2013/05/29
فجر يعقوب – الحياة
لم يكن ممكناً التعرف إلى المغني المصري نادر جابر، وإلى أغانيه وألبوماته التي اشتهر بها، لو لم يفتن الجمهور باسم فني دفع به إلى المقدمة، وإن بدا الأمر في ظل هذه الفوضى غير محسوم، أقله حتى لحظة صدور ألبومه الأخير «سوبر ليفة».
«أبو الليف» الذي أطلّ على المشاهدين أخيراً عبر برنامج «بعدنا مع رابعة» على قناة «الجديد»، درس الموسيقى في كونسرفاتوار القاهرة، وتعثر في حياته المهنية عندما قرر أن يغني عام 1983. لم يملك مالاً كافياً ليطلق ألبومه الأول، فسافر وعمل في أكثر من مهنة، ثم عاد من ليبيا ليطلق ألبوم «كينغ كونغ» بالتعاون مع ابن شقيقته أيمن بهجت قمر، وهو اسم «ضارب» في عالم الكتابة الغنائية.
لم يكن ممكناً التعرف إلى عازف الكمان المغمور لولا «فايسبوك»، فلو لم تكن الصفحة الزرقاء ابنة هذا العصر الإلكتروني، لما رزق العالم العربي بـ «أبو الليف».
كانت المسألة محيرة له. قضى ثلاثة عقود في الغناء في الشوارع والأعراس من دون أن ينتسب إلى أحد أو يعترف به أحد. يقول إن الـفن يدفـــعه ويحـــرضه للذهاب إلى كل الأمــكنة التي يحـــتاج الذهاب إليها، وهذا أمر لا يعيبه في شــيء. لم تنفعه مناوراته باســم نادر جـــابر. بدا، وكأن الحظ فارقه تماماً طوال تلك الفــترة التي بدأت منذ أن كان في الـ15 من عمره. لم يستسلم الرجل الذي بدا في أحــد ألبــوماته المصورة، وكأنه إنــسان «النياندرتال» القديم الخارج من الكهوف والعصور السحيقة لينتقد الواقع المعاصر ويهجوه بالكلمات المراوغة، مثل أغنيته «الرصاصة ما تزال في جيبي» التي هجا بها كل من يعتقد نفسه بأنه فرعون جديد.
نفى أبو الليف في لقائه مع رابعة - وهذه قد تُسجل له - أن يكون استهدف الرئيس المخلوع حسني مبارك بهذه الأغنية، وقال إنها تطاول كل ظالم وفاسد. لم يرد أن يصنع من نفسه بطلاً وشهيداً. كان يدرك بذكاء أن «فايسبوك» لا يصنع هؤلاء الأبطال ولا يُلقنهم درس «الشهادة» بالطريقة المتعارف عليها، فعالمه الافتراضي لا يقدم خدمة من هذا النوع. وهو نفسه من لجأ إليه عبر التصويت للمفاضلة بين لقبين: أبو الليف، وأبو الريش، وكان أن وقع اختيار معجبيه على اللقب الأول، وبهذا عرف الشهرة التي انتظرها طويلاً، وحارب من أجلها، بالرصاصة الهجائية الناقدة.
يمكن قراءة ظاهرة أبو الليف من زوايا عدة. لم ينكر حب ظهوره تلفزيونياً. قال إنه يريد أن يقول شيئاً للناس عبره مثل كل الآخرين. رشح نفسه للرئاسة المصرية عبر الصفحة الزرقاء، ولو لم يتلق تهديدات من السلفيين بضرورة الانسحاب. يدرك أن عودته ثانية إلى ميدان التحرير ستكون قريبة، ولن يتخلف عن الحضور.
أبو الليف بطل من أبطال هذا الزمن الافتراضي. بطل من أبطال «فايسبوك» الجدد. يغني له. يمتدحه. لا يغيب عن مشاورته عندما يتطلب الأمر ذلك. فهو من منحه اللقب والشهرة والبطولة. وهو من منحه الإذن بأن يثور على الظلم والظالمين.