2013/05/29
حسن نصور – السفير
يشكّل الاقتطاع من الأعمال الفنيّة، عند عرضها على الشاشة الصغيرة، سلوكاً غير مهنيّ بالحد الأدنى، إن لم نقل أنه خيانة بحق العمل ـ بغضّ النظر عن الدوافع خلف تلك الخطوة الرقابية. فمن المفترض تقديم العمل الفني مسلسلاً كان، أم فيلماً، كُلاً واحداً، من دون الإخلال بأي تفصيل من تفاصيله البسيطة. في الغالب، يمارس الرقيب فعل الاقتطاع لاعتبارات تتعلق بالمحرّمات في بيئة ما، ومنها ما هو أخلاقي، ومنها ما هو سياسي أو ديني.
شاع هذا السلوك مطوّلاً على شاشة قناة «المنار» اللبنانية على سبيل المثال لا الحصر، وذلك من وجهة نظر دينية (شرعية). فمنذ نشأتها، وجدت المحطة نفسها في مأزق المواءمة بين ما يعرض على شاشتها (إعلانات ترويجية، ومسلسلات فنية اجتماعية، وأفلام)، ومدى التزام تلك المادة المعروضة، بضوابط شرعية، تطال بالدرجة الأولى مشاهداً محدداً، في بيئة محدّدة.
هذا الالتزام، ينسحب على مجمل ما تعرضه هذه الشاشة، فيطال الإعلانات، والموسيقى المرافقة لها... ويطال أيضاً ملبس بعض الممثلات في المسلسلات، إذ كانت شاشة «المنار» بتستير زنودهنّ أحياناً، إن كان كمّ القميص أو الفستان «قصيرا». لكن الاقتطاع يطال أيضاً أعمالاً أخرى، لا تتعارض بالضرورة في ذهن شريحة عريضة من جمهور القناة، مع التزامها الديني. قصيدة «أحبائي» لغسان مطر هي المثال الأبرز على ذلك. فهي مستوحاة من رسالة السيد حسن نصر الله إلى المقاومين على الجبهة في حرب تموز، وغنّتها الفنانة جوليا بطرس احتفاءً بنصر المقاومة، لكنها غابت عن شاشة «المنار». في السياق نفسه، تبث «المنار» أغنية «أحن إلى خبز أمي» لمرسيل خليفة، ضمن فقرات أو تحقيقات عن المقاومين. لكن قصيدة محمود درويش، تتوقف على شاشة المقاومة حين يصل النشيد إلى المقطع الثاني، حين يقول الشاعر: «عساني أصير إلهاً، إلهاً أصير إذ ما لمست قرارة قلبكِ».
في مجتمع متنوّع، وجمهور عريض معنيّ بالمقاومة حتى الصميم، من دون أن يكون معنياً بضوابط «المنار» الشرعيّة بالضرورة، يبدو أن القيّمين على الشاشة لم يتمكنوا من إيجاد المخارج الملائمة التي تحفظ الأعمال القيمة، بعرضها كاملةً.
مناسبة هذا الحديث اليوم، اقتطاع يبدو لافتاً ومزعجاً، لا بل خطيراً، إذ طال شارة مسلسل «الخربة» للمخرج الليث حجو الذي عرضته القناة أخيراً. العمل من بطولة دريد لحام ورشيد عساف، وعرض في رمضان 2011، مسجلاً نسبةً عالية من المشاهدة، نظراً لجودته، ونصّه الساخر، ودلالاته السياسية والاجتماعية المتشعبة، إضافةً إلى ارتباطه عضوياً بتراث وثقافة الريف الشامي. متابعو المسلسل، سيقفون ذاهلين أمام تغيير تام لأغنية مسلسل «الخربة» في المقدّمة والخاتمة. ولم ينتبه القيمون على شاشة «المنار» ربما لأهمية موسيقى الشارة. إذ يصعب فصل الشارة بلحنها وكلماتها، عن طبيعة العمل باعتباره وحدة فنية ومعنويةً، فضلاً عن ارتباط هذه الشارة تحديداً، بشخصية الضيعة، وعلاقتها بجانب من التقاليد التراثية في محافظة السويداء السورية. لسنا هنا بصدد نقاش حجج دينية، على قاعدة الحرام/ الحلال، التي يتحصّن وراءها من يبرِّرون هذا الاقتطاع، فهذا شأن آخر، يمكن نقاشه على صعيد آخر وفي مجالات أخرى ـ رغم أن هناك مخارج متاحة لهذه المسألة، على قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة. من البداهة أن بعض ما يقتطع من شارة مسلسل «الخربة»، هو جزء من الفلكلور، وهو بالضرورة، لا يجلب مفسدة من أي نوع. بل هو في الحقيقة وجه من وجوه شخصية الجمهور العربي الواسع وهويته، وهو جمهور يتابع شاشة «المنار». في المقابل مثلاً، لا يبدو خيار المسلسلات والأفلام الإيرانية المدبلجة (الآمنة شرعياً) خياراً يتناسب مع مشاهد لبناني وعربي، نظراً لاختلاف الثقافتين والبيئتين، في العادات والتقاليد والسرديات الاجتماعية. ربما يعود اهتمام «المنار» بعرض تلك المسلسلات، هو اجتذاب جمهور أوسع، والخروج من حلقة الخيارات الضيقة.
تجدر الإشارة إلى أن شارة «الخربة» التي تمّ تحويرها بشكل كامل على شاشة «المنار»، ليست أول الأعمال التي يطالها الاقتطاع مؤخراً، ولأسباب مشابهة. فقد سبق ذلك اقتطاعاً من سلسلة «باب الحارة» في عدة مواضع، كما في مشاهد الأعراس حيث تتمايل صبايا الحارة، يحتفلن بمولد أو عرس، أو مشهد دخول العروسين إلى غرفة النوم.
في الخلاصة، قد يكون على «المنار» حسم أمورها في أحوال كهذه، فإما عرض الأعمال الفنية كاملة، أو عدم بثها من الأساس. مع العلم أننا لا نعرف رأي الجهة المنتجة لمسلسل «الخربة» أو غيره من أعمال درامية اقتطع منها على «المنار» أو غيرها، ومدى قدرتها على ملاحقة تلك الشاشات قانونياً، ومطالبتها ببنود جزائية.