2013/05/29

طلحت حمدي ..هذا غيابك كله شجر
طلحت حمدي ..هذا غيابك كله شجر


تمام علي بركات – تشرين

هكذا وبصمت موارب يتغاضى عن كل ضجيج مربك لألفة الأطياف التي هامت حول عينيه مؤنسة قلبه الذبيح بالنكران والجحود الذي لاقاه في آخر سني حياته ممن مد لهم يده البيضاء بلا سوء ليرتقوا إلى بريق هادر وألق مجيد,

صنعه ورفاق الروح والألم من مجايليه الكبار, بعرقهم الطازج الذي لا يزال ندياً فوق موجات البث الإذاعي والتلفزيوني من قاسيون وعلى الهواء مباشرة مذ كان التلفزيون السوري يخطو خطواته الأولى وحتى أواخر أيامهم, كبار غادرنا بعضهم وبقي آخرون ماضون بقيمهم ونهجهم ما بدلوا تبديلا.

أوجاع وجدانية

في صباح سوري ككل الصباحات السورية الأليفة, صباح يشبه صباح عام 1952 عندما قام بأداء أول دور مسرحي له مع فرقة «زهير الشوا» في مسرحية «بيوت الناس», أغلق «طلحت حمدي» عينيه المتوهجتين علىوجع وطن عاش في حناياه وكبر بين روابيه وحواريه, سعى «حمدي» من خلال أعماله المهمة في كل من المسرح والسينما والتلفزيون إلى حمل راية التنوير الفكري الشاقة, معبراً عن رؤيته لمهمة الدراما في تسليط الضوء على المشكلات الاجتماعيّة، مترجماً هذه الرؤية من خلال عمله الدؤوب في الدراما السورية إلى أعمال تركت بصمتها التي لا تنسى في الذاكرة الشعبية من «أنشودة المطر, حارة الجوري, طرابيش» العمل الذي أثار زوبعة عام 1992 بتسليطه ضوءاً قوياً على أهم قصة من قصص الفساد التي مرت بالبلاد وهي قصة فساد جامعي الأموال في سورية.

أما الوجع الوجداني الذي ألم به فتمثل بالجحود الذي لاقاه «شوكت القناديلي»  دنجوان «حمام القيشاني» من زملاء الكار عندما تم تجاهله وهو صاحب الموهبة الخلاقة وأحد ألمع نجوم الدراما السورية في ثمانينيات القرن الفائت, بعد أن وصلت هذه الدراما في العقدين الأخيرين لما وصلت إليه من شهرة وانتشار واسع تحققا على أكتافه وأكتاف ممثلين حقيقيين كـ «نهاد قلعي, دريد لحام, ناجي جبر» وليس أخيراً المبدع الذي سبقه إلى ملكوت السماء بأيام قليلة, المبدع «محمد شيخ نجيب».. أولئك الصامتون لتتكلم أعمالهم, من خدموا الفن بهدوء وابتسامة ممطرة, الفن الرسالة, الفن القيمة والجمال, وبذلوا في سبيله ما بذلوا من جهد وتضحية بعد أن صرفوا عليه من عمرهم زهوته ومن جيبهم الخاص ليرتقي بمجتمعاتهم وأناسهم, وقد عزا هذا التجاهل إلى العلاقات التي باتت تحكم الوسط الفني بسبب الأجيال الجديدة التي قدمت والشللية التي نشأت وأبعدت ناساً وقربت ناساً, حتى إنه قال في إحدى المقابلات التي أجريت معه عن دوره في مسلسل «عروة بن الورد»: إن الأجر الذي تلقاه عن ذلك الدور، كان زهيداً جداً مقارنة  بأي دور لمن عملوا معه في العمل المذكور, وذكر تشبيها لذلك حزّ في نفسي كثيراً, ولكني أعرض عن ذكره هنا, فهذا الرجل السوري الأصيل, كان مترفعاً عن الخوض بالمهاترات التي تدور في هذا الوسط  بعد أن تحول إلى سوق للبورصة الفنية, حسب مقتضيات السوق الدرامية ومتطلباتها البعيدة كل البعد عن القيم والمبادئ التي تنفسها  «موفق»  بطل مسلسل «دائرة النار» والتي كان من أهمها بالنسبة إليه هو العمل في الفن من أجل الفن, وليس التقيد بإملاءات بعض مموليها الطارئين على دنيا الفكر بشكل عام ,فما بالك بالفن ودوره وأهميته البالغة في التوعية الفكرية والأخلاقية للشعوب والأمم.

محاربة الزائف

كغيره من مؤسسي الدراما في سورية, كانت انطلاقة المغفور له «حمدي» من إذاعة دمشق, عندما رشحه الموسيقي «صميم الشريف» للعب دور في مسلسل إذاعي عن المؤلف الموسيقي  «فريدريك شوبان» ليلتحق بعدها بفرقة «العهد الجديد» المسرحية وفرقة «النادي العربي» اللتين كانتا تضمان مجموعة من نخبة الكتاب والفنانين والممثلين, ليصار إلى اختياره كأحد مؤسسي المسرح القومي, الذي أردف الدراما السورية بأهم مقومات نجاحها من ممثلين وكتاب وكوادر فنية لتتالى فيما بعد أعماله الناجحة, سواء في السينما في فيلم «حسيبة» أو التلفزيون «شاري الهم, نمر عدوان, المكافأة» وغيرها, كما قام بإنشاء شركة «ينابيع» للإنتاج الفني والتلفزيوني والتي تعتبر من أولى الشركات الخاصة في الإنتاج الفني في سورية, إلا أن هذا المشروع برأس ماله النظيف لم يكتب له الاستمرار لأسباب صار من الضروري والملح التوقف عندها ومناقشتها قبل أن يذوي ذلك الإرث الفني العظيم الذي تركه «الفنان الراحل» وآخرون غيره في لجة الاستسهال والانقياد الأعمى إلى رغبات السيد «بترودلار», وتمويه هوية فننا الأصيلة بهوية مزيفة كان للراحل رأيه بها عندما قال عن الأعمال التي طرحت نفسها كأعمال تصور البيئة الشامية: إن هذه الأعمال صورة مشوهة عن بيئتنا الحقيقية وتزييف لا يليق بنا وبتاريخنا, ولم يتوان أو يهون عن دق جرس الإنذار بوجه المحاولات التركية الساعية لدبلجة مسلسلات سورية وعربية إلى التركية, رابطاً بحدسه الأصيل بين ما يجري على الساحة الفنية وما يجري على أرض الوطن, بمقولة بسيطة وعملية ..«عدو جدك ما بيودك»