مايك أبتد مخرج الأفلام الإنسانية

محمد رُضا – دار الخليج

في الوقت الذي يحتفي مهرجان دبي في دورته التاسعة التي تنطلق في اليوم التاسع من ديسمبر /كانون الأول بالمخرج البريطاني مايكل أبتد، يتساءل عدد كبير من المتابعين السينمائيين عمّن قد يكون هذا المخرج الذي يكتفي المركز الصحافي بذكر فيلم واحد له كمثال لأعماله التي يصفها بـ “العظيمة” وهو “غوريللات في الضباب” . ربما هي المساحة المحدودة في هذه الإعلانات الإعلامية التمهيدية، لكن الرجل كان يحتاج بضعة أسطر من التعريف الملائم للمناسبة المزدوجة التي يؤم المهرجان بسببها فهو رئيس لجنة تحكيم مسابقة المهر العربي للأفلام التسجيلية ومحتفى به في حفلة تكريم لمجمل أعماله السينمائية، وما غاب عن الذكر في تقديمه هو أنه مخرج اهتم بالجانب الاجتماعي والإنساني، وأبرزه في عدد من أفلامه جنباً إلى جنب أفلامه التشويقية الرائجة .

في الواقع، ورد “غوريللات في الضباب” سنة 1988 في فترة شهدت أكثر أعماله تميّزاً ففي مطلع الثمانينات سجل بصمته واضحة في فيلمين متتابعين أوّلهما “أغاثا” (1980) والثاني “غوركي بارك” (1983 وتبعهما بفيلم تشويقي جيّد، وهو النوع الذي مارسه طويلاً عنوانه “فيرست بورن” (1984) . والتسعينات لم تضن عليه بأفلام أخرى ناجحة من بينها “ثندرهارت” (1992) والفيلم التسجيلي “حادثة في أوغلالا” (1992) ثم “نيل” (1994) قبل أن يوفر لهواة جيمس بوند أحد أفضل أفلام السلسلة في تلك الحقبة وهو “العالم لا يكفي” (1999) .

وُلد مايكل إبتد سنة 1941 في مقاطعة باكنغهامشير في إنكلترا ومثل كثيرين سواه أم العمل التلفزيوني أوّلاً . وسريعاً ما وجد طريقه على مؤشرات النجاح، فهو من بين الذين ابتكروا مسلسلاً تسجيلياً بعنوان Up Series  الذي حسب إحصاء قامت به القناة الرابعة في بريطانيا لا يزال يعتبر أحد أفضل خمسين عملاً تسجيلياً أنتجه التلفزيون البريطاني في تاريخه . هذه السلسلة قامت على متابعة حياة صبي أو فتاة من سن السابعة والعودة إليه (أو إليها) بعد فاصل من السنوات لمعرفة تطوّرات حياة هذه الشخصية المنتخبة في الأساس عشوائياً ومن قطاعات مختلفة من الحياة الاجتماعية .

أعماله السينمائية أنطلقت سنة 1972 وأول أعماله انتمى إلى النوع التشويقي الذي اعتمده كمجال أول، مع القيام من حين لآخر بإنجاز أفلام من أنواع مختلفة وإن كانت جادّة على الدوام . ذلك الفيلم هو “صدى ثلاثي” مع الراحل أوليفر ريد (الذي لاحقاً ما لعب أحد الأدوار الرئيسة في فيلم مصطفى العقاد “أسد الصحراء”) والمعتزلة غليندا جاكسون .

في السبعينات خلط المخرج السينما بالتلفزيون ووجد وقتاً للمسرح أيضاً . وحين قرر تقليل نشاطاته الأخرى والانصراف فعلياً إلى السينما اختار فيلماً بوليسياً انتقل به إلى هوليوود هو “القبضة العاصرة” أو The Squeeze  مع ديفيد همنغز وإدوارد فوكس من بريطانيا وستايسي كيتش وستيفن بويد من الولايات المتحدة .

مباشرة من بعده قام أبتد بتحقيق فيلم عن تلك الأيام الأحد عشر التي اختفت خلالها الكاتبة البوليسية عن الأنظار جميعاً في العشرينات، اختفاؤها بقي لغزاً والفيلم لم يدّع أنه اكتشف السبب، لكنه حوى على تمثيل رائع من فانيسا ردغراف في دور الكاتبة لجانب دستين هوفمن .

بعد أفلام

بعد ذلك أمّ المخرج أول أعماله ذات المرجعيات الاجتماعية الجادة وهو “ابنة عامل منجم الفحم” . ففي العام 1980 تقدّمت منه شركة يونيفرسال وأخبرته أن لديها فيلماً عن مغنية “كانتري أند وسترن” (نوع غنائي أمريكي مستوحى من بيئة أمريكا الوسطى والغرب) الفعلية هي لوريتا لين وأنها تريد تحقيق هذا الفيلم . قفز أبتد على الفرصة المتاحة خصوصاً وأن الإنتاج كان اختار سيسي سبايسك للدور وأبتد طالما أحب العمل معها . النتيجة ليس سيرة ذاتية فقط، بل دراما حياة تختلط فيها حبّات عرق للطبقة الاجتماعية الفقيرة التي انطلقت منها بطلة الفيلم بحبّها للفن ورغبتها في التفوّق رغم كل المعيقات .

فيلمه الثاني الذي حمل منحى اجتماعياً كان “غوركي بارك” (1983) مع برايان دنهي، وليام هيرت، إيان بانن ولي مارن وجوانا بيكولا في واحد من أدوارها الأولى، حكاية تقع أحداثها في موسكو حول تحر يبحث في جريمة ثلاثية وقعت، إضافة إلى الخيط البوليسي هناك نقد للفساد في جهاز البوليس في الدولة الروسية آنذاك . أما “غوريللات في الضباب” فهو سيرة حياة أخرى لكنها مختلفة . سيغورني ويفر (التي نالت جائزة غولدن غلوب عن دورها في هذا الفيلم) هي ناشطة في مجال حقوق الحيوان وصلت إلى إفريقيا لكي تبحث في سبب اختفاء نوع معين من الغوريللا بات نادر الوجود لتكتشف أن الإنسان يستطيع أن يكون أكثر تأثيراً في مجال حماية البيئة والحيوان .

وربما قمّة اهتمامات المخرج الإنسانية تبلورت في “ثندرهيرت”: حكاية تحر نصف هندي (ال كيلمر) يتم إرساله للمساعدة في التحقيق في قضية تتعلّق بمواطني أمريكا الأصليين . في البداية سيحاول نبذ نصفه الأصلي، لكنه حين يدرك الوضع الاجتماعي الصعب الذي يعيشه أبناء القبائل ينحاز إلى قضيّتهم مكتشفاً أن رئيس وحدة الأف بي آي (سام شيبرد) فاسد .

فيلمه “العالم لا يكفي” هو ذروة بوندية كونه أحد أفضل أفلام العميل 007 . عنايته المبدعة بالجانب الشخصي لكل دور في الفيلم منحه إعجاب النقاد والمشاهدين على حد سواء . هنا، وللمرّة الأولى، كان الدور الشرير الأول من بطولة إمرأة كما لعبتها صوفي مارسو .