2013/05/29
صهيب عنجريني – السفير
لا يمكن مقاربة قرار إيقاف بث القناة الأولى «الأرضية» لـ«التلفزيون العربي السوري»، خارج سياق حالة العشوائية المسيطرة على الأداء الحكومي، في ظل الأزمة. حالة كانت وزارة الإعلام السورية، صاحبة النصيب الأكبر منها. لم يُعلن عن القرار رسمياً، ولم تشرح أي جهة حيثياته وموجباته، وتركَ أثراً صادماً في الشارع السوري. صدمة لا علاقة لها بوقف البث بحد ذاته، بقدر ما هي صدمة ترتبط بالبعد الرمزي لهكذا إجراء. مفاجئاً كان قرار الإيقاف ومن دون مقدمات، وقد تناقلت وسائل الإعلام عن إحدى العاملات في المحطة قولها: «فوجئنا لدى قدومنا للعمل في 11 تشرين الثاني الحالي بأن جميع البرامج تم إيقافها تمهيداً لانطلاق محطة «تلاقي» الفضائية عوضاً عن الأرضية السورية».
ثلاثةٌ وخمسون عاماً أطاح بها القرار منهياً بذلك مسيرة واحدةٍ من أقدم محطات البث التلفزيوني العربي، حيث بدأ الإرسال المنتظم في سوريا يوم 21 تموز عام 1960، وذلك بناء على القرار الجمهوري رقم 717 تاريخ 5/5/1959، القاضي بإحداث المديرية العامة لهيئة الإذاعة والتلفزيون. وقد بدأ التلفزيون السوري إرساله من قمة جبل قاسيون، حيث أنشئت أول محطة إرسال بقوة 10 كيلو واط، واستمرّ الإرسال لمدة ساعة ونصف فقط في اليوم الأول، من داخل استوديو متواضع شيِّد بجانب محطة الإرسال. واعتمد التلفزيون على الكوادر الفنية المتواجدة آنذاك في «مديريّة الإذاعة»، بعدما تمَّ إرسالها إلى الخارج، في دوراتٍ تدريبية قصيرة. ولم يكن الإرسال يتمّ في وقت واحد إلى مركزي حمص وحلب حيث تمَّ تشييد محطتي إرسال في كلٍّ منهما بقوة 10 كيلو واط لكلّ محطة، بسبب عدم وجود شبكة وصل ميكروية تربط المحطات بعضها ببعض. وكانت تبثُّ في دمشق في اليوم الأول ثمَّ تبث في حمص وحلب الأشرطة المسجلة في اليوم التالي. وكان البث وقتذاك بالأبيض والأسود، فيما بدأت تجربة الملوَّن في العام 1978.
ثمَّة من رحَّب بقرار الإيقاف معلِّلاً ذلك بأنَّ القنوات الأرضية لم تعُد تحظى بنسبة المشاهدة الكافية، وسط هيمنة القنوات الفضائية على المشهد والمشاهد، وعدم امتلاك المحطات الأرضية السورية الأدوات الكافية للاستمرار في غمار منافسةٍ محسومة سلفاً. غير أنّ الرأي الآخر والمنتقد للخطوة كان الأكثر انتشاراً، إذ رأى أصحابه في الخطوة «تدميراً للتراث الإعلامي». مشيرينَ إلى مفارقةٌ حادةٌ تنتجها المقارنة بين قرار الإيقاف وبين ردة فعل مسؤولي الإعلام السوري حين قررت إدارتا «عرب سات» و«نايلسات»، متسائلين في الوقت ذاته: «ألم تلجأ الفضائيات السورية إلى البث الأرضي حينها ريثما يتم إيجاد بدائل تضمن عودة البث الفضائي؟»
تساؤلات كثيرةٌ خلّفها القرار، ولكن يبدو من الصعب إيجاد إجابات عليه، في ظل الصمت الرسمي المحيط به.. ولعل أشدّ تلك الأسئلة إلحاحاً ذلك المرتبط بمصير العاملين في المحطة من إعلاميين وتقنيين وفنيين. ربما كان لعرَّابي القرار مسوِّغات يرونها موجبةً له وتتعلقُ بأولوية البث الفضائي، وتجيير الكادر البشري والجهد التقني لصالحه، أو ضغط النفقات وما إلى ذلك.. غيرَ أنَّ الحقيقة التي لا مراء فيها، هي أنَّ القرار قد دقَّ كل المسامير دفعةً واحدةً في نعشِ مريضٍ كانَ كثر يأملون ببقائه حياً، رغم موتِه السريري.
ثمة تساؤلٌ يدور في الذهن: هل كان «المريض الإنكليزي» ليبقى حيَّاً حتى اليوم لو كان مسؤولو الإعلام السوري هم من كتبوا الرواية الخالدة أو من صنعوا الفيلم الشهير؟