2013/05/29

هوليوود تستبيح طهران في «آرغو»
هوليوود تستبيح طهران في «آرغو»


محمد غندور – الحياة

«يستند الفيلم إلى وقائع حقيقية». جملة تسبق بدء بعض الأعمال السينمائية التي تتناول قضايا مهمة إنسانية أو اجتماعية، أو حوادث اغتيال أو علاقات دولية متوترة. ولكن كيف للمشاهد أن يدرك مدى صحة هذه الأحداث أو الوقائع؟، خصوصاً إن كانت متضاربة، وثمة أكثر من رواية حولها أو وجهة نظر. وبشكل عام نحن نعرف أن بعض المخرجين يلجؤون في هذا السياق إلى أخذ تفصيل من رواية ما، وبناء حبكة درامية عليه، مبتعدين عن الأحداث الفعلية، ما يُشوّه الواقع، أو الحدث الذي نتعاطى معه.

استند المخرج/الممثل بن أفليك (مواليد 1971) في أحدث أفلامه «آرغو» (120 دقيقة) إلى الأزمة الديبلوماسية التي نشبت بين إيران والولايات المتــحدة عـــام 1979، حين اقتحــم ثوار إيرانيون السفارة الاميركية في طهران محتجزين كل طاقمها باستثناء ستة موظفين استطاعوا الهرب.

يومها استمر احتجاز الرهائن 444 يوماً. كما شهدت تلك الفترة تطبيعاً للعلاقات بين إيران والولايات المتحدة، وعملية كومندوس فاشلة كانت سبباً أساساً في هزيمة الرئيس الأميركي جيمي كارتر في الانتخابات الرئاسية. كما عززت الأزمة في إيران، وضع الخميني وثبّتت مكانته.

كل تلك التفاصيل الأساسية وأكثر، لم يتطرق إليها الفيلم ولا حتى بإشارة، بل أخذ بن أفليك في ثالث تجاربه الإخراجية ما يريد، وبنى على أساسه فيلماً درامياً سياسياً، إنما بمضمون فارغ. ومن الواضح انه سعى من خلال ذلك إلى ترسيخ الدور الهوليوودي في التعاطي مع الأحداث العالمية. طبعاً لا يمكن أحداً أن يماري هنا في أن ما قدمه بن أفليك صحيح، ولكن ليس بالبساطة التي عرضت فيها الأحداث.

يستند الفيلم التي صوِّرت أحداثه بين إسطنبول وكاليفورنيا، إلى سيناريو الكاتب السينمائي كريس تيريو المبني على مقال للكاتب جوشوا بيرمان بعنوان «هروب من طهران». وسبق لقصة الفيلم أن قدمت في فيلم تلفزيوني نهاية العام 1981 بعنوان «هروب من إيران: عملية سرية كندية».

بعد هرب الديبلوماسيين الستة، من الثوار واحتمائهم في منزل السفير الكندي في طهران، تبدأ المخابرات الأميركية في إيجاد طريقة لإخراجهم بأقل الخسائر الممكنة، ومن دون فضح أمرهم. تتم استشارة خبير وكالة المخابرات المركزية الأميركية طوني مينديز (الممثل بين أفليك) الذي يرفض كل الاقتراحات المقدمة لإخراج الديبلوماسيين، ليقدّم فكرة بديلة استوحاها أثناء مشاهدة فيلم «معركة كوكب القردة» (1973) على شاشة التلفزيون.

وتتلخص هذه الفكرة باختلاق قصة وهمية والادعاء بأن الديبلوماسيين الأميركيين هم جزء من طاقم سينمائي كندي يبحث عن مواقع ملائمة في إيران لتصوير فيلم خيالي علمي فيها. ويجري مينديز الاتصالات اللازمة حتى يصل إلى المنتج السينمائي ليستر سيغيل (الممثل ألان أركين)، ويؤسسا معاً ستوديو سينما وهمياً، ويتظاهران بإنتاج فيلم الخيال العلمي «أرغو» على غرار أفلام «حرب النجوم». يصل مينديز إلى طهران ويلتقي بالديبلوماسيين ويزودهم بجوازات سفر كندية مزورة. يشرح الخطة التي لا تلقى ترحاباً لخطورتها، ولكن الجميع يقبل بها على مضض لانعدام الحلول الأخرى. أثناء ذلك تلغي الحكومة الأميركية العملية. بيد أن مينديز يواصل العمل، ما يجبر رؤساءه على مجاراته خوفاً من الفضيحة.

يجتاز الديبلوماسيون الستة ورجل المخابرات كل الحواجز في المطار بعد بعض التعقيدات، وما أن تهم الطائرة بالإقلاع، يكتشف الثوار أن ستة موظفين مفقودين من السفارة، بعدما عملوا على جمع المستندات الممزقة، ولكن المطاردة تفشل. (هنا يبرز سؤال، لمَ لمْ يطلق الثوار النار على الطائرة، لمنعها من الإقلاع أو تعطيل أحد محركاتها؟)

ولحماية الرهائن الأميركيين الموجودين في طهران من التعرض لأي عمل عدائي، أخفت الحكومة الأميركية أي دور لها في هروب الديبلوماسيين الستة، وعزت إلى الحكومة الكندية كل الفضل في تحقيق مهمة إخراج الديبلوماسيين.

ينتهي فيلم «أرغو» بظهور الرئيس الأميركي جيمي كارتر وهو يلقي خطاباً حول أزمة الرهائن والعملية السرية الكندية، حيث يعرض الفيلم مشاهد من الأرشيف تصور أشخاصاً وأحداثاً واقعية خلال أزمة الرهائن.

في العادة يحتاج هذا النوع من الأفلام إلى قدر كبير من الإثارة والتشويق، لكننا لم نلحظ أياً منها هنا خصوصاً في المشاهد التي تتعلق بذلك. فلم ينجح المخرج مثلاً في ترجمة مشاعر الرعب والخوف والقلق لدى الديبلوماسيين خلال وجودهم في بيت السفير الكندي. صحيح أنهم كانوا يعيشون بشكل طبيعي، ولكن احتمال الاعتقال أو الموت كان وارداً في أي لحظة.

ويبقى مشهد وصول الديبلوماسيين إلى المطار واجتيازهم كل العوائق، مشهداً كوميدياً درامياً، كان يجب على المخرج التعامل معه بإبداع وابتكار أكثر، لأنه المشهد الأساس في الفيلم. ولكن الأحداث توالت ونجح البطل الأميركي، كما دائماً، في اجتياز كل المشاكل ببساطة، على غرار رامبو الذي حارب جيشاً بمفرده. فيما ظهر الآخر ساذجاً غبياً وبسيطاً، كالعادة في السينما التجارية الهوليوودية.