2013/05/29
محمد رُضا – دار الخليج
أعلنت قبل أيام لائحة الأفلام التي تم إرسالها إلى أكاديمية العلوم والفنون السينمائية لكي يشاهدها الأعضاء المؤلّفون للجنة الأفلام الأجنبية في الأكاديمية . هؤلاء بعد مشاهدتهم لتلك الأفلام سينتخبون منها خمسة أفلام هي التي ستكوّن القائمة الرسمية للمسابقة وسيتم الإعلان عن هذه الأفلام، وبقية أفلام وشخصيات السباق الحالي في الأقسام الأخرى، في العاشر من يناير/ كانون الثاني المقبل . وبعد ذلك سيقوم أعضاء الأكاديمية البالغ عددهم نحو ستة آلاف باختيار الفيلم الفائز من بين هذه الخمسة، كما هي العادة كل سنة .
عدد الأفلام 71 من 71 دولة مشتركة، وهي تضم أفلاماً من دول آسيوية وأوروبية ولاتينية وإفريقية، ولو أن الأغلبية أوروبية، لتعدد سينماتها ودولها أيضاً، إذ يبلغ عدد الأفلام الآتية من القارّة ذاتها 37 دولة، مقابل تسع عشرة دولة آسيوية، وتسع دول لاتينية، وأربع دول إفريقية، وخمس دول منها ثلاث تعد مستقلّة الانتماء (كندا وأستراليا وآيسلاندا)، ودولة موزّعة بين أوروبا وآسيا (تركيا)، وكيان حائر يريد أن يكون جزءاً من آسيا وجزءاً من أوروبا ولديه مطامع إفريقية أيضاً (الكيان الاستعماري المحتل لفلسطين) .
من بين هذه الأفلام هناك ثلاثة عربية تدخل المنافسات، لكن نظراً لقوّة العديد من الأفلام المتسابقة فإن الأمل محدود جدّاً بالنسبة لدخولها الترشيحات الرسمية بعد هذه المرحلة، على عكس الحال في سنوات سابقة حين تبلورت أفلام جزائرية وفلسطينية في المرحلة الثانية .
هذه الأفلام هي »زبانا« للمخرج الجزائري لسعيد ولد خليفة و»بيع الموت« لفوزي بن سعيدي (المغرب) و»لما شفتك« لآن ماري جاسر (فلسطين) . ومع أن الدول العربية التي أنتجت للآن أفلاماً روائية طويلة يبلغ تسع عشرة دولة، الا أن الدول الست عشرة الأخرى لم يكن لديها ما تعرضه أو ترشّحه من أفلام تستحق . ويسجّل هنا غياب السينما المصرية على الرغم من خروج »الشتا اللي فات« لإبراهيم البطوط، الذي هو أفضل فيلم روائي مصري تم إنتاجه في العام الحالي .
»زبانا« لسعيد ولد خليفة هو سيرة حياة حميدة زبانا، أول شهيد في حرب التحرير الجزائرية إذ تم إعدامه، بأيدي القوّات الفرنسية المحتلة، سنة 1956 . ومع أن الفيلم هو واحد من سلسلة حديثة تعود بها السينما الجزائرية إلى أيام ثورتها، إلا أنه مختلف . وكنا شاهدنا قبل عامين فيلماً للمخرج الجزائري أحمد راشدي بعنوان »بن بلعيد«، وهو من أبطال الشخصيات النضالية في تلك الثورة، وسنشاهد في العام المقبل فيلماً عن شخصية مناضلة أخرى هي كريم بلقاسم . ما يجعل »زبانا« مختلفاً هو أن مخرجه لا يعرض حياة بطله من خلال مواقف بطولية بل موضوعية متجنّباً زلات الإثارة والحماسة . رغم ذلك يصل إلى مبتغاه، كما يقول من شاهده، مندداً بالاستعمار الفرنسي .
أما »بيع الموت« للمغربي فوزي بن سعيدي، فهو تأكيد لمقدار الشجاعة التي يمتلكها المخرج حيال اختياراته الفنية . إنه لا يهاب التشكيل والانتقال من الواقعية إلى نوع من الخيال التعبيري، كذلك لا يهاب التنوّع في الأجواء التي يظلل بها حكايته . الفيلم مرّة »فيلم نوار معاصر« ومرّة أخرى، واقعي النبرة . دراما اجتماعية من ناحية وفيلم شبه بوليسي من ناحية أخرى . هذا الانتقال كان يحتاج لوحدة صياغة تجنّبه آثار الاختلاف وتزيد من وحدته الأسلوبية . قصّة ثلاثة أصدقاء يعيشون على هامش المجتمع . أحدهم يحاول الخلاص بالتديّن، والثاني بالتحوّل إلى مخبر يكبّله عنف وفساد الضابط المسؤول عنه، أما الثالث فيبقى في القاع بلا أمل يحدو به للنفاذ من واقعه .
تمتد الحكاية في اتجاهات مختلفة مع نهايات عدّة لشخصياتها كاشفة بحس من السينما الواقعية التي لا تخلو من الفانتازيا وأسلوب »الفيلم نوار« أيضاً عن بؤسها الراهن . إذ يُجيد الفيلم التعامل مع هذه التطوّرات الدرامية مشهدياً، ويفتقر إلى السلاسة والوحدة في الأسلوب أيضاً .
من ناحيته فإن »لما شفتك« هو فيلم تلقّى دعماً من مهرجان دبي السينمائي ومؤسسة شومان الأردنية ولو أن تقديمه تم باسم فلسطين، هوية مخرجته الأصلية التي تعيش وتعمل في الولايات المتحدة، أحداثه التي وقعت في العام 1967 خلال الحرب في شهر يونيو/ حزيران ونتج عنها، من ضمن ما نتج، هجر المزيد من الناجحين الهاربين من السطوة العسكرية »الإسرائيلية« بعدما خسروا المزيد من الأرض والممتلكات . وإذ يسجّل الفيلم هذا الجانب من حياة العائلات النازحة إلى الأردن، لا يفوته تسجيل نبرة التحدي والحماسة بين أفراد معسكر فلسطيني أقيم لتدريب الفلسطينيين أملاً بخوض معركة ينتصر فيها الحق العربي على العدو الصهيوني . والجدير بالذكر هنا أن عدد المرّات التي نفذت فيها أفلام عربية إلى ترشيحات أفضل فيلم أجنبي الرسمية هو خمس مرّات، أربع منها جزائرية وذلك في كل تاريخ هذه الجائزة الذي بدأ سنة ،1947 أي بعد عشرين سنة على بدء جوائز الأوسكار ذاتها . هذه الأفلام الخمسة بدأت سنة 1983 عندما قدّمت الجزائر فيلماً للمخرج الإيطالي إيتوري سكولا بعنوان »حلبة الرقص« . يومها فاز الفيلم السويدي »فاني وألكسندرا« لإنغمار برغمن بالأوسكار . سنة 1995 وجدنا اسم الجزائر في الترشيحات النهائية عبر فيلم »غبار الحياة« للمخرج رشيد بوشارب (لكن الأوسكار ذهب آنذاك للفيلم الهولندي »خط أنتونيا« لمارلين غوريز . ورشيد بوشارب عاد مرّتين بفيلمين آخرين هما »أيام المجد« (2006) و»خارج القانون« (2010) . وسط هذه المحاولات الجزائرية المتكررة حط الفيلم الفلسطيني »الجنّة الآن« لهاني أبو أسعد، في سباق العام 2005 لكن الجائزة ذهبت حينها لفيلم »تسوتسي« الذي تم تقديمه باسم جنوب إفريقيا .