2013/05/29

«روتانا» تقتحم برامج الفضائية السورية!
«روتانا» تقتحم برامج الفضائية السورية!


سامر محمد إسماعيل – تشرين


أخيراً انضمت الفضائية السورية إلى سياقٍ آخر من البرامج الفنية، برامج لا تمكن مشاهدتها إلا على قنوات الترفيه العربي، وتلفزيونات الواقع، وما أكثرها!

ليكون المشاهد السوري هذه المرة أمام تناقض في الخطاب الإعلامي في عزِّ أزمة وطنية يصفها الكثيرون بأنها من أعتى الهجمات التي تعرض لها السوريون على مدى تاريخهم القديم منه والمعاصر, من هنا لا يمكن فهم وجود برنامج «عطر الفن مع جوري» إلا في سياق واحد لا ثاني له، وهو الاضطراب الذي تعانيه خريطة الدورات البرامجية على الفضائية السورية منذ قرابة العامين.

عندما أطلقت الفضائية السورية  شعار «شاشة وطن»  كان الهدف توجيه رسالة ملحة وضرورية للوقوف في وجه الهجمة المسعورة على خطاب الإعلام الوطني ومؤسساته، وتصويب مسيرة التلفزيون، ليعود إلى سياق وظيفته الإعلامية في إنعاش الوعي الوطني وحمايته من سموم الرسائل الإعلامية التي واظبت قنوات التحريض المذهبي والديني والعرقي على ضخه للمشاهد المحلي, من هنا يبدو ظهور برنامج «عطر الفن مع جوري» الذي تقدمه الفنانة عائدة يوسف مساء كل أربعاء على شاشة الفضائية السورية بعيداً كل البعد عن هموم المرحلة الحساسة التي يمر بها السوريون، فمن غير المعقول استيعاب كل هذا الرخاء والترفيه وراحة البال مع برنامج تعده وتقدمه مذيعة قادمة من عالم «الإف إم»، فالجميع يعرف أن «عائدة يوسف» أو «جوري» كما تطيب لها تسمية نفسها نقلت صيغة برنامجها الإذاعي المنوع «بونجوري مع جوري» والذي كانت تقدمه على أثير إذاعة «روتانا ستايل» إلى شاشة التلفزيون الوطني، في غمرة الأحداث المؤسفة التي تشهدها البلاد منذ 15 آذار 2011. هكذا ومن دون إشعار مسبق عادت أخبار نجوم الدراما السورية لتحل أولاً على الشاشة الوطنية، من دون أي شعور أو تلميح بالإدانة لموقف بعض هؤلاء «النجوم» .

فعلاً من المسؤول اليوم عن نوع كهذا من برامج المنوعات الذي يتجاهل حجم الكارثة، مقدماً للمشاهد السوري اللاهث وراء أخبار بلده لحظةً بلحظة كل هذه الرفاهية البصرية الفارغة؟ وعلى ماذا يراهن القائمون على برنامج «عطر الفن مع جوري»؟ فالبرنامج عندما تراه تشعر وكأنكَ تتابع إحدى قنوات الإعلام السعودي أو اللبناني، تلك البرامج التي سعت منذ نهاية عقد التسعينيات من القرن الفائت لتكريس ثقافة الموضة وسطوة المشاهير وبحر النجوم، رافعةً علم «الكوكا كولا» كعلم وطني لبلدانٍ تعيش على صفيحها الساخن وجهلها المقيم.

إن الاستهتار واضح من اقتحام ثقافة برامج «روتانا ستايل» لشخصية التلفزيون العربي السوري, هذه الشخصية التي ظلت رغم أنف الجميع ذات طابع ثقافي حضاري تنويري، رافضةً الانجرار وراء تقليعات الموضة وبرامج «الستار أكاديمي» فقد بقيت الفضائية السورية-رغم الكثير من الملاحظات على صياغة وتحرير فتراتها الإخبارية- تلك القناة التي تميل في معظم ما تقدمه إلى الدفاع عن الذائقة العربية واحترام عقل وعين المشاهد، وذلك بالتركيز على نمط البرامج الثقافية والفنية الراقية، فكيف دخل «جوري روتانا» إلى ردهات التلفزيون الوطني؟. ربما كنا سنتقبل فكرة برنامج من هذا الطراز «الرفيع» لولا ما يحدث على الأرض السورية وسيكون الحنق من ذلك من دون الوصول برفع الصوت لإيقاف هذا الاجتياح «الروتاني» لشاشتنا الوطنية. هذه الشاشة التي نفخر بها وباستقلالها.

ألم يحن الوقت لتبديل وتعديل سياسة الإعلام الوطني نحو الظاهرة التلفزيونية المسماة «الدراما السورية» ولاسيما أن من كرّس هذه الظاهرة ودفعها إلى الأمام لصناعة مسلسلات زيفت واقع السوريين وفكرتهم عن أنفسهم، هو نفسه الإعلام السعودي وفضائياته الدموية؟ لماذا إذاً نفتح الأبواب لهذا النمط من البرامج في التلفزيون الوطني؟ لماذا تتم المراهنة من جديد على ثقافة الدراما الرمضانية؟ متجاهلين كل هذا العبث الوطني الدائر «بجوري» الاصطناعي المحض!؟ جوري «عائدة يوسف» المأخوذ عن إذاعة «روتانا ستايل» لا يمكنه الاستمرار على نمط برامج «روتانا خليجية» و«MBC» وسواها من القنوات التي خربت الذائقة الموسيقية والدرامية والإعلامية تحت شعار الترويح عن النفس وإدخال البهجة إلى نفوس المشاهدين، فيما هي تعمل ليلاً ونهاراً على تهشيم الجمال والتذوق.

ربما كان «عطر الفن مع جوري» برنامجاً ناجحاً، لكن ليس على شاشة الفضائية السورية، ولا في هذا الوقت من العام الثاني لأزمة أدمت قلوب السوريين، الذين يطمحون اليوم لبرامج تعنيهم وتخاطب وعيهم العالي الذي تريد «روتانا» ومسوقوها داخل التلفزيون العربي الوحيد تخريب ما تبقى من الرأفة بجمهور أتعبته الثقافة المزوّرة.