2013/05/29
الكفاح العربي
إنها أول مخرجة سعودية تقتحم مناطق محظورة في المملكة. هيفاء المنصور إستطاعت في فيلمها «وجدة» أن تكسر الكثير من الحواجز الاجتماعية والفنية، وأن تقلب المفاهيم السعودية تجاه دور المرأة وحظر الأعمال السينمائية. إنها تجربة فريدة من نوعها لا بد من التوقف أمامها والإضاءة على تفاصيلها.
تمكنت المخرجة هيفاء المنصور من نقل الطموح السينمائي السعودي إلى آفاق عالمية لم تكن ممكنة إلى وقت قريب. فبفضل فيلمها الجديد «وجدة» حضر اسم السعودية في مهرجان البندقية العريق كبلد منتج للمرة الأولى في تاريخ المملكة، إلى جانب أنه الفيلم السعودي الأول الذي يتم بيع حقوق عرضه السينمائي لشركات أميركية وأوروبية، في صفقة مهمة ستؤثر في نظرة رأس المال السعودي تجاه الاستثمار السينمائي. يضاف إلى ذلك أنه أول فيلم روائي سعودي طويل يتم تصويره بالكامل داخل الأراضي السعودية بطاقم سعودي كامل.
الفيلم من إنتاج شركة «ريزر فيلم» الألمانية الحائزة على غولدن غلوب وترشيحات الأوسكار لأفلامها مثل فيلم «رقصة الفالس مع بشير» و«الجنة الآن»، وشركة «روتانا ستوديوز» وشركة «هاي لوك»، وبمشاركة «يونايتد تلنت إيجنسي» الأميركية، و«ماتش فاكتري» من ألمانيا. ويعتبر الفيلم التعاون المشترك الأوروبي الأول في دول الخليج العربي ويشكل نقلة نوعية في صناعة الأفلام في المنطقة وطريقة إنتاجها.
هيفاء المنصور تحدث عن رحلتها إلى إيطاليا، وعن فيلمها الذي يحكي «حلم» طفلة صغيرة باقتناء دراجة هوائية، والذي سيتم عرضه في دور السينما في جميع دول العالم باستثناء المملكة.. البلد المنتجة للفيلم، وقالت رداً على سؤال: طبعاً أنا فخورة جداً أن يكون فيلمي هو الفيلم السعودي والخليجي الأول الذي يتم اختياره رسمياً ليمثل المملكة في مهرجان صف أول مثل مهرجان البندقية، وعندما وقف الجمهور وصفق للفيلم لمدة عشر دقائق متتالية بعد العرض الأول لم أتمالك نفسي من البكاء.
وأضافت: الجمهور والنقاد استقبلوا الفيلم بشكل ممتاز على حد سواء، فجميع النقد الموجه للفيلم كان إيجابياً وجميع العروض كانت ممتلئة تماماً ونفدت التذاكر من مكتب المبيعات بشكل سريع جداً نتيجة للإقبال على الفيلم. والحمدالله الاستقبال الحافل الذي واجه الفيلم ساعدنا كثيراً في توزيع الفيلم عالمياً. فقد تم بيع الفيلم في كل أنحاء العالم وفي أميركا تم بيع الفيلم إلى شركة سوني كلاسيك أهم شركة أميركية لتوزيع الأفلام الأجنبية في أميركا الشمالية.
وعن مشاركتها في البندقية، قالت: من المعروف أن الأفلام التي ينتهي تصويرها في شهر كانون الأول (ديسمبر) تتوجه إلى مهرجان «كان»، والأفلام التي ينتهي تصويرها في الربيع في شهر آذار (مارس) تتجه إلى مهرجان البندقية. وهذا هو ما حصل معنا في الفيلم.
وحول انتاج الفيلم، أوضحت: أنا مؤمنة تماماً بأن العمل الجاد هو الطريق الوحيد للنجاح. وقد عملت لمدة خمس سنوات على كتابة السيناريو والتمويل وتنقيح فيملي وبداية المشوار تبدأ بخطوة. أنا في فيلمي هذا حاولت أن أصنع فيلماً سعودياً حقيقياً بعيداً عن التصنع والتلفيق. لذلك كان لابد وأن نصور في الأماكن الحقيقية، ومدينة الرياض مدينة جميلة ولها سحرها الخاص وأحببت أن أظهر جمال بلدي في الفيلم. وبالطبع كنا حريصين أن لا يحدث طارئ ويلغي عملية التصوير فراعينا جميع القوانين المعمول بها، وعملنا بشكل نظامي، لأن احترام القوانين وطبيعة المكان مهم جداً وهذا ما حاولنا مراعاته دائماً.
ورداً على سؤال حول الإصرار على التصوير داخل الرياض رغم المخاطر التي يعرفها أي سينمائي، قالت المنصور: لأن نجاح أي فيلم مرتبط ارتباطا وثيقا بمدى صدقه ومدى استعداد المخرج لخوض غمار أية تجارب تضمن خروج قصة صادقة وشفافة عن مجتمعه للناس. كان هناك دائماً حذر في تصوير المشاهد الخارجية حتى لا نزعج الناس وسكان الأحياء، فمن المهم مراعاة المجتمع وظروفه حتى نضمن أن نصور بسلاسة. ولم أشعر إطلاقاً بأن المشروع في خطر في أية لحظة من اللحظات فلقد كان معنا فريق عمل محترف له باعه وخبرته في الشارع السعودي.
وعن رأيها في البنية الإنتاجية السعودية، أشارت المنصور إلى صدمتها بـ«حرفية البنية التحتية للإنتاج الدرامي في السعودية. وتشكر على ذلك المسؤولون في وزارة الثقافة والإعلام وأيضاً جمعية المنتجين والموزعين السعوديين. فأنا فخورة جداً بالمشهد الدرامي السعودي وأتمنى أن ننتج أفلاماً ومسلسلات بشكل أكبر في المملكة لكي نشجع هذا القطاع ونحفزه على النمو خصوصاً في ظل هجرة الكثير من العاملين فيه إلى بلدان مجاورة تسوّق لنفسها بأنها أكثر انفتاحاً ولكن تظل السعودية البلد القائد ثقافياً وسياسياً فلابد وأن تلعب الفنون دورا يليق بمكانة المملكة الدولية».
وتقدم المنصور في فيلمها قصة طفلة صغيرة تسعى للتحرر من قيود المجتمع عبر قيادة دراجتها الهوائية وهي قصة بسيطة تحمل دلالات كبيرة. وحول فكرة الفيلم تقول: أنا فقط حاولت أن أقدم قصة ذات بعد إنساني بعيداً عن الجدل النخبوي المحيط بقضايا المرأة، فالمرأة في آخر المطاف إنسان يريد أن يستمتع بالحياة وببعض الحريات المتاحة في ظل العرف والدين.
وحول مواجهتها انتقادات من المتشددين، توضح المنصور: صدقاً أنا لم أعانِ من المتشددين وأحترم جميع الأطياف الفكرية وأحاول دائماً من خلال أفلامي أو أي ظهور علني أن أفتح مجالات للحوار البناء الراقي. أنا أدرك بأن بعض المحافظين قد يرفضون فكرة أن تكون امرأة مخرجة ولكن أتمنى بصدق أن يدركوا بأني أقدم فناً بعيداً عن الابتذال وأحاول أن أعبر عن ذاتي كمرأة سعودية وعن همومي. وأنا كفنانة الكاميرا هي وسيلتي للتعبير بطبيعة الحال.
وتؤكد هيفاء المنصور أن «جميع من شاهد الفيلم شعر بأن الفيلم يرسم صورة إنسانية جميلة عن السعودية ويبعد بها عن السياسة ويقدم قصة شاعرية تأتي من عمق المجتمع بعيداً عن ما يسمعون به في الأخبار والصحف اليومية. وهذا هو دور الفنان أن يقدم شخصيات يتعاطف معها الجمهور ويدافع عن آراء يؤمن بها وأن يمد جسور التفاهم والحوار مع الجميع».
وتوضح أن «المجتمع السعودي ينفتح بشكل كبير على العالم وهناك تطورات سريعة ومتتالية من حيث فتح الجامعات والمعاهد وتطوير التعليم، فلابد وأن يأتي اليوم الذي تصبح فيه مسألة السينما مسألة منتهية وتأخذ الشرعية من الشارع ولكن المهمة مناطة بالدرجة الأولى بالسينمائيين السعوديين الذين لابد وأن يحاولوا أن يصنعوا أفلاماً متفوقة وجميلة تُشعر الجميع بالفخر وبالتالي احتواء السينما. علينا أن نصنع سينما وأفلاماً راقية مؤسسة بشكل جيد من حيث التدريب والتعليم وإن كان على السينمائيين العمل بشكل فردي في الفترة الحالية على تطوير خبراتهم. ومن معرفتي بالسينمائيين السعوديين أعرف بأن السينما حلم بالنسبة لهم ولابد من العمل الجاد كي تصبح الأحلام حقيقة».
«وجدة»
الفيلم «وجدة» يتعرض لأوضاع حقوق المرأة والأطفال في السعودية، من خلال الطفلة وجدة، التي سعت إلى ركوب الدراجة ومنافسة الذكور رغم التقاليد والعادات التي ترفض ذلك. وقد لا مست فيه المخرجة المنصور القيود المفروضة على المرأة السعودية في مجتمع محافظ يمنع المرأة من قيادة السيارة والسفر أو الكلام مع الرجال في الشارع العام.
ويتمحور الفيلم حول البطلة «وجدة»، وهي طفلة في العاشرة من عمرها، تعيش برفقة والديها بالعاصمة الرياض، وتطمح إلى فرض نفسها وسط المجتمع الذكوري وكسر العوائق الاجتماعية سواء في المدرسة أو البيت. تتعرض الطفلة لتوبيخ الأم على اختلاطها بالرجال وحبها لأغاني البوب، لكن هذا لم يمنعها من السعي للبحث، بكل الطرق، عن الحصول على دراجة هوائية لمنافسة أقرانها الذكور. تطلب منها ذلك الدخول في تحدي صعب، وهو حفظ القرآن والمشاركة في مسابقة حفظ القرآن والحصول على مبلغ مالي يحقق لها حلم شراء الدراجة، رغم أن الفتيات في عمرها يضعن الحجاب ولا يركبن الدراجات. وعندما استطاعت وجدة الحصول على الدراجة كانت أمها تصرخ فيها أن «البنات اللواتي يركبن الدراجات لا يلدن».
المخرجة هيفاء المنصور اعترفت لوسائل الإعلام أن فيلمها مستوحى من تجربتها الطفولية في الرياض، ورغبتها في كسر الأعراف المجتمعية التي تضع المرأة في مرتبة أقل من الرجل، مستدركة « كنت محظوظة كثيرا لأنني تربيت في أسرة متحررة منحتني مساحة للإبداع، وكان لي مجال واسع للتحرك على عكس صديقاتي».
وأكدت هيفاء المنصور للغارديان أن الفيلم صور بكامله في السعودية رغم العراقيل الكثيرة التي واجهتها، مضيفة «كنت أستطيع التصوير في بعض المناطق في الرياض، ولكن مناطق أخرى محافظة مستحيل أن تختلط فيها المرأة بالرجل، فما بالك بإعطائهم الأوامر».
واستطاعت المنصور أن تصور مقاطع كثيرة من الفيلم بعيدة عن فريق العمل، وإعطاء الأوامر بواسطة جهاز لاسلكي. وتقول المخرجة إن فيلم (وجدة) «يسعى لإبراز الإقصاء الممنهج الذي تتعرض له المرأة السعودية ضد المرأة»، حيث يمنع على السعوديات قيادة السيارات وهن بحاجة مستمرة إلى موافقة الرجل للعمل أو السفر أو حتى فتح حساب مصرفي. لكنها من جهة أخرى أبدت تفاؤلها من مشاركة أول رياضيتين سعوديتين في دورة الألعاب الاولمبية التي أقيمت في بريطانيا هذا العام.
والمنصور هي أول امرأة مخرجة في المملكة العربية السعودية، تحمل درجة البكالوريوس في الأدب المقارن من الجامعة الأميركية في القاهرة، كما نالت درجة الماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة سيدني العريقة بإستراليا.
اخرجت المنصور قبل «وجدة» عددا من الافلام القصيرة امثال: «من؟»، «الرحيل المر»، «أنا والاخر» و«نساء بلا ظل» الذي اثار الكثير من الجدل في السعودية.
تصف المنصور نفسها بأنها من خلال أفلامها وعملها سواء في التلفزيون والصحافة المكتوبة «كانت شغوفة باختراق جدار الصمت الذي يحيط بحياة النساء السعوديات وتوفير منصة لأصواتهن غير المسموعة».
وتوضح أنه «ثمة جيل جديد من النساء السعوديات، ليس في السينما فقط بل في الكتابة والرواية والشعر والرسم والفنون، أي مجموعة من النساء اللواتي يرغبن في أن يكون لهن صوتهن الخاص، ويسعدني جدا ان اكون جزءا من هذه الظاهرة».
وتضيف: المجتمع السعودي مجتمع محافظ وتقليدي، وأحس أحيانا انني «قطبية»، أي ان هناك اناس معي تماما واناس ضدي كليا. لكنني احترم التيار المحافظ واتمنى منهم أن يحترموني، دائما يكون بيننا احترام وجدل. أرفض التطاول على هذا التيار كما أرفض أن يتطاولوا علي، وأتمنى ان يكون بيننا حوار دائم واحترام. وانا اشعر انهم يحترمونني، لا أحس انني من الشخصيات التي لا يحترمونها لأنني لا اقدم شيئا مبتذلا، ولم احاول ابدا إثارة الجدل لمجرد اثارة الجدل. انا مواطنة سعودية ولدي اهتمامات ولدي نتاج ولدي صوت واتمنى ان يحترموا هذا الشيء.