2013/05/29

الصحافة تعيد توزيع الأدوار.. ارفعوا أيديكم عن الدراما السورية
الصحافة تعيد توزيع الأدوار.. ارفعوا أيديكم عن الدراما السورية


سامر اسماعيل – تشرين

لا ينطبق مفهوم الجرأة على كل ما تطرحه الدراما السورية، فالجرأة التي تستهدفها مسلسلات الثلاثين حلقة تبدو في أغلبها تميل إلى فهم غريب لمعنى الجرأة الاجتماعية، أي الطرح المستند أصلاً إلى سياق الموضوع،

والمدعم بشواهد على الحالة، لكن هذه النوعية من الجرأة لا يمكن أن نصنفها في باب من أبواب الفن السمعي البصري، باختصار لأننا أمام مكونات عديدة للكادر التلفزيوني، وإذا لم تكن هذه الجرأة مدعمة بجرأة فنية قادرة على تقديم أهم مكونين من مكونات هذا الكادر ألا وهما «الكلمة-الصورة» فإننا سنكون أمام مجرد أفكار هائمة، تهويمات لمجموعة من البشر الضائعة في أفق البث الفضائي.

ربما من الخطأ أن نطلق على ما تقوم به الدراما السورية «جرأة»، لأنني أعتقد أساساً بأن الجرأة التي نتكلم عنها ليست إلا من طبيعة الفن نفسه، ثم أين هذه الجرأة في أعمال متفرقة هنا وهناك، أعمال لا تعي وحدتها كنوع فني أطلقنا عليه إجرائياً «دراما سورية»؟ فعلاً لا أعرف هل يشعر جميع من يعمل في هذه «الدراما السورية» أنهم كتلة متجانسة، أو جزر إنتاج معزولة تختص كل واحدةٍ منها برغبات وأهواء إنتاجية لا غير، الشركات الخاصة وحدها اليوم من يعلن عن هذه «الدراما السورية» الشركات هي من ينتقي النصوص الرديئة، ومن يدفع أجوراً لممثلين من الدرجة الرابعة، ومن يختار الموضوع، إذ لا قيمة فنية تذكر عند اختيار النص، أو مخرج العمل.

إن مناقشة مسألة مكونات الكادر التلفزيوني باعتباره جوهر العملية الفنية الدرامية، ليست من قبيل المزاح، ولا هي من رفاهيات الكتابة عن الدراما، لأن هذه المكونات كما يعرف أهل الاختصاص لا تأتي عفو الخاطر، ولا من نيات حسنة فحسب، بل من إلمام كبير بمكنونات الصورة، والرؤية الفنية التي توجهها لحظةً بلحظة، وأهم من هذا وذاك أن تقويم العمل التلفزيوني لا يأتي مما خلص إليه المخرج وطاقمه في نهاية المطاف، بل من خلال المتلقي.

إذاً، العملية النقدية للصورة المنتَجة تقوّم من مستوى التلقي، إذ تخضع مجاميع العقول التي ساهمت كلها في صياغة المشاهدة النهائية للتقويم وفق منظور المشاهد، ليأتي تحكيم العقل الجمعي للعناصر والأشخاص الذين ساهموا في تقديم عمل جماعي أيضاً، فالساعة التلفزيونية مزيج هائل من الجهود والخبرات والأمكنة والثقافات، وهذا كله لا يمكن تحييده في عملية بناء الوعي الاجتماعي الجديد، بل لا يمكن الاستغناء عنه في معادلة خلخلة المفاهيم الاجتماعية الخاطئة، على العكس يمكننا البناء على هذا التصور الفني بأنواع عديدة من المحاكاة، ذلك أن من يقول بتفاهة النقد وتهميش دور الصحافة في هذا المجال عليه أن يقدم ما صوّره لزملائه من الفنانين. عندها لن تتدخل الصحافة، ولن تقول شيئاً لأن العرض لا يخص الجمهور بمعناه الواسع، أما عندما يعي الفنان أن عمله خلاصة مجموع خبرات تقدم لمجاميع هائلة من البشر، فعليه أن يتحمل ما يكتب، وقبل كل ذلك عليه أن يتلقى هذا الأمر برحابة صدر، فالذين يكتبون عن مسلسل تلفزيوني لا تعنيهم أبداً لحظة العرض، بقدر ما تعنيهم لحظة التلقي.

الأخطر من هذا وذاك أن السمعي-بصري هذا ليس مادة تقريرية عن فيضانات الباكستان، واتساع رقعة النفط في المحيط الهادئ على سبيل المثال، بل هو زاخر بعناصر توهمية تحاكي واقع الحال السوري، إنه مزيج لا متناه في تناوله حساسيات اجتماعية خاصة وخاصة جداً، وهذا المضمون مشحون بجرعات كبيرة من العواطف الإنسانية المأخوذة من بيئة المتلقي المحلي.. إنها على الأغلب حياته التي يشاهدها درامياً على الشاشة، ولذلك لا يجوز على الإطلاق أن نقول إن ما يجري على هذه الشاشة لا يعني الصحافة، وليس من حق الناقد أن يتناوله، بل على العكس، الناقد أو ما يسميه الفرنسي «بيير بورديو» المفكر الصحفي يقع عليه عبء كبير في إجراء مراجعة مستمرة للصورة، ولبنية الكادر ككل، فالدراما هنا ليست نشرة أخبار، إنها مصنوعة من بشر يشبهوننا، بشر غير تاريخيين، إنهم يتحدثون لهجتنا، ويمشون في شوارعنا، ويعانون ما نعانيه.

هذا كله يحتّم دوراً مفصلياً للمفكر الصحفي بأن يقوم مقام العقل الجماعي المُخاطب من قبل عدد كبير من العقول التي تنجز أعمالها الدرامية، فتأتي مسألة تقويم النص والصورة ضرورة من ضرورات تلقي العرض التلفزيوني الدرامي.

هكذا لن يتبقى إلا الكتابة عن هذه الأعمال الدرامية وعن أنساقها الفنية، الكتابة النقدية بدورها يجب أن تكون واعية لخطورة الرسالة الموجهة ومدى عمقها وتأثير مكوناتها في مجتمعاتٍ بأسرها، ولهذا من نافل القول أن نشكك في نزاهة المفكر الصحفي ودوره في قراءة النص المتلفز، والقول إن العمل كان رائعاً والممثلين ولا أروع، فبهذا السلوك لن نصل إلا إلى تراكم من أخطاء التقويم، والعبث مباشرةً بالذائقة المجتمعية، إذ تشكل هذه الذائقة ملامح المجتمعات الجديدة ورغبتها الحقيقية في الارتقاء، وخلخلة القيم البائدة، وليس ترسيخها وتمجيدها وإعادة بعثها من الحارات ذات الأبواب وجلادي النساء، إضافةً إلى بيع الشاعرية الشخصية الوطنية مقابل مبالغ مسبقة الدفع لمنتجين ينفذون تعليمات المال العربي الجاهل. لذلك، فإن السلطة الرابعة وحدها هي القادرة على إعادة التوازن لمجتمعات تتلقى صدمات بصرية من عشرات الأقمار الصناعية السابحة في فلك البث متعدد الوسائط.