2013/05/29
ماهر منصور – السفير
رحل طلحت حمدي، من دون مقدّمات، إثر أزمة قلبية ألمت به ظهر أمس الثلاثاء في الأردن، عن عمر يناهز السبعين عاماً. الممثل السوري الراحل، هو ابن مرحلة التأسيس في الدراما السورية، وأحد أبرز نجومها في ثمانينيات القرن الفائت.
كان حمدي حصان الرهان الرابح، في أعمال اجتماعية وتاريخية وبدوية وكوميدية، لا يختلف اثنان على أهميتها، لا في تاريخ الدراما السورية وحسب، إنما في تاريخ الدراما العربية أيضاً، منها دور البطولة في المسلسل البدوي الشهير «ساري» (1977)، وموفق في «دائرة النار» (1988) المسلسل الذي أحدث فرقاً في صناعة الدراما السورية والعربية بإدارة المخرج هيثم حقي.
وهو البطل الأول لـ «غضب الصحراء» الدراما التي أسست لما عرف لاحقاً بالفانتازيا، وهو بطل الدراما التاريخية «عروة بن الورد»، وهو «أبو عزّو» أو شوكت القناديلي، العجوز «الدونجوان» في مسلسل «حمام القيشاني» الشهير.
برع حمدي في أداء شخصيّات، تتصارع جميعها على الخلود في الذاكرة، وتلتقي عند قدرات الممثل المخضرم على التلوين في الأداء، بين الكوميديا والدراما، بين المسرح والتلفزيون والسينما والإذاعة.. إضافةً إلى توزيع جهده بين الكتابة والتمثيل والإخراج والإنتاج.
بدأت تجربة الراحل في الإخراج عام 1959، وساهم مطلع الستينيات في تأسيس المسرح القومي. وخلال نصف قرن، كابد مشقّات البدايات، وأخذ على عاتقه جزءاً كبيراً من عبء النهوض بالدراما، قبل أن يكابد جحود جيل حصاد نجاحات الدراما.
برز حمدي وسط جيل عمل تحت راية الفن للفن. جيلٌ أسقط من حساباته «البزنس» لصالح الطموح إلى إرث درامي خالد. ولعلَّ أكثر ما يدلل على انتماء الراحل حمدي إلى منظومة فناني «الفن للفن»، قصة طريفة رواها بنفسه، عن أجر أدائه لدور البطولة في مسلسل «عروة بن الورد»، حين قبض أجراً أقل من أجر حمار استخدم خلال التصوير.
ويجد المراقب لتجربة طلحت حمدي الفنية تجليات كثيرة عن هذه الحالة. فقد انخرط الرجل في مجال الإنتاج، من خلال شركة «الينابيع»، وأنتج عدّة أعمال في الثمانينيات، كانت خاسرة بميزان السوق، خصوصاً بعد ظهور شركات إنتاج بميزانيات ضخمة. في تلك الأعمال، خاض الفنان الراحل تجربة الإخراج، وعبر عن رؤيته لمهمة الدراما في تسليط الضوء على المشاكل الاجتماعيّة.
ولعل أبرز ما قدمه في هذا السياق مسلسل «طرابيش» في العام 1992، وتناول فيه فساد جامعي الأموال في سوريا. وقد يجد كثيرون في تجربة طلحت حمدي الإخراجيّة والكتابيّة تجربةً متواضعة، إلا أنّها كانت تعبيراً عن حالة شغف فنّي كبيرة، يفتقد لها اليوم الوسط الفنّي السوري.
لم يحظَ الفنان الراحل بما يستحقّه بعد ثورة الدراما السورية. طبيعة النصوص السوريّة الجديدة المنحازة على نحو ما إلى جيل الشباب، قد تكون أبعدته، وأبناء جيله، عن الشاشة.