قٌل لي من هو نجمك أقل لك من أنت!

بشّار عبّاس – تشرين

إذا كنتَ من مدمني الدّراما السّوريّة فلا ضير أن تسأل نفسك هذا السّؤال: مثل من أتصرف أنا؟ هل مثل بسّام كوسا أم مثل خالد تاجا؟ باسم ياخور أم قُصي خولي؟

وإن كنتّ من مدمني الدّراما التّركيّة فيجب أن تسحب التّساؤل نفسه على شخصيّات أُخرى مثل «نور ويحيى ومراد علم دار» أمّا إنْ كنتَ من هواة أعمال هوليوود فيجب أن تبحث في عيّنة أخرى قد تشمل: براد بيت وجيم كيري وتوم هانكز...

ولعلّ العلاقة مع الشّخصيّة المثال تكون أعقد من هذه النّماذج البصريّة؛ قد تكون الشّخصيّة مثار الإعجاب واحدة من شخصيّات رواية، أو شخصيّة دينيّة تاريخيّة، وربّما تكون شخصيّة معاصرة حقيقيّة ذات شأن سياسي أو رياضي أو فكري، لكنّ الاحتمالات السّابقة جميعها تستند إلى حقيقة أنّنا نميل جميعاً إلى اعتبار شخصيّة ما أو عدّة شخصيّات مثالاً يحتذى في السّلوك ونمط العيش، وقد يكون مثار الإعجاب هذا نابعاً من سمات مشتركة وجد المتلقّي أنّها لديه وعبّرت عنها هذه الشّخصية التلفزيونية أوتلك، وقد تكون بطريقة عكسيّة؛ أي إنّ الشّخصيّة تُثير الإعجاب فيأخذ المتلقّي بتقليدها..

في مرحلة القصّة الملحمة، كانت الشّخصيّة المثال توافق أنماط العيش من فروسيّة وصراع وبطولة، وفي مرحلة القصّة الدّينيّة صارت السّمات الّتي تقترح أنموذج المثال تعبّر عن أبعاد الفكر الدّيني نفسه من تقوى وتضحية وأمانة وغيرها، ثمّ نضجت الرّواية وكان واحداً من أسباب نضوجها حاجة الطّبقات الجديدة في صراعها الأيديولوجي إلى اقتراح مثال من نوع مختلف، فظهرت الشّخصيّة الرّوائيّة القلقة الّتي تحاول تلمّس طريقها في عالم جديد متشابك العلاقات والأفكار والإرادات، ومن خلال النّماذج السّابقة جميعها، فإنّ المتلقّي الّذي يتّخذ من شخصيّة ما بطلاً كان يدرك ذلك البطل إدراكاً وفقاً لسماته وللعناصر الأدبيّة التي يقترحها وليس وفقاً لظهوره البصري كما يحدث اليوم في السّينما والتّلفزيون، أي إنه كان يدركها ويتخيّلها، ولم يكن ليشاهدها، وفي هذا يمكن أن نُحيل ظاهرة الشّخصيّة المرئيّة على الخشبة في فترات ازدهار وانحسار المسرح إلى فئة الشّخصيّة الأدبيّة المُدركة لأن شخصيّات المسرح العالمي الشّهيرة أخذت قيمتها الأدبيّة ولم تعرف ظاهرة النّجوميّة، فكان يُعاد تقديمها في مدن كثيرة ومسارح مختلفة مرّات ومرّات لا يمكن حصرها..

مع انتقال الشّخصيّة الأدبيّة من الحكاية الشّعبيّة وصفحات الكتب وخشبات المسارح إلى الشّاشة، أُضيف إليها عنصرٌ خطير يتدخّل في تحديد قيمتها بطريقة حاسمة. إنّه الحضور البصري، لقد بتنا نُشاهدها.. إذ إن هذه المشاهدة صارت العامل الحاسم في إثارة الإعجاب الّذي يقود إلى محبّتها أو رفضها، صار المثال اليوم حياً يرزق، ليس كالمثال في الأمس حيث كان يقبع في ركن قصيّ من أعماق الخيال..

هذا ما أضاف على علاقتنا معها عنصر العلاقة المباشرة، فنحنُ نرى المثال الآن في غرفة نومه، أو من مسافة اللّقطة القريبة حين يغطّي تفصيل صغير من وجهه أمتاراً مربّعة على شاشة السّينما، وفي مواقف أخرى لا نرى فيها حتّى أكثر أصدقائنا المقرّبين. يبكي، يسرق مالاً، ينجو من القتل وأمثلة عديدة لا سبيل إلى حصرها، وهذا كلّه أضاف عنصر الألفة المباشر القريب من الصّداقة الفعليّة، ويصيرُ النّجم السّينمائي والتّلفزيوني مألوفاً ومؤثّراً أكثر من الأصدقاء والمعارف..

وفقاً لذلك، فالنّجم السّينمائي أو التّلفزيوني صديق مقرّب، وإذا سلّمنا بمقولة: «قُل لي من تُصاحب أقل لك من أنت» تصيرُ المقولة إذ ما انسحبت على الدّراما على هذا النّحو: «قل لي من هو نجمك أقل لك من أنت» ففي حالة الصّداقة الواقعيّة يكون التأثير متبادلاً من طرفي الصّداقة، أمّا إذا كان الصّديق مقيماً خلف متاريس الشّاشة فإنّ التّأثير في هذه الحالة يكون أحادي الاتّجاه، أي منه فقط.

إذا كانت هذه المعادلة قريبة من الحقيقة، فإنّها تعني تنميطاً للمجتمعات البشريّة الّتي تشترك بالتّعرّض لأعمال دراميّة من فئة معيّنة، ويتطوّر هذا التّنميط فيصير فرزاً لأفراد المجتمع في بضعة أنماط محدّدة يقتصر عددها على عدد النّجوم الأكثر الشّهرة، ولاسيما أن هذه النّجوم تميل إلى لعب أدوار شهيرة تتكرّر في كلّ مرة على شكل نماذج شهيرة وليس على هيئة شخصيّات مفارقة، مثل أن تكون: عصريّة، متشدّدة، محبّة للموسيقا، ميّالة للمزاح والمرح، تعاني إدماناً ما، في حين تصير بين النّساء والفتيات دائرة النّماذج أضيق وأقلّ تحديداً: حسناء مرغوبة من الجّميع، قبيحة شرّيرة، مقبولة المظهر ورزينة، لعوب، أمّ مضحّية، أو زوجة مخاصمة..

في مثل هذا تكون عمليّة صناعة النّجم من قبل القائمين على الأفلام والمسلسلات مدخلاً لصناعة أنموذج ونمط اجتماعي، فمن خلال اقتراح بضعة نجوم يتمّ تقسيم الجّماعة البشريّة المُستهدفة بتلك الأعمال إلى أنماط مماثلة لهؤلاء النّجوم؛ أنماط ليست لديها أهداف وعقبات وصراعات، لا تُعاني تحوّلات وانتكاسات، لا تنظر إلى العالم وإلى أنفسها من زاوية واضحة، وإنّما عوضاً عن كلّ ذلك فإنّ لديها ملابس ذات ألوان محدّدة، تسريحة شعر ملائمة، نبرة صوت وحركات أيد، طريقة غضب وابتسامة، نوع سيّارة وجوّال وتبغ، فمثل تلك الشّخصيّات الّتي ستغدو مثالاً يُحتذى لملايين المشاهدين تُصنع على عجل، لوظائف وغايات محدّدة يجب أن تمتدّ إلى السّلوك البشري وتحدّده، إمّا لابتكار عادات جديدة مُستحدثة، وإمّا لإزاحة شخصيّات كانت تعد مثالاً ملهماً ردحاً طويلاً خلا، فشخصيّة تاريحيّة مثل بوذا على سبيل المثال، تقوم فلسفتها على دعائم عدّة؛ منها أنّ الشّقاء هو الرّغبة، قد تشكّل عائقاً أمام شركات عالميّة تُريد تعميم أنماط استهلاكيّة تنطلق من أنّ السّعادة هي الرّغبة، ليصير لزاماً عليها أن تصنع شخصيّة تُزيح من الأذهان مثالاً جمعيّاً من ذلك النّوع.