2013/05/29
بديع صنيج - سانا
إن السينما التي تنطق بها الأفلام الثلاثة العاشق.. مريم وصديقي الأخير هويتها سورية وهمها سوري وصناعها سوريون وقضاياها إنسانية سورية وهي باقية، وستشاهد إن لم يكن اليوم فغداً، والإقصاء الذي تم في مهرجان دبي السينمائي أقله هو إقصاء لجزء من مكون الهوية الثقافية السورية، فالسينما التي أصنع تعبر عني وعن قناعاتي ولن تعرف الممالأة لك سيدي الحر كما لم تعرف مهادنة أي سلطة.. ستبقى سينما حرة أصيلة كزيتون بلادي.. هذا ما كتبه المخرج السينمائي السوري جود سعيد في بيانه الذي حمل اسم رسالة إلى الأحرار في معنى الديمقراطية بعد أن تم إقصاء فيلمه الذي كان من المقرر أن يكون العرض الأول له في مهرجان دبي.
وأضاف البيان انه في العالم العربي اليوم، صار امتلاك سينمائي ما لوجهة نظر غير ربيعية جريمة قميص عثمانها جاهز بيان سينمائيي الداخل مثالاً.. وكي يتمّ تبسيط الجريمة للجمهور، تتكفل المحادل الإعلامية بالإدانة بجعلك تابعاً ومريداً وقاتلاً بقولك، وفعلك وحتى بصمتك وهكذا يصير الدّم النازف عاراً في رقبتك.
وعن الإقصاء يقول سعيد في حديث خاص بوكالة سانا إن إقصاء فيلمي صديقي الأخير مع فيلم العاشق لعبد اللطيف عبد الحميد ومريم لباسل الخطيب التي تختلف فيما بينها في تفاصيل روءاها، وتتفق على حق كل منها في الوجود، هو مثال صارخ لما تمارسه السلطات السياسية من تحييد للآخر كفرد، وأيضاً كصوت يعبر عن جماعة ما.. إن هذه الممارسة تمت باسم الدفاع عن حرية شعب!!! لا أجد بعد هذه الجملة شيئاً أقوله سوى الصمت، والتأكيد أن الإقصاء هنا جمعيّ وفرديّ في آن، وهنا تكمن خطورته، ورخص من حرض عليه.
ويوضح صاحب مرة أخرى ارتباط رؤيته السينمائية بالسياسة بقوله.. أرى السياسة اليوم؛ وعبر تاريخ تطور آليات ممارستها، طريقةً لإدارة اليومي الإنساني المعاش من قبل نخب بهدف تحسين شروط الغد في الصراع المستمر بين البشر واستمرار سلطتهم مهما كان شكلها فالسياسة تنظر للإنسان اليوم ككتلة جمعية في مواجهة دائمة مع جماعات أخرى بقصد تحييدها أو إخضاعها.. أما الفن وبوصفه النتاج الأرقى للإنسانية فإنه عبارة عن وجهة نظر فرد في الحياة الإنسانية، متحررةً من كل بحث عن مصلحة ومنطلقة من همّ إنساني.
ويضيف سعيد.. هذه الرؤية للفنان قد تنطلق من تفصيل في حياة فرد، أو من سؤال إنسانيّ عام، لتكون شهادة أو رقيباً بالمعنى الإيجابي للكلمة على السياسة والسلطة التي تمارسها.. النتاج الفني يبقى متى أنجز، ولا تتغير مقولته بالتغير اليومي كما السياسة، ومن هنا تأتي قناعتي أن ما أصنع من سينما أعلى في السلم الإنساني من السياسة، أو من موقف سياسي مرتبط بلحظة معينة ضمن ظرف ما.
ويوضح أن الموقف السياسي الفردي وليد لحظته، وأسير محدودية المعطيات التي يملكها الفرد بعيداً عن دائرة القرار، أما المنجز السينمائي فهو موقف من الحياة وقراءة فيها نابعة من قراءة متأنية وتفكير عميق بما يحسّ المخرج، وما تراكم داخله من معرفة، تعكس قناعته وموقفه الفكري من قضايا الإنسان قائلاً إن رؤيتي السينمائية قد تشمل قناعاتي في السياسة، وذلك حسب طبيعة الفيلم، وحيث اننا نعيش في منطقة تضج بالمتغيرات السياسية كلّ يوم فإن أفلامي تحوي ما أراه في السياسة، لكنه لا يعدو أن يكون جزءاً من كلّ أعم هو الفيلم.
ويضيف صاحب مونولوج.. تعتمل السياسة فيما أصنع من سينما بشكل طبيعي عبر حيوات الشخصيات وعلاقتها باللحظة التي تعيشها، وهنا نستطيع أن نقرأ دون لبس مواقفي وقناعاتي بالشكل الأمثل، أما ما قد أعبر من رأي في السياسة خارج سينماي فهو أسير ما أملك من معطيات، لكنه نابع من قناعاتي ومما أوءمن به
ويقول المخرج سعيد.. أجمل ما في الأفلام التي أصنع أنني أطمح أن تبقيني حياً لأطول فترة ممكنة بعد مماتي، لذا إن التضييق عليها آنياً اليوم هو أذية نفسية ومادية لكلّ من عمل فيها، لكنه لن ينجح في إخراسها فهي الباقية، وهذا التضييق ومن خلفه زائلون وأنا أوءمن أن موقفي مع بلدي لا يجعلني إلا رابحاً، رابح لذاتي ولمن أحب ويحبونني.
أما عن فيلم "صديقي الأخير" الذي يطرح سؤال الهوية إضافة إلى مجموعة أسئلة أخلاقية يعاد طرحها في مواجهة المجتمع فيوضح سعيد أنه ينطلق من دمشق 2011 ومما تراكم على مرّ سنوات في مجتمعنا وأنتج شكل علاقات غير صحي في أغلبها بين طبقاته وأفراده، كما وبين السلطة والفرد محاولاً أن يعيد صياغة هذا ضمن حكاية تجري في لحظة غليان في المنطقة عموماً أدت إلى ما نعيشه اليوم.
يقول خريج جامعة لويس لوميير ليون الثانية.. من هنا أهمية تسجيل تلك اللحظة في حياتنا كسوريين، في ذلك الوقت في ذلك التاريخ هكذا كنا نعيش ونفعل، وكانت تلك أسئلتنا الأخلاقية وهمومنا وأحلامنا، يقود تلك الأسئلة طبيب انتحر لأنه رأى سواداً ما فيما هو قادم.
يعيد هذا الفيلم صياغة وثائق طبيب منتحر ومنه يتم تقديم صورة عن المجتمع السوري بأكمله، فالانطلاق من البديهيات، والأسئلة البسيطة، والآلام الخاصة جداً، يقود أحياناً لاكتشاف عوالم أعمّ ويفتح لنا آفاقاً تدهشنا كما يقول سعيد مضيفاً ان الاتكاء على أحداث ومقولات كبرى يقود غالباً لأن يكون المنتج أقلّ قيمة بكثير من الحدث ذاته.. "صديقي الأخير" حفر عمودي في وجع الفرد كي يصل إلى ضوء ما في آخره يعطينا الرغبة في غد أفضل.
وعن الأسلوبية السينمائية التي اتبعها جود في هذا الفيلم يقول.. حاولت أن ابنيه بصرياً وصوتياً انطلاقاً من علاقتي بشخصياته وأمكنتها لتأصيله في اليومي السوري ضمن طريقة رؤيتي البصرية الصوتية لهذا اليومي، بمعنى ضمن بحثي السينمائي الذي بدأته مع مونولوج، ويستمر، وأنا أحاول تطويره ليصل إلى أن يستحق ربما يوماً ما أن يطلق عليه كلمة أسلوب.
ويشارك هذا الفيلم في مهرجان وهران السينمائي المقام حاليا في الجزائر وسيعرض عرضه الأول في العشرين من الشهر الجاري بوجود المخرج وأحد أبطال الفيلم الفنان عبد المنعم عمايري.
وأوضح سعيد أنه انتهى من كتابة فيلم جديد بعنوان "انتظار العروس" بالتعاون مع علي وجيه وفي الاستشارة الدرامية كل من عبد اللطيف عبد الحميد وسامر محمد اسماعيل ومحمود عبد الواحد وسيبدأ التحضير له مع مطلع العام القادم ليكون التجربة الريفية الأولى في مسيرة هذا المخرج الشاب.