الواحد الذي يجمع تيارات مختلفة، إذ تجد منزلاً يحوي أخاً ينتمي إلى التيار العوني، والثاني إلى "القوات"، لافتاً إلى جرأة البرامج الفنية اللبنانية وتجاوزها بأشواط السقف الذي وصلت إليه الدراما!!.

غير أن هذا الرأي والانتقاد لم يرق لبعض الإعلاميين اللبنانيين الذين هاجموا سبيعي بأقبح الألفاظ، حيث زعم صحفي لبناني على صفحته على "فيسبوك"، أن سبيعي "تطاول على دراما يعتاش منها حالياً، وأهان المجتمع الدرامي اللبناني"، في حين انبرى بعض المنتجين اللبنانيين إلى شنّ هجوم حاد على سبيعي، معتبرين أن "الوقت حان للنيل من المخرج السوري المتواضع، وقد بصق في الصحن الذي أكل منه"!!.

بكل أسف نقول: إن سفسطة بعض النخب الإعلامية والفنية في لبنان وقبلها في العالم العربي، وإثارتها الزوابع والجدل العقيم رداً على حديث أو تصريح عادي، أتى في سياقه الطبيعي، تُظهر ضحالة وهزال الفكر الذي ينتمون إليه ويتمترسون خلفه، وتدحض مقولة أن السياسة تفرّق فيما الفن يجمّع، إذ لم تشفع التجربة الفنية للمخرج سيف الدين سبيعي -التي ربما نختلف وإياهم في تقييمها حتماً- في انتقاد موضوعات الدراما اللبنانية وتحليل أسباب فشلها وسويتها الفكرية وممكناتها الفنية من سيناريوهات وشخصيات ومحاور الحكاية العامة، ومدى تأثيرها في وعي ووجدان جمهور المشاهدين، وفي ظننا هذا أمر مشروع لأي متابع مهما كان شأنه، فكيف لمخرج قدّم عدداً من المسلسلات الناجحة في الدراما السورية، منها "طالع الفضة" الذي نال مؤخراً ذهبية المسلسلات التلفزيونية التاريخية في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون الذي اختتم في تونس؟!!.

على أن المؤسف قوله أيضاً: إن الدراما السورية التي رمت حجراً كبيراً في المستنقع الراكد، وقامت بانقلاب جذري وتحوّل مشهود في تاريخ الدراما العربية، لاقى قبولاً طاغياً ومتابعة منتبهة من ملايين المشاهدين العرب، استثمرت فيه كل ممكنات النجاح والرقي في النص والصورة ورشاقة الحوار ومتانة السيناريو والتحرّر من محدودية الاستديو نحو الطبيعة والفضاء المفتوح، أقلقت بعض الإعلاميين والكتّاب والمخرجين والمنتجين العرب، ووضعت نفسها في مرمى الاستهداف ممن يجهل معنى الحداثة والتجديد، في تأكيد فاضح بأن الإنسان عدو لما يجهل، حيث لم نستغرب قبل سنوات مثلاً الهجوم الناري والحاد الذي شنّه السيناريست المصري الراحل أسامة أنور عكاشة ضد الدراما السورية في منجزها الجديد، ولاسيما خلافه الشهير مع المخرج المبدع نجدت أنزور الذي ذهب من الخلاف الفني باتجاه تشكيك عكاشة بانتماء أنزور الوطني، وأيضاً اتهام عكاشة بأن أنزور سعى لتقليد الأعمال المصرية في مسلسل "رجال الحسم" الذي كتبه فايز بشير نظراً لتقاطع حكايته عن الجاسوسية مع المسلسل المصري "رأفت الهجان"!!.. وهذا في ادّعائنا اتهام ساذج إلى حدّ بعيد.

كما تعيدُ حادثة المخرج سبيعي وهذه النزعة الكيدية من بعض النخب الإعلامية والفنية العربية إلى الأذهان، وقد أزعجهم تطوّر وتمدّد الدراما السورية، ما تعرّضت له هذه الدراما من انتقادات واتهامات "مشخصنة" لا تستند إلى مرجعية تؤكد حق الاختلاف والتقييم، إذ نتذكر بأسف عشرات المقالات والموضوعات غير المقنعة التي نشرتها صحف ووسائل إعلام عربية، متهمة درامانا (لمجرد الاتهام فقط) وبلا دلائل وقرائن موضوعية مقنعة –كما أسلفنا- بأنها تتشابه وتجترّ موضوعاتها وتكرّر الشخصيات ذاتها كشخصية ابن صاحب السلطة الذي ينتهك أعراض الناس، فضلاً عن تبرير الخيانة الزوجية، والحوادث التاريخية التي تدور في الفلك ذاته، رغم أن القراءات والدراسات الجادة والحقيقية التي كُتبت عن الدراما السورية في صحف ووسائل إعلام عربية أخرى أجمعت وبالقرينة الدالة على تعدّد موضوعاتها وتنوّع محاورها وخطوطها الدرامية وجرأتها واختراقها للكثير من الخطوط الحمراء سياسياً واجتماعياً.

ولئن كنّا نحترم ونعترف بل نسلّم بحق الآخر في التقييم والرؤية والانتقاد، وهذا حق طبيعي مكفول سواء اتفقنا أم اختلفنا معه، إلا أن الانحدار إلى ردود وتعليقات "مشخصنة" كالقول: "إن سيف الدين سبيعي تطاول على دراما يعتاش منها حالياً، وإنه بصق في الصحن الذي أكل منه"!!.. فإن ذلك لا يمتّ إلى أخلاق الخلاف الفكري والفني بصلة، بل يمكن عدّه تصفية حساب واستهدافاً لمبدعي الدراما السورية الذين عرّوا المنجز الفاشل وفضحوا ضحالة وهزال الفكر الذي ينتمي إليه الذين لا يجيدون لا الفن بالمعنى الدرامي ولا فن إدارة الخلاف الذي يعتبره الباحثون والمنظّرون اللبنة الأولى في أي حوار جاد ومثمر!!.