2013/05/29
محمد خير – الأخبار
حمل العام 2012 إلى الإسلاميين في مصر مفاجأة سعيدة وأخرى سيئة، المفاجأة السعيدة هي أنهم أصبحوا يسيطرون على الجزء الأكبر من جسد البث الإعلامي المصري، أما المفاجأة السيئة، فهي اكتشافهم أن تلك السيطرة لا تعني بالضرورة القدرة على التأثير. كما منحت الثورة المصرية لجماعة الإخوان المسلمين حق إنشاء حزب سياسي لأول مرة منذ تأسيسها قبل 8 عقود، فقد منحتها كذلك حق بث أول قناة فضائية مملوكة للجماعة معبرة عنها هي (مصر 25)، لم يعد أعضاء الجماعة بحاجة إلى توسّل الظهور في فضائيات الآخرين، وإن كانوا لازالوا يحافظون على وجودهم فيها بانتظام، أما فوز محمد مرسي بكرسي الرئاسة، فقد منح الجماعة منصب وزير الإعلام، ومن ثم التحكم في الجسم الهائل لمبنى الإذاعة والتلفزيون المصري بقنواته المتعددة أرضيا وفضائيا، إذا أضيف إلى ذلك أن القنوات الدينية الخاصة العديدة قد أًصبح لها – بعد الثورة – حق التكلم في السياسة، ومن ثم القدرة على دعم الجماعة حليفها الطبيعي في مواجهة "العلمانيين"، فيمكن القول أن الإعلام الإسلامي في مصر قد أصبح للمرة الأولى أغلبية –عددية – مطلقة، خاصة أن المحطات الدينية لم "تكتشف" بعد أن أساسيات الإعلام تقضي باستضافة "الرأي الآخر" ولو من حين لآخر، وهكذا، فإن المشهد النهائي يبدو كالتالي، وجوه ملتحية في الشاشات الدينية، وجوه ملتحية –غالبا- في التلفزيون الرسمي، وجوه ملتحية وأخرى حليقة – أخيرا- في الشاشات العلمانية، لكن هذه الغلبة لم تسعف أصحاب اللحى.
سرعان ما اكتشف التيار الإسلامي، أن قنوات "الأعداء" مثل "دريم" و"الحياة" و"القاهرة والناس" و"أون تي في" و "سي بي سي" لازالت صاحبة التأثير الأكبر في الشارع المصري بمختلف فئاته، وأن وجوه منى الشاذلي ويسري فودة وإبراهيم عيسى وعمرو أديب ومحمود سعد وغيرهم من الإعلاميين المخضرمين، لازالت قادرة على التأثير في الشارع بصفة عامة، وفي الطبقة الوسطى بصفة خاصة، وتلك الأخيرة، خاصة من أهل المدينة، هي التي تستشعر الخطر الأكبر إزاء الإسلاميين، ومنها القطاعات التي كانت توصف سابقا باسم "حزب الكنبة"، وإذ شاركت أخيرا في التظاهرات، اتهمها الإعلام الإسلامي بأنها "جمهور الفلول"، الذي حرّضه "الإعلام العلماني" الذي "يشوّه الدستور الجديد".
على كل حال، وباكتشاف الإسلاميين أن إعلام خصومهم لازال صاحب التأثير الأقوى، ومع عدم رضوخ أولئك الإعلاميين للضغوط والهتافات المهددة في مليونيات الإسلاميين، تحرك المرشح الرئاسي السابق، الشيخ السلفي المتشدد حازم صلاح أبو اسماعيل، فتوجه بصحبة أنصاره "حازمون" للاعتصام أمام مدينة الإنتاج الإعلامي التي ينطلق منها بث جيمع الفضائيات المصرية، رفع "الاعتصام" شعارا غريبا في مضمونه ألا وهو "تطهير الإعلام"، وتنبع غرابة الشعار بالأساس من كون الفضائيات المناهضة للإسلاميين مؤسسات خاصة وليست حكومية، فما هو مفهوم "التطهير" هنا؟ طرد المذيعين، مثلا؟
بالطبع فإنه ليس اعتصاما قدر ما هو "حصار" للمدينة ومحطاتها، الأمر الذي منح مدلولا حرفيا لمصطلح "حصار الإعلام"، من حسن الحظ أن المدينة الإعلامية شديدة الاتساع متعددة البوابات ما ساعد الإعلاميين حتى الآن في الدخول والخروج منها، لكن "المعتصمين" لم يتوقفوا عن تفتيش السيارات التي أوقعها حظها السيء تحت أيديهم، بحثا عن إبراهيم عيسى وعمرو أديب، كما حطموا سيارتي المخرج خالد يوسف وسعد الدين إبراهيم، وبالطبع فإن ضيوف وإعلاميو المحطات الدينية –التي تبث من المدينة نفسها- هم وحدهم يدخلون ويغادرون بسلام.
لكن حصار المدينة الإعلامية لم يكن البداية، فقبله أجبر وزير الإعلام الإخواني صلاح عبد المقصود قناة دريم على إظلام شاشتها لأيام، لاجبارها على أن تبث من داخل مدينة الإنتاج، وكانت دريم هي الوحيدة التي تمتلك ستديو خاص بها خارج المدينة، ورخصة خاصة للبث من خارجها، أصر وزير الإعلام على إلغاء الرخصة "كي يتساوى الجميع أمام القانون"، علمًا بأن الفضايات العربية والأجنبية غير مجبرة على القانون نفسه، وتستطيع البث من الخارج، أظلمت "دريم " شاشتها لأيام منددة "بالعدوان على حرية البث"، لكنها انتقلت إلى المدينة في النهاية، قبل أيام قليلة من بدء "الاعتصام" الإسلامي هناك.
قناة أخرى أظلمت قبل دريم هي "الفراعين"، التي أغلقتها الحكومة لمدة شهر ونصف الشهر بتهم منها " بث الفتنة وترويج الشائعات وإهانة رئيس الجمهورية"، القناة يملكها – ويقدم برنامجها الرئيسي - توفيق عكاشة أحد أنصار النظام السابق ثم المجلس العسكري، لم يستطع عكاشة العودة بالقناة بعد انتهاء مدة الإيقاف، نتيجة مديونيات مع شركة النايل سات، وقرر أخيرا أن يعيد بثها من دولة قبرص.
عدوان من نوع آخر شنته الرئاسة المصرية على برنامج "آخر النهار"، الذي يقدمه محمود سعد على قناة النهار، استضاف سعد المحللة النفسية الشهيرة منال عمر، التي وصفت حكم الإخوان بأنه يعكس " تقمص الضحية لجلادها السابق"، في إشارة للسلوك الاستبدادي للرئيس والجماعة، داعية إياه – دون أن تسميه- إلى التنحيّ، فما كان من مؤسسة الرئاسة إلا أن قدمت بلاغا ضد المحللة النفسية والإعلامي، تتهمهما بإهانة رئيس الجمهورية وإثارة البلبلة، أجرت النيابة تحقيقاتها مع "المتهمين" وأفرجت عنهما بكفالة مالية، في انتظار نتيجة التحقيق.
هكذا فإن الصورة النهائية للمشهد الإعلامي في مصر تماثل الشارع تماما: انقسام حاد، حريات مهددة، وسلطة منحازة "تقلد جلادها".