2013/05/29
محمد رُضا – دار الخليج
يشرف العام 2012 على أن يتبع الأعوام السابقة فيلف نفسه داخل عباءة التاريخ، ويمضي مودّعاً ومن دون أمل للقاء آخر، إنها الأيام تتوالى والحياة تستمر والأفلام كذلك، عام بعد عام، يجد المتابع نفسه أمام سيل من الأفلام، كثير منها مستنسخ من أفلام سابقة، بعضها فقط جديد ومميّز . والمشكلة هي أن العروض السينمائية المتوافرة ليست في وارد عرض الجديد، والمختلف بل هي غارقة في طلب النجاح الجماهيري، غارفة من الإنتاج الأمريكي ما يُتيح لها ذلك .
لكن هذا لا يعني أن هذه السنة الآيلة للإنصرام، كما كل السنوات السابقة، جاءت خالية من الأفلام الجيّدة أو حتى المتميّزة عن حق، وسواء أكانت هذه الأفلام أمريكية أم أوروبية أم من أطراف العالم الآخر الشاسع، فإنها كانت وفيرة بسبب أن الأفلام الموجّهة إلى قطاعات محدودة من المشاهدين تدخل بدورها حقل التجارب الاقتصادية وشؤون “البزنس” السينمائي تماماً كحال الأفلام السائدة، كل ما في الأمر أن الفنانين يجدون أنفسهم ملزمين حيال مستوياتهم السابقة أو تلك المأمولة، وفي الوقت ذاته حيال تلك الجهات التمويلية (إنتاجية وتوزيعية) التي عليها أن تغلق ملف الكلفة لتبدأ بجني الأرباح التي ستمكن المخرج من المواصلة أيضاً .
إذاً، والحال هذه، هل بالإمكان استطلاع بعض أفضل ما شوهد هذا العام من أفلام؟
تبدو المناسبة مُتاحة كون العام يقترب من نهايته ومتوافرة بسبب عدد كبير من الأفلام التي تستحق التنويه (على الأقل) كثير منها، إن لم يكن معظمها، لم يقترب من شواطئنا بل عرضته مهرجانات بعيدة أو تمتّع بقدر محدود من العروض الأوروبية .
لكن البداية عليها أن تكون عربية ومع أن العام سينجلي، قبل نهايته في الشهر المقبل عن مفاجآت عربية متعددة ستعرض خلال أيام مهرجان دبي السينمائي التاسع، إلا أن ما شوهد من أفلام عربية لا يخلو من بعض المفاجآت الطيّبة .
في المقدّمة فيلم لمخرج جديد هو يوسف الديب، سينمائي مصري يعمل ويعيش في دبي دائماً ما عاش غرام السينما الفنية، وحقق هذا العام فيلمه الروائي الطويل الأول وعنوانه “تقاسيم الحب” دراما ذات إطار برغماني حول رجل وزوجته وما تمر به الحياة المشتركة من صعود وهبوط ضمن انفعالاتها العاطفية المتماوجة، هذا الفيلم سيكون أحد عناوين قسم “ليالي عربية” الأبرز في مهرجان دبي . وفي حين أفرغ فيلم “بعد الموقعة” ليسري نصرالله رصاصاته في الهواء، أنجز “الشتا اللي فات” لإبراهيم البطوط ما هدف إليه من غايات، فهو أكثر تحدداً في توجّهاته وأفضل اعتناء بالحياكة الفنيّة الخالصة التي تميّزه .
وعلى صعيد السينما التسجيلية الطويلة، وفّرت المخرجة الإماراتية نجوم الغانم عملاً بالغ الجودة بعنوان “أمل” ونقل التونسي سامي تليلي بذور الثورة التونسية التي اشتعلت في قفصة سنة 2008 أي قبل ثلاثة أعوام من أحداث 2011 . فيلم تليلي حول مناجم الفسفاط وكيف أنها لم تعد على البلدة وجوارها بالرغد الذي كانت تترقّبه وتأمل به .
عالمياً منحنا بعض عمالقة السينما الحاضرة عدداً من الأعمال القوية . المخرج البرتغالي المعمّر (103 سنوات) مانويل دي أوليييرا نقل الأدب والمسرح إلى صياغة بصرية أخاذة (وبسيطة معاً) في فيلمه “غيبو والظل”: دراما حول محاسب منكب على ورقه يحاول الحفاظ على عائلته الصغيرة (زوجته وزوجة ابنه المختفي) في وسط حالة فقر مدقع . الأحداث، التي تقع في مطلع القرن، لا تكاد تغادر الغرفة الواحدة (الفيلم مأخوذ أساساً عن مسرحية) وبشخصيات قليلة، لكن المخرج “مايسترو” الإتقان في العمل والعمق الناتج عن البساطة المخادعة .
أيضاً من بين أفضل ما تسلل إلى الشاشات هذا العام فيلم “حصان تورينو” وهو فيلم ألماني/ فرنسي/ مجري مشترك للمخرج المقل بيلا تار الذي أكّد أن هذا العمل سيكون فيلمه الأخير: متابعة أخاذة لعائلة صغيرة أخرى (أب وابنته الشابة وحصانهما المنهك) في مزرعة . لا أحداث، لكن هناك دفقاً من الوقائع اليومية التي تبدو روتينية لكنها تبقى مهيمنة وأخاذة .
من الباراغواي ينبري ما يمكن اعتباره أفضل فيلم أول لمخرج جديد وهو “سبعة صناديق”: دراما حاكها خوان كارلوس مانجيليا وتانا شمبوري حول صبي يعمل حمّالا في بعض أسواق المدينة يقبل نقل سبعة صناديق لا يعلم أنها تحوي مخدرات من مخزن لآخر وما يحدث له في يوم كامل من تبعات .
في إطار سينما الأنيماشن لم يكن أفضل النتاجات أحد تلك الأفلام التي تموّلها الإستديوهات الكبيرة في هوليوود، بل فيلم روماني - بولندي بعنوان “كروليك - الممر إلى الما وراء” للمخرجة أنكا داميان . يعرّفنا صوت بأنه صوت كرونيك الميّت ويقص علينا كيف وصل إلى بولندا ذات مرّة فإذا به يدفع حياته ثمناً لجريمة لم يرتكبها . ينتمي الرسم هنا إلى المدرسة الأوروبية الشرقية: كاريكاتورية المنبع ومرسوم بالألوان المائية ما يجعل العمل أكثر جدية وعمقاً مع اعتماد التأطير المناسب كما حال السينما الحيّة .
أمريكياً، ومن نبع السينما التجارية خرج فيلمان على قدر كبير من الفن هما “إلى العجب” لترنس مالك و”السيد” لبول توماس أندرسن . على تميّزهما قد يذهب مقترعو الأوسكار في الشهر المقبل إلى ما هو أكثر تقليدية .