2013/05/29
لؤي ماجد سلمان – تشرين
تصر الدراما السورية بعد تربعها على عرش الشاشات العربية، أن يكون العنف البصري أكثر ما يميزها، على اعتبار أن ما تقدمه من مشاهد صادمة للمجتمع السوري والعربي هو سبب من أسباب نجاحها,
البعض من تجار السيناريو صرح أنه يكتب ما يُطلب منه، فالموضوع ربحي بحت ومنطق السوق يفرض عليه أن يكتب ما يمليه عليه رأس المال! لكن الخط البياني للدراما كان يتصاعد قبل أن تبدأ وجبات العنف البصرية المباشرة، ليبدأ بعدها التقليد كما اعتدنا من صناع الدراما والقائمين عليها، ليبدأ السباق في مضمار العنف وتشويه الجسد الجمعي السوري، فوفق قانون «أن تشوه أكثر يعني أن تنجح أكثر» لن نستطيع استعراض كل الأعمال السورية التي كان همها البحث في مفاصل الشارع السوري عن حالات شاذة لطرحها درامياً، لكن يمكننا تذكّر بعضها، فالكل يتذكر أعمال المخرج يوسف رزق، ومشاهد الاغتصاب الكثيرة التي حاول من خلالها طرح خطورة مرض الإيدز! مازالت صور التشويه هذه عالقة في أذهاننا من الحرق بالزيت المغلي إلى الخطف، إلى مجموعة من الشباب تتسابق على دراجات نارية وتقيم السهرات الليلية الراقصة تشبهاً بعبدة الشيطان، سواء في الزي أو الوشم أو بقية الإكسسوارات؛ علماً أنهم كانوا يرفضون أن ينسبهم المجتمع السوري إلى هذه الفئة؟ والغريب أنها ظاهرة لم نشاهدها خارج أعمال المخرج رزق.
نتذكر الآن ما قدمه مسلسل «غزلان في غابة الذئاب» من تشويه لمجتمع العشوائيات حول مدينة دمشق، فالابن الأكبر الذي جسّد دوره الفنان أيمن رضا هو لص يتعاطى المخدرات، والطالب الجامعي محمد حداقي ضعيف الشخصية ووصولي مستعد لبيع كل عائلته من أجل الحصول على وظيفة ومنصب، أما أخته فهي فتاة مريضة تتعرض للاغتصاب أكثر من مرة ومن أكثر من شخص، بل من صديق شقيقها، ومن حارس المشفى، وبعدها يأتي ابن بائع الخضار والفواكه ليكمل جريمة الاغتصاب الجماعية تحت سيطرة الحب والشهوة، فيما الشقيقة الصغرى في عائلة مسلسل «غزلان في غابة الذئاب» تعشق والد صديقتها! حتى الأغنياء في العمل لم تأتِ ثرواتهم إلا من الفساد والرشوة! فشخصية «سامر» التي قام بأدائها الفنان قصي خولي هو ابن إحدى الشخصيات المتنفذة، فاسد، يتاجر بكل شيء يستخدم سلطة والده في الحرم الجامعي، وفي نزواته فيقض مضجع الحارة التي تسكنها حبيبته في شارع العشوائيات؛ من دون أن يستطيع أحد من أهل الحي ردعه أو حمايته مع غياب كامل للأجهزة الأمنية.
ما شاهدناه أيضاً في مسلسل «الولادة من الخاصرة» بجزأيه الأول الثاني؛ لم يقدم المجتمع السوري بصورة أجمل، بل كان هذا المجتمع عبارة عن مجموعة مرضى نفسيين، فشخصية «العقيد رؤوف -عابد فهد» موتور، يبدأ نهاره بالاستحمام بالحليب ويحول المدينة إلى قطاع خاص لنزواته وساديته، فشوه وجه زوجته الشاعرة «سماهر- سلاف فواخرجي» بشكل لم نشاهده حتى في أفلام الفرد هتشكوك، أما زوجته الثانية فتقيم علاقة مع أحد العناصر المكلفين بحراستها- «علام-مكسيم خليل»، الفتى العاق مخنث ومدلل والده رجل الأعمال-«واصل-سلوم حداد»، الأب المريض الذي يحرق جسده، ويقص لسانه، وفي النهاية يقوم بالانتحار. ولنشاهد في هذه العصفورية شخصية المدرّس المتهم بالتحرش بطفلة، ليتحول من مظلوم إلى ظالم وأفاق يعمل في مسلخ ليتمرن على الذبح كي ينتقم من خصومه! في حين قدم كاتب المسلسل سامر رضوان شخصية «سناء- تاج حيدر» التي سرقت والدها ودمرت أسرتها فقط من أجل الزواج بخطيبها لاعب القمار «وليد-إياد أبو الشامات» الذي شوهت وجهه انتقاماً! الأمثلة كثيرة عن دنيا الهلوسة التلفزيونية فشخصية «أبو مقداد» السكير الذي يعاقبه «أبو نبال» المجرم ببتر قدمه، فالخالة جمانة شريرة جشعة، والطبيب يقوم بعمليات إجهاض، فيما «أبو نبال» الشخصية الأكثر شراً -جسدها باسم ياخور.
مسلسل «شتاء ساخن» أيضاً لا أحد ينسى سفاح القربى، وعلاقة «وكيل- عباس النوري» بزوجة أخيه المتخلف عقلياً، ولا حجم القتل والإجرام والمخدرات, يحضر هنا «الخبز الحرام» الذي قدم الشخصيات ذاتها بأسماء جديدة ، وجرائم مختلفة، فمن الاعتداء الجسدي على الأخت وقتل أخيها، إلى الزواج بأختها على سنة الله ورسوله وحسب الشرع، فالأب يبحث عن المتعة في المخدرات والزواج من الراقصات، أما بيوت الدعارة فيديرها شبان يتاجرون بالفتيات فيبيعوهن إلى الأغنياء بعد إيقاعهن ببراثن الحب ووعود الزواج!.
أعمال كثيرة ودراما لم تعرف أنها تستهلك مجتمعاً ضمنت بين طياتها الانحلال الأخلاقي، والجريمة، والحمل غير الشرعي، والإجهاض، والاستبداد؛ علاقات مشبوهة ،مارقون، لصوص، أبناء حرام، تجار مخدرات، رقيق أبيض، قالب درامي مأخوذ من خلطة العنف مع الإيحاءات الجنسية، نحو تقمص كل ما هو مزدهر بالدم والفضيحة الجماعية..
لكن ما هو السبب هل كل هذا العنف والشر والتشويه غاية أو وسيلة، هدف للتسلية والترفيه، أم لإرضاء أجندات المال، لماذا تحولت الدراما الاجتماعية والتاريخية إلى دراما للطلاق والخيانة وتفكك الأسرة العربية؟ إلى دراما همها تحريض الغرائز والسفاح بحجة كسر المحظور والخروج عن الأعمال الإنشائية التقليدية؟ ولمصلحة من لم تحافظ «الدراما السورية» إلى ما وصلت إليه من نجاح وجمهور عربي؟