2013/05/29
وسيم السلطي – تشرين
بداية لا بد قبل الحديث عن وجود مدينة فاضلة في حارات دراما البيئة الشامية, من تقديم تعريف لهذه المدينة التي تحدث عنها الكثير من المفكرين أمثال «أبي نصر الفارابي» في كتابه (آراء أهل المدينة الفاضلة)
وعرفها بأنها المدينة التي يجتمع أهلها على تحقيق السعادة وتعميم الخير, ويتسم أفرادها بروح التعاون والتكافل والنشاط, وتالياً، مادامت هذه المدينة فاضلة فإن جميع مكوناتها من رئيس وسكان وأخلاق وأفعال ستكون فاضلة بالضرورة.
زعيم الحارة وعقلاؤها
تعتمد دراما البيئة الشامية عند تقديمها أي عمل على عدد من المكونات أولها زعيم الحارة ومن ثم مجلسها فعكيدها, من هذه الأعمال باب الحارة وزمن البرغوث, ففي الأول نجد أن هناك زعيماً للحارة «عبد الرحمن آل رشي» الذي يتمتع برجاحة عقله وحكمته في اتخاذ القرارات وتسيير أمور الحارة وتغليبه الخير محاولا عدم تعرض أحد للظلم, ويأتي بعد الزعيم مرتبة مجلس الأعضاوات, ويتم اختيار أعضاء هذا المجلس بناء على قدرهم ومكانتهم وهم من خيرة أهل الحارة, ويتألف المجلس من شيخ الجامع وصاحب المال الوفير وحكيم الحارة وشخصيات أخرى لها شعبيتها, ومهمة هذا المجلس هي الاجتماع من أجل أي طارئ يقع للحارة أو وجود خطر يتهددها ومساعدة الفقراء وإعانتهم, وهدفهم من ذلك استقرار الحارة وتحقيق العيش الرضي للجميع, وفي المرتبة الثالثة يأتي عكيد الحارة «أبو شهاب, سامر المصري», وهو في الأصل عضو في مجلس الأعضاوات, ولكن أهمية موقعه تكمن في أنه اليد اليمنى للزعيم, والاعتماد عليه في الكثير من الأمور لاجتماع عدد من الصفات المحمودة فيه كالشجاعة وعزة النفس وقوة الإرادة وأهم شيء محبة الناس له, ومثل هذا الترتيب وبالأهمية نفسها نجده أيضا في مسلسل زمن البرغوث من زعيم «عياش, رشيد عساف», ومجلس أعضاوات الحارة, وزكرتي الحارة «شاهر, قيس الشيخ نجيب».
سكان الحارة وأخلاقهم
تتمتع حارة (الضبع) في مسلسل باب الحارة بأن لها ضوابط أخلاقية تسيطر على سلوك أفرادها, ويتمثل ذلك بطيبة أهلها ومحبتهم لفعل الخير وندرة الخبث أو الأنانية عند أحدهم, ودليل ذلك ما فعله «الإيد عشري, بسام كوسا» عندما قام بسرقة الذهب من بيت «أبو ابراهيم,عصام عبه جي», إذ نجد أن هذه الضوابط تمنع «الإيد عشري» من إظهار الذهب وصرفه كما يحلو له, فيعيش حالة من تأنيب الضمير والوجدان, إلى أن تقوده هذه الأخلاق إلى الاعتراف بما اقترفت يداه, وكذلك الأمر في حارة (عياش) في مسلسل زمن البرغوث, نرى أن الأخلاق الحميدة هي السائدة والمنتشرة في الحارة, وتوضيحا لهذا حادثة زكرتي الحارة «شاهر»، فعلى الرغم من سوء معاملته من قبل «أبو خيرو, فايز قزق» الذي يكنّ له الشر والحقد بسبب سوء فهم حاصل بينهما, فإن أخلاق «شاهر» تمنعه من معاملته بالمثل, فكان دائماً يلقي التحية على «أبو خيرو», حتى إنه يعرض نفسه للخطر دفاعاً عن نساء «أبو خيرو» عندما يتحرش بهما شابان من حارة أخرى, فيتعارك مع الشبان ويجرح على إثرها, وأغلب المشاهد والمواقف في كلا العملين يكون الحق هو صاحب الموقف.
الأفعال الخيّرة والأفعال الشريرة في الحارة
ترجح كفة الأفعال الخيّرة على الشريرة في حارة (الضبع), مثلاً حينما صدر أمر من العكيد «أبو شهاب» بمقاطعة «فريال, وفاء موصللي» لقاء ما قامت به من فتنة رمت على إثرها بصهرها «عصام, ميلاد يوسف» في السجن, فعلا تتم مقاطعتها من قبل جميع أهالي الحارة, لكن العكيد «أبو شهاب» كان بين الفينة والأخرى وبالكتمان يرسل لها أرطالاً من اللحمة والمواد الغذائية من دون أن تعلم «فريال» من الفاعل, وقصد العكيد من وراء ذلك معاقبة فريال بطريقة لا تؤذيها, وبالنسبة لحارة (عياش) نلاحظ أنه عندما علم المختار «أيمن زيدان» والزعيم «عياش» بأمر «أبو محمد, شادي مقرش» التي قادته ظروفه البائسة للخروج ليلا والبحث بين القمامة عن بقايا الخبز والطعام ليسد رمق عائلته, فما كان منهم ومن غير أن يخبروا أحداً إلا أن يقدموا له المال والمؤن اللازمة للكف عما يقوم به من عمل يهين كرامته ويخدش أخلاق الحارة الكريمة, أما إذا انتقلنا إلى الأفعال الشريرة كفعل القتل مثلا, فإن هذا الفعل في حارة (الضبع) مثل الذي قام به «صطيف, معن عبد الحق» عندما قتل الزعيم, نرى أن هذا الفعل لم يقم به أحد من أهل الحارة وإنما «صطيف» الذي يكون دخيلاً وعميلاً على الحارة, ما يبين أن دافع القتل خارجي ومسوغه أن الزعيم اكتشف أمر «صطيف» الخائن, أما في حارة «عياش» وما تم فيها من فعل شرير أقدم عليه «تحسين, علاء الزعبي» بقتله الزعيم, فدافعه للقتل هو أخذ حصته من الطاحون ورغبته بالزواج من امرأة «عياش» التي كانت حسناء, لكن إذا حاولنا البحث قليلا في هذا الدافع لوجدنا أن «أم تحسين, رجاء يوسف» هي إمرأة أجنبية غريبة عن الحارة وعاداتها, غير مرغوب بها من نساء الحارة, وكانت دائما تملي على ولدها «تحسين» أنه تمت سرقة حصتهم من الطاحون, لكن كما شاهدنا فإن الأب كان قد أخذ حصته بالكامل قبل موته, مفاد ذلك كله أن «تحسين» لم يترب على عادات الحارة وتقاليدها, إنما تربى على عادات أجنبية غريبة تشربها من أمه, ولولا ذلك لما قام بفعلته الشنيعة هذه.
أخيراً بعد تبيان وجود (حارات فاضلة) إن صح التسمية, وذلك بوجود عناصر في حارات دراما البيئة الشامية لها ما يقابلها وما يماثلها في المدينة الفاضلة (الزعامة, الأخلاق, الأفعال), يظهر لنا ذلك أن صناع هذا العمل قد يكونون غير مهتمين بتقديم صورة حقيقية عن مجتمع واقعي, بقدر ما يهتمون بتقديم صورة خيالية فنتازية عن مجتمع مثالي موجود في أذهانهم وخيالهم.. ليس في هذا التدليل على وجود مدينة فاضلة إنكار للعادات والأخلاق الحميدة التي كانت في الزمن الذي تناولته دراما البيئة الشامية, لكن ربما الإكثار من هذا الإبهار الفاضل مع إغفال لجوانب أخرى، يمكن ألا يقدم صورة واضحة المعالم عن تلك الفترة الزمنية.