2013/05/29

طلحت حمدي يغادرنا دون سابق إنذار
طلحت حمدي يغادرنا دون سابق إنذار


مِلده شويكاني – البعث

مثل عاصفة الليل الهوجاء يتسلل الموت خلسةً ليقتحم المكان الدافئ، ويغيّب بصمت أشخاصاً اتسموا بابتسامة صادقة توحي بأرقّ المشاعر وأجمل المعاني الإنسانية، فجأةً رحل الفنان الكبير طلحت حمدي إثر أزمة قلبية غادرة أودت بحياته دون سابق إنذار، ودون أية أعراض توحي بالموت، بعدما أمضى أكثر من خمسين عاماً في العمل الفني، ولم يحظَ بالمكانة التي يستحقها كحال المبدعين الذين نعرف فداحة خسارتنا لهم بعد فقدهم.

>  دخل طلحت حمدي الفن بمساعدة أخيه الأكبر الكاتب خالد حمدي، وعمل بإخلاص وتفانٍ في الزمن الصعب، إيماناً منه بأهمية الفن في حياتنا الاجتماعية، مبتعداً عن الأعمال التجارية والربح المادي، فعمل وفق مقولة "الفن للفن" وخاض الدروب الشائكة ليحقق حلمه بتأسيس دراما قوية قادرة على الإحاطة بخطوط المجتمع وقضاياه الشائكة، أتقن جميع فنون الدراما، وأنجز الكثير من النجاحات على صعيد الإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما، إضافة إلى تجربته الإخراجية في التلفزيون والمسرح، نجاحه قرّبه أكثر من الناس، فكان متواضعاً ومرحاً متعاوناً مع الإعلام وبعيداً عن الغرور الذي يصيب النجوم، التقيته عدة مرات وحدثني بإسهاب عن السنوات الطويلة التي أمضاها في ممرات واستديوهات الإذاعة ، وكان فخوراً لأنه أسس مع زملائه البنية الأساسية للإذاعة السورية التي شغلت حضوراً مميزاً بين الإذاعات العربية، وكان لها دور كبير في تفعيل الإعلام المسموع، وخوضه المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، فشارك في أغلب الأعمال الإذاعية، وخلال السبعينيات والثمانينيات كان نجم الشاشة العربية والسورية، وقدم الدراما البدوية التي حققت شهرة كبيرة على الصعيد العربي، و كان دور الشاعر ساري من أهم الأعمال البدوية، ثم تتالت نجاحاته على الصعيد الاجتماعي والتاريخي والكوميدي من أهم أعماله (غضب الصحراء-دائرة النار –نمر بن عدوان –طرابيش –أنا القدس - الحسن والحسين..) اشتغل مع أهم مخرجي الدراما السورية مثل علاء الدين كوكش وهاني الروماني وهيثم حقي وشكيب غنام، لكن العلامة الفارقة في حياته المهنية كانت دوره في حمام القيشاني، فكان البطل الأول الذي استحوذ على إعجاب الناس على مدى عدة أجزاء لسنوات متتالية من خلال شخصية شوكت القناديلي الملقب (أبو عزو) التاجر الدمشقي المرتبط بالعمل السياسي، وخلال حواراته صرح مراراً بأن العمل وثّق الحياة الدمشقية الاجتماعية والسياسية الحقيقية بعيداً عن (القبضايات والأعضاوات) وقدم صورة حقيقية عن المرأة الدمشقية المتعلمة والمثقفة التي تخوض مجالات الحياة ولا تبقى أسيرة الرجل والمطبخ، كما نرى في عوالم البيئة الشامية الآن، وخلال مساره الفني أسس شركة للإنتاج الفني لتقديم أعمال هادفة، لكن ما حدث أن شركات الإنتاج الكبرى قضت على أحلام الشركات الصغرى كما ذكر في أحد حواراته.

في الآونة الأخيرة اشتكى من أمراض الدراما السورية والشللية والعلاقات الخاصة التي تتحكم بالدراما، فآثر الابتعاد مكتفياً بتاريخه الفني الكبير، ورفض أدواراً لا يقتنع بها احتراماً لجمهوره وفنه. وفي آخر تصريح له أبدى استياءه من شركات الإنتاج التي تتجاهل النجوم الكبار الذين صنعوا الدراما السورية وتوكل دور الكبار للشباب معتمدين على المكياج، وفي السنوات  الثلاث الأخيرة من حياته اكتفى بأدوار قليلة، فشارك في "الشام العدية" وفيلم "حسيبة" وآخر دور قدمه كان "سالم بيك "في زمن البرغوت، ورغم قلة مشاهده وصغر مساحة الدور إلا أنه أثبت حضوره الفاعل بقدرته البارعة على أداء الشخصية بتلقائية وإقناع المشاهد والسيطرة على تفكيره، وحسب قوله فإنه قَبل الدور تحية لروح صديقه الفنان خالد تاجا الذي خُصص الدور له ، وقبل وفاته كان يعمل على تحويل قصص (عادل أبو شنب) إلى أفلام قصيرة وارتبط بعمل في الأردن وشاء القدر أن يغادر الدنيا هناك.

تعرض طلحت حمدي خلال حياته لإحباطات نتيجة التغيّرات الدرامية، وانعطافات على صعيد حياته الخاصة، فبعد انفصاله عن الفنانة الراحلة سلوى سعيد عاش مع ابنته ورفض الزواج إيماناً منه بدور الأب في حياة الأبناء، وبعد زواجها، كوّن عائلته الجديدة التي عوضته بحنانها عن انكسارات الماضي، وارتبط بصداقات قوية مع كثيرين من خارج الوسط الفني حرص على لقائه معهم بصورة دائمة في مقهى الروضة، وهو يغادر عالمنا بعد أن ترك لنا ذكريات ونجاحات لاتنسى، مخلفاً في الساحة الدرامية فراغاً لن يشغله أحد.