2013/05/29
تشرين – فنون
لا يحتاج الفنان زهير رمضان إلى بطاقة تعريف عن أعماله الفنية التي شارك بها، وهو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية- قسم التمثيل- لكن من المفيد التذكير بأن من أهم المحطات التمثيلية التي عمل فيها هي محطة «باب الحارة»،
ودوره الشهير «أبو جودت»، ولا بد من الإشارة إلى دوره الشهير أيضاً في «ضيعة ضايعة»، المختار عبد السلام بيسه، ومعاركه الواضحة لإبعاد «سلنكو، فادي صبيح»، عن ابنته.
لم يتوقف الفنان زهير رمضان عند هذه الشخصيات الشهيرة في تاريخه الفني، وإنما تقدم ليلعب دوراً لا يقل حضوراً عن الدورين السابقين في العمل الدرامي «المصابيح الزرق»، المأخوذ عن رواية للكاتب الكبير حنا مينه بالعنوان ذاته، وسيناريو وحوار الشاعر والكاتب محمود عبد الكريم، وإخراج فهد ميري، فشخصية أبو رزوق ابن بلدة صافيتا الذي هاجر خارج سورية إلى البرازيل والأرجنتين، يعود إلى سورية ويقيم في مدينة اللاذقية، ويعمل في صيد السمك.
إن شخصية أبو رزوق تميل إلى الاستعراض أمام الآخرين وخصوصاً في الاجتماعات العامة التي يجريها «المختار، جرجس جبارة»، إذ نجده يرد على أطروحات المختار بعدم قدرته، وقدرة مجلس الأحياء في المدينة على إيصال المخصصات الغذائية «القمح»، نتيجة الظروف الاستثنائية التي تمر بها اللاذقية وسورية في ظل الاحتلال الفرنسي. لكن (أبو رزوق) يوضح هذه الاستثنائية بالقول إنها تنحاز إلى المخاتير في الأحياء، ومنها حارة مختار أبو رزوق، هذا الصدام والصراع الواضح مع (أبو رزوق) المعبر عن أبناء الحي، لكن هذا الصراع لا يفسد للود قضية، إذ نشاهده في لقطة أخرى مع المختار، وهما يسيران في أحد شوارع اللاذقية القديمة، ويسمعان دوي قذيفة من المدفعية المحيطة بالمدينة، فينبطح المختار، ويطلب منه الانبطاح، ويخبره أبو رزوق بأنه لا يستطيع الانبطاح، ويسأله: «هل الطوبزة مسموحة وتؤدي الغرض؟!، فيرد المختار: إنه ما في مشكلة بالطوبزة»، وبهذه اللقطة تظهر قدرة الكاتب الخبير في البيئة الساحلية محمود عبد الكريم في اختيار لهجة أبناء وأهالي حي الصليبة في مدينة اللاذقية.
إن الحوار الذي يدور به التعبير الانفعالي المقصود الذي ينشط الانفعالات الأخرى غير الملائمة بحيث تظهر وكأنها خرقاء أو هوجاء في حين نلاحظها عند الفنان زهير رمضان لغة تواصل وتخاطب محدده وواضحة بين الممثل والمخرج وحتى الكاتب، وهذه لغة ذات جذور محددة، فهي لغة مستقلة عن الانفعالات التي تكون مراوغة ويصعب توصيلها بشكل لفظي، وأساسها جسدي جسماني واضح. ويعمق الفنان رمضان هذه الحالة عندما تقصف أسواق اللاذقية، إذ ينبطح ثلاثة من أبناء الحارة، وهم المختار وأبو رزوق، و«وضاح حلوم»، وأثناء الانبطاح يتابع أبو رزوق حديثه عن نوعية القذائف بينما الكثير من أبناء الأحياء والسوق يتراكضون نحو الملجأ الذي يجلس فيه الجميع منهم «أبو يوسف» القادم من بيروت.
أما حضور أبو رزوق على صعيد المنزل الذي يقطنه مع الآخرين فيكون عبر طقس اجتماعي يومي متكرر نمطي غير مغلق يتم فيه سرد الحكايا والقصص المختلفة، ويحضرها يومياً «أبو فارس، أسعد فضة» وزوجته «أم فارس، ضحى الدبس» وابنه «فارس، أحمد الأحمد» وجيرانه «نايف، محمد حداقي»، وزوجته «مريم، رنا جمول» و«الإسكافي، أندريه سكاف» و«رندا، سلاف فواخرجي» وأمها، وبقية الجيران المستأجرين في البيت الكبير. في هذه الجلسات المسائية يقص أبو رزوق سيرة الزير سالم على الموجودين مع الكثير من الشروحات الخاصة به عبر الاعتماد على تجربته الإنسانية المكتسبة من تجاربه الفاشلة في البرازيل والأرجنتين. وفي سرده لملحمة الزير نجد صوته يرتفع ويهبط حسب الحالة التي يشرحها من مغامرات الزير سالم، ويدعم هذه الحكايا بالغناء الفردي والجماعي الذي يقوم به أبو رزوق مع (أبو فارس).
إن الطقس اليومي هذا ذو أبعاد إنسانية يعزز من حضور (أبو رزوق) العالي عندما يحضر ضيوف من خارج البيت من أمثال «عبد القادر، سعد مينه» و«مروان الحلبي، غسان مسعود»، وبهذا يظهر نشاط وطموح (أبو رزوق) من أجل الحصول على المكانة المتميزة في السياق الاجتماعي.
وتظهر إنسانية (أبو رزوق) بشكل كبير عندما يعتقل «فارس، وعبد القادر»، حيث يصر أبو رزوق على أن يأخذ الطعام إلى فارس، وينتظر في سجن القلعة حتى يخبره أحد الحراس بموت فارس، ويعود إلى البيت عبر شوارع اللاذقية، وهو يبكي، وعندما ينتشر الخبر في البيت تنقلب حالة النساء والأبناء إلى العويل الصامت والنواح، ونجد ذلك بما تنوح به الندابة الجارة بالبيت، بحيث يظهر الموروث الإنساني المأساوي، ولا يتوقف الندب إلا عندما يتأكد من عدم دقة هذا الخبر، وتتعمق إنسانية (أبو رزوق) من خلال خدمته لزوجته المريضة سواء في إدخالها للمشفى أو في البيت.
يشارك أبو رزوق في حملة الدفاع عن مدينة اللاذقية، إذ يساهم في حفر الخنادق مع محمد حلبي، وفارس.
أما في دراما البيئة الشامية «حارة الطنابر» من تأليف مروان قاووق وإخراج فادي سليم فتتبدى خصوصية شخصية المختار التي يقدمها الفنان زهير رمضان من خلال اعتماده على تظهير جانب كوميدي في الأداء المميز الذي يتقنه الفنان رمضان.
أخيرا فإن حضور الفنان زهير رمضان في موسم دراما 2012، مميز وخاص جداً يؤكد على عمق تجربة الأداء لهذا الفنان على صعيد تأكيد حضوره الفني.