2013/05/29
خلدون عليا – دار الخليج
تعد قضية توزيع الأجور على الفنانين والفنانات والمخرجين والفنيين من القضايا الشائكة والمثيرة للجدل في الوسط الدرامي السوري عموماً، والمعلومات المسربة عنها قليلة جداً إن لم تكن معدومة بسبب الجدار العازل الذي تقيمه شركات الإنتاج أولاً والفنانون ثانياً حول الأرقام المالية المدفوعة لهم، على عكس ما هو سائد في ''دراما المحروسة'' حيث إن الأجور معروفة وواضحة بل ومنتشرة في الصحافة بشكل كبير، وربما يعود سبب تكتم الفنانين السوريين على أجورهم هو ارتفاعها مقارنة بدخل المواطن السوري وليس بالمقارنة مع الأجور في الدراما العربية وبالتحديد المصرية التي تعد أعلى بكثير . من هنا فإن تكتم الفنانين على أجورهم ربما يعود إلى عدم الحاجة لإبراز هذه الأرقام حتى لا يحدث نوع من النفور أو النظرة غير المحببة من قبل الجمهور لنجوهم، ومن ناحية ثانية حتى لا يتم فضح الأرقام في الدراما السورية وتبيان انخفاضها بالمقارنة مع بقية الدراما العربية، وبالتالي عدم قدرة الفنان السوري على طلب أرقام أكبر بكثير عند مشاركته بعمل عربي، حيث إنه يتقاضى أجراً أعلى بكثير من الأجر الذي يتقاضاه في الدراما السورية . .
فما هي أسباب تفاوت الأجور، وهل هي منصفة للفنان السوري؟ وكيف هي أجور كل العاملين في الدراما من كتاب ومخرجين؟ هذا ما نعرفه في التحقيق التالي .
عن التفاوت في الأجور يقول المنتج عماد ضحية مدير عام شركة “بانة” للإنتاج الفني ل”الخليج”: الدراما السورية تعتمد بشكل كبير على البطولة الجماعية، وبالتالي من الممكن أن يضم العمل عدداً كبيراً من نجوم ونجمات الصف الأول ومثلهم من أبطال الأدوار الثانية وهؤلاء جميعاً أجورهم عالية، على عكس الدراما العربية الأخرى التي تعتمد على بطل أو بطلين أجورهم عالية جداً بينما البقية أجورهم أقل بكثير .
بينما يرى المنتج هاني العشي مدير شركة “عاج” للإنتاج الفني أن “الأجور مرتبطة بسياسة العرض والطلب، وبالنهاية نحن نسوّق أعمالنا في محطات مختلفة ونحصل على ثمن العمل منها، وفي الحقيقة أن زيادة أسعار بيع الأعمال السورية في تلك المحطات نتيجة جودة المستوى الفني والفكري الذي تقدمه، أسهم في تحسين الأجور خلال الفترة الماضية .
ويضيف العشي: أجور الفنانين مرتبطة بنجوميتهم، وهناك أسماء وجودها في العمل يجعلنا قادرين على تسويقه، وبالتالي فهؤلاء يتقاضون أجوراً أعلى من غيرهم ثمناً لنجوميتهم وشهرتهم وقربهم من قلوب المشاهدين، وفي الحقيقة إن المحطات الفضائية التي تشتري الأعمال تدقق كثيراً، في هذه الناحية .
“لعل الأزمة السورية التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عام ونصف العام بدا تأثيرها واضحاً على مستوى الأجور، هكذا يقول عدد من الفنانين الذين لم يرغبوا في ذكر أسمائهم أثناء حديثهم، مستغربين أسباب قيام شركات الإنتاج بتخفيض الأجور، على الرغم من أن هذه الشركات تتقاضى ثمن المسلسل بالدولار، في حين أنها تدفع للممثل بالليرة السورية التي انخفض سعر صرفها مقابل الدولار، وبالتالي، فإن أرباح شركات الإنتاج قد ازدادت عملياً .
والمعروف أن هناك أجوراً تعد مرتفعة مقارنة بأجور أخرى، وهذا مرتبط بنجومية الفنان حيث بدا واضحاً أن نجوماً كباراً بحجم عباس النوري، وبسام كوسا، وجمال سليمان، وتيم حسن، وأيمن زيدان، وغسان مسعود، يتقاضون أجوراً هي الأعلى في الدراما السورية تترواح بين 7 ملايين ليرة سورية لتصل إلى 11 مليوناً حسب طبيعة ونوعية الشخصية والعمل الدرامي . في حين تتقاضى أسماء كبيرة في الدراما السورية أمثال سلوم حداد، وباسم ياخور، وقصي خولي، وباسل خياط، ورشيد عساف، أرقاماً تعد جيدة في الوسط الدرامي السوري وتصل إلى ستة ملايين ليرة سورية عن المشاركة في بطولة العمل، وبالطبع فإن ارتفاع أو انخفاض هذا الأجر بنسب محدودة يعود إلى النجاح الذي يحققه الفنان في كل موسم، فالكثير من المتابعين يتوقعون ارتفاع أجر الفنان باسم ياخور في الموسم المقبل بعد النجاح الذي حققه في عدد من الشخصيات التي أداها في الموسم الماضي وتحقيقه حضوراً لافتاً .
وعلى صعيد أدوار البطولة الرديفة أو الثانية كما تسمى في الدراما السورية، فإن هناك العديد من الأسماء تتقاضى أجوراً تتراوح بين مليوني ليرة سورية وصولاً إلى خمسة ملايين، وفي بعض الأحيان ترتفع أكثر حسب طبيعة الشخصية والعمل، ومن هؤلاء مكسيم خليل، وأحمد الأحمد، ومحمد حداقي، وأسماء أخرى .
أما أجور المخرجين فهي تختلف حسب أهمية ومكانة المخرج، وقد تبدأ من 75 ألف ليرة للحلقة الواحدة لتصل إلى 15 مليون ليرة للعمل وهو الأجر الذي يتقاضاه شوقي الماجري وحاتم علي وربما نجدة أنزور وباسل الخطيب، في حين قالت مصادر إن مخرجين متميزين من أمثال سيف الدين سبيعي تصل أجورهم إلى 200 أو 250 ألف ليرة للحلقة الواحدة أي ما بين 6 7 ملايين ليرة سورية وهو الأجر نفسه الذي يتقاضاه المثنى صبح وربما يتقاضى الليث حجو ورشا شربتجي أعلى من ذلك بقليل . أما بالنسبة للمخرجين المنتجين فإن الأمور مختلفة نوعاً ما، في حين أن أسماء حققت حضوراً ونجاحاً في المواسم القليلة السابقة من أمثال المخرج تامر إسحاق فإن أجورهم ارتفعت بنسب جيدة لتقارب الخمسة أو ستة ملايين ليرة سورية عن العمل الواحد .
على صعيد النجمات، تعد سلاف فواخرجي الأعلى أجراً في الدراما السورية تليها أمل عرفة، وكاريس بشار، ومؤخراً سلافة معمار التي بدأت تتقاضى أجوراً عالية بسبب النجاح الذي حققته في عدد من المسلسلات السورية، أما فنانات من أمثال ديمة قندلفت التي غالباً ما تسند لها أدوار البطولة الثانية في الأعمال وكذلك شكران مرتجى، واللتين تحققان نجاحات كبيرة فتتقاضان أجوراً تنخفض عن الأجور السابقة لتأتي في المرتبة الثانية، إلا أنها تعد جيدة قياساً بالأجور الأخرى .
وتختلف نظرة كل فنان لطريقة توزيع الأجور، فالنجم السوري الكبير أيمن زيدان يقول ل''الخليج'': المشكلة أننا في سوريا نفضل فكرة الأجور على فكرة السوق، بينما في مصر فإن موضوع الأجور وزيادتها طبيعي، فالأجور ترتفع هناك لأنه يوجد لديهم سوق داخلية تغطي قيمة الإنتاج، وبالتالي الحديث عن الأجور لا يمكن فصله عن قيمة المنتج في السوق، فطالما لا يوجد سوق داخلية للعمل السوري لايمكن بيوم من الأيام أن ترتقي الأجور إلى المستوى المطلوب، إذ لدينا مشكلة سوق .
يتابع زيدان: بالعودة إلى مصر، هناك بعض النجوم يتقاضون نحو المليون دولار عن المسلسل الواحد، وهي ميزانية عمل سوري كامل في بعض الأحيان، ولكن هناك مؤسسات وحملات إعلانية في السوق الداخلية المصرية تغطي للمنتج والمحطة هذه التكلفة وتعطيها أرباحاً جيدة، وبالتالي الحل من وجهة نظري مرتبط بحل المشكلة الأساسية، وذلك من خلال إعادة هيكلة الدراما السورية أولاً ومن ثم توفير سوق داخلي حقيقي، وبعدها نجد أن مسألة الأجور ستحل مع بناء هيكلية حقيقية لصناعة هذه الدراما .
أما الفنانة صفاء سلطان فترى أن عملية توزيع الأجور في الدراما السورية ليست عادلة بالشكل الصحيح و لكنها ليست بالسيئة نوعاً ما .
“الأجور في الدراما السورية أقل بكثير من نظيراتها في الدراما المصرية والخليجية وحتى التركية التي دخلت إلينا”، هذا هو رأي الفنان مصطفى الخاني، منوهاً إلى أن الأجور في مصر مثلاً أعلى بكثير من الدراما السورية، حتى إن أجر الفنان السوري هناك مرتفع جداً ولا يمكن مقارنته بأجر الفنان في الدراما السورية .
ويرى الخاني أن أجور الفنانين الشباب وبالتحديد الوافدين الجدد إلى عالم الدراما من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية وغيرهم، لا تزال ضعيفة جداً وهو أمر محزن حسب تعبيره .
المخرج تامر إسحاق يقول: موضوع الأجور له تداعيات وتشابكات عدة وفي الحقيقة إن الأجر يتحدد بناء على الشهرة والنجومية، وهذا يتبع لسلسلة عملية الإنتاج، وسعر الحلقة الدرامية في المحطات الفضائية، ولكن بشكل عام يمكن القول إن الأجور في الدراما السورية لا تزال أقل بكثير من نظيرتها في الدراما العربية وهذا مرتبط بأمر أساسي وهو التسويق .
بالنسبة لأجور كتّاب الدراما السورية، فإنها مقسمة كما هو عليه الحال بالنسبة للنجوم والنجمات، فمن المعروف أن كتّاب من أمثال سامر رضوان وفؤاد حميرة وحسن سامي يوسف ونجيب نصير وحسن .م .يوسف يأتون في الصف الأول بالنسبة للأجور، فيما تتفاوت أجور الكتّاب الآخرين حسب أهمية ونوعية العمل والشركة المنتجة .
وبالنسبة لأجور الكتاب ترى الكاتبة الدرامية نور شيشكلي أنه لا مجال للمقارنة بينها وبين الممثلين والمخرجين وتقول: لست مع مقارنة الأجور، فأجر الكاتب يختلف عن أجر المخرج بناء على الجهد المبذول وأجر الممثل أيضاً . . لكن أجور الكتّاب غير منصفة قولاً واحداً حتى فيما بينهم .
الكاتب سليمان عبد العزيز له وجهة نظره في هذا الموضوع، لذلك فضل الحديث عن نفسه قائلاً: سأتحدث عن نفسي، فمرحلة الأجر المنخفض هي ضرورة في وسط فني يعتمد على العلاقات والمحسوبيات عوض الاعتماد على الكفاءة والأمانة المهنيتين، فعلى الوسط الذي نحن فيه الإيمان بأن الكاتب الصاعد أو الذي يحصل على أول فرصة أن يكون له ذات الأجر الذي للكاتب ذي الأعمال الكثيرة، لأنني لا أؤمن بمقولة الكاتب المبتدئ الذي من أجله تغامر شركة بمالها، فالقيمة الفنية والفكرية تكون في ذات النص المقدم لأي شركة، ولكن المشكلة تكون في انعدام وجود منتج مثقف مهنياً وفكرياً، ناهيك عن نظرية “المِنَّة” التي ترافق الكاتب الصاعد بعد عرض عمله فتنهال كلمات من مثل ''لولانا لما كنت قد حصلت على الفرصة''، متجاهلين بذلك قوة النص المقدّم لهم . والوسط الفني ''ما شاء الله'' يمتاز بالاختصاصات، فمثلاً سائق “ميكروباص” يصبح مدير إنتاج، ومسؤول كومبارس يصبح مخرجاً بقدرة قادر، وأتمنى منك كصحفي أن تعد تحقيقاً عن “علي بابا والأربعين حرامي” وأختم بمقولة نجم عربي سوري “ما شاء الله ركَّيبة المونيتور كتار” .
من جهته الكاتب عثمان جحا يرى أن أجور الكتاب في الدراما السورية متفاوتة . . ولكنها في النهاية ضمن المعقول .
بدوره الكاتب هوزان عكو فيجد أن “كل المعايير المتعلقة بالتعاقد مع الكتّاب ضبابية وترتهن لمبدأ التوافق بين المنتج والكاتب ومدى استعداد كل طرف للتوافق على الأجر . . في هذه الحالة يكون الغبن من نصيب الكتّاب الجدد في أغلب الأحيان . . ولن يحل هذا الأمر ما لم تتوافر جهة قانونية تحمي الكتّاب، بخلاف الممثلين والمخرجين، وإن كان وضع الأجور بالنسبة لهم لا يختلف كثيراً فالتعاقد في الدراما السورية أشبه ببازار مفتوح” .
في النهاية سيبقى موضوع الأجور في الدراما السورية من المواضيع الأكثر إثارة للنقاش والجدل في الوسط الدرامي، وخصوصاً مع التخفيض الذي طال أجور معظم الفنانين نتيجة الأزمة الحالية التي تعيشها البلاد، وبالتالي تزايد التفاوت في الأجور بين الفنانين، مما أثر ويؤثر حالياً على قبولهم لبعض الأدوار التي تعرض عليهم.