2013/05/29
ميدل ايست أونلاين
حرص الكثير من النقاد والمثقفين فى مصر على مشاهدة مسلسل "عمر" الذي كتبه وليد سيف وأخرجه حاتم علي، بعيدا عن الجدل الذي أثير حول ظهور الصحابة على الشاشة، فقد كانوا شغوفين بمعرفة كيفية معالجة هذه الشخصية دراميا على الشاشة.
وكانت الملاحظة المثيرة التي ظهرت بعد عرض المسلسل هي أن المساحة الأكبر في المسلسل ذهبت للحديث عن السيرة النبوية، حيث شكلت الحلقات العشرين الأولى رصد متميز لحياة النبي محمد ومدى حب الصحابة له وتأثرهم به وتأثيره فيهم، ليتحول المسلسل من مجرد عمل يرصد السيرة الذاتية للفاروق إلى آخر يروي السيرة النبوية الشريفة.
ويبدو أن عددا كبيرا من النقاد أصروا على التعامل مع المسلسل باعتباره يرصد السيرة النبوية، بل حاولوا مقارنته بفيلم الرسالة للمخرج مصطفى العقاد (من الناحية الأفكار المطروحة)، حيث تناول كلا العملين مواقف محورية في السيرة النبوية مثل إسلام حمزة والهجرة إلى الحبشة والمواجهة الشهيرة بين جعفر بن أبي طالب ممثلا عن المسلمين المهاجرين وعمرو بن العاص مبعوثا من كفار قريش إلى النجاشي، بالإضافة إلى غزوتا بدر وأحد.
وبعيدا عن هذه المقارنات، استمتع جمهور المشاهدين بالحوار الذي كتبه وليد سيف، من حيث عمقه وتجسيده بصورة رائعة حياة العرب قبل الإسلام وأثناء الدعوة بصورة مغايرة لما اعتدناه في الأعمال التي تناولت ظهور الإسلام في الجزيرة العربية.
وجسد المسلسل شخصيات مهمة مثل أبو سفيان وعمرو بن هشام وعتبة وآخرون قبل دخولهم الإسلام على أنهم شخصيات قوية، لديهم حجة ومنطق سواء في رفضهم أو فيما بعد قبولهم للإسلام وبين عشرات المعارك التي جسدها المسلسل، وعشرات الشخصيات سواء من الصحابة أو المرتدين أو من ادعوا النبوة مثل مسليمة وسجاح ومن امتنعوا عن أداء فريضة الزكاة والمشاركة بالفتوحات.
واستطاع المشاهد أن يتابع شخصية عمر بن الخطاب التي تم تقديمها بأسلوب صانع ماهر لقطعة أرابيسك، حيث استطاع الكاتب أن ينسج هذه الشخصية وسط هذه الأحداث الكبرى للسيرة النبوية لتظهر شخصية عمر بن الخطاب بشكل محدود إلى أن يجسد المسلسل المشهد الشهير وهو إسلام عمر ليخرج به من إطار السيرة النبوية.
وقد وصف د. طه حسين هذه اللحظة في حديث إذاعي؛ وهو يسهب في تحليل شخصية عمر التي تجمع إلى جانب القسوة الرقة.
ويرى حسين أن الرواية التي تناقلها الرواة عن إسلام عمر تصور شخصيته التي تجمع بين الشدة والرقة أدق التصوير، و"ذلك حين خرج ذات يوم ثائرا متقلدا سيفه، فلقيه رجل من بني زهرة، وسأله عن وجهته فأجاب عمر أريد أن أقتل محمدا، فقال الرجل وكيف تأمن بني هاشم وبني زهرة إذا قتلت محمدا؟ فقال عمر: لعلك قد صبوت، فأخبره الرجل عن إسلام أخته وزوجها، ويجسد هذا المسلسل هذا المشهد الذي تخيلته كثيرا من حديث طه حسين بشكل رائع، حين ضرب عمر زوج أخته، وحين حاولت أخته إنقاذ زوجها فضربها وسال الدم منها".
ويضيف حسين "إن عمر حين رأى الدم على وجه أخته رق قلبه وظهر الجانب الرقيق في شخصيته إلى آخر القصة التي انتهت بإعلانه إسلامه، بل بطوافه على بيوت سادة قريش ومنهم عمرو بن هشام ليخبرهم أنه أسلم، ويخرج المسلمون من مخابئهم، ليقال عنه فيما بعد: كان إسلام عمر فتحا وهجرته نصرا وإمارته رحمة".
وهذا ما حاول المسلسل أن يجسده، وإن جاء وسط أحداث هائلة من السيرة النبوية وشخصياتها ولعل ذلك كان بمثابة دعم قوي للمسلسل والذي تم مهاجمته كثيرا قبل عرضه ولكن بعد عرضه اختلفت الصورة .
جدير بالذكر أن لشاعر النيل حافظ إبراهيم قصيدة شهيرة مطلعها "يا رافعا راية الشورى وحارسها جزاك ربك خيرا عن محبيها".
ويصف في القصيدة عدالة عمر وزهده من خلال لغة شعرية رقيقة توحي لقارئها بحب حافظ إبراهيم الشاعر البائس للفاروق، وربما تمنى أن يعيش في عصره.