2013/05/29
-تفكك الجيش العربي السوري قد يحولّ سوريا إلى بلدان
-دم المدني البريء، ودم من يحمل السلاح من السوريين... دمي
-خطف د. عبد العزيز الخيرّ ورفيقيه، فعل أقل ما يقال عنه إنّه: غير حضاري
-إن تطييف المجتمع السوري قد يذهب بسورية إلى مايزيد على الخمسة ملايين قتيل
-آسف أن أقول إنني أنكفئ من جديد وأعود إلى صمتي
خاص بوسطة- محمد الأزن
أعلن النجم غسان مسعود عن عودته للصمت مجدداً إزاء ما يجري في البلاد، بعد أن انتزعت تصريحاته الإعلامية مؤخراً من سياقها، خاصّة فيما يتعلق بدفاعه عن "فكرة الجيش العربي السوري"، ففي حديث صحفي لموقع «بوسطة» "سيكون الأخير في هذه المرحلة"، قال مسعود: "طالما أن أحداً لا يريد أن يسمع إلا صوته، وطالما أن حوارنا تحوّل إلى حوار طرشان في هذا البلد، ونقاشنا أصبح نقاشاً بيزنطياً؛ آسف أن أقول إنني أنكفئ من جديد وأعود إلى صمتي."
وأضاف: "أتمنى أن تؤخذ كل كلمةٍ أقولها ضمن سياقها الطبيعي، لا أن نجتزئ ما نحب، أو مالا نحب، فالإجتزاء يسئ إلى الموضوع بكليّتِه، وهذا ما يدفعني للتأكيد مرّة أخرى على أن ضرب فكرة الجيش العربي السوري، ستكون كارثيّة بنتائجها، سواءً على الدولة أو المعارضة، وعلى مستقبل البلد ككل... وهذا يعنينا جميعاً."
وقبل أن نورد لقرآئنا تفاصيل الحديث الصحفي الذي خصّ به الفنّان غسّان مسعود موقع «بوسطة»، نلخص لكم أبرز إطلالته الإعلامية منذ بداية الأحداث التي تشهدها سوريا منذ مايزيد على العام والنصف.
في السادس من نيسان 2011 دعا مسعود على أثير إذاعة "شام إف إم" إلى "الحوار الهادئ"، وقال في إطلالة لاحقة مع الإعلامية هيام حموي على أثير الإذاعة ذاتها: "لا أظن أن مواطناً سورياً عاقلاً يمكن أن يسلم آلاف السنين من الحضارة إلى الخراب"، وبتاريخ 22 نيسان 2012 حذّر غسان مسعود في حوارٍ مع موقع CNN" بالعربية" من خطورة الإنقسام السائد في المجتمع السوري بعد مرور سنةٍ على الأحداث التي تشهدها بلاده، وأشار إلى تدني مستوى الخطاب بين السوريين في هذه المرحلة، وتساءل قائلاً: من لايملك اليوم أجندات سياسية، ويحمل فقط فكرة الوطن في داخله ماذا عساه أن يفعل؟!." وأطلق جملته الشهيرة "سورية لاتختصر بلونين فقط"...
ثم عاد النجم العالمي إلى الصمت مكتفياً برسالةٍ وطنية قدّمها عبر شخصية "محمد الحلبي" البطل الشعبي في مسلسل "المصابيح الزرق" عن الرواية الشهيرة التي تحمل الاسم ذاته للأديب السوري الكبير حنّا مينه، إلا أن إطلالتين إعلاميتين لغسان مسعود مؤخراً أعادتاه إلى واجهة السياسة، وتجاذبتها؛ أولاهما مع الإعلامي زاهي وهبي في برنامج "بيت القصيد" على قناة "الميادين" في شهر أيلول 2012 بكيَ خلالها مسعود على سوريا ولأجلها، والثانية على قناة "الإخبارية السورية" مطلع شهر تشرين الأول الجاري فتحت على بطل "مملكة السماء" باب الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية من أوسع أبوابه، حينما دافع بصورةٍ لا لبس فيها عن "فكرة الجيش العربي السوري"، معتبراً أن إهانته هي "إهانة شخصية له"، كما توجهه بالخطاب إلى التنسيقيات الفاعلة على أرض البلاد عبر منبر سوري لطالما تجاهل وجودها في خطابه الإعلامي، وكان جريئاً في قوله عن أفراد "الجيش الحر": "هم أولادنا وأخوتنا".
وإليكم تفاصيل الحديث الصحفي مع الفنّان غسان مسعود
ظهرتم مؤخراً على قناتي "الميادين"، و"الإخبارية السورية"، في الإطلالة الأولى تحدث الكثيرون عن دموع مسعود في اللقاء، وفي الثانية كان لافتاً توجهكم بالخطاب للتنسيقيات عبر قناة تتجاهل وجودها بالأصل... كيف بنيتم خياراتكم في الحديث عبر تلك القناتين؟
"لطالما كنت حريصاً على الحديث عبر المنابر الإعلامية غير السورية، بصورة تختلف عن التوجه من خلال القنوات الوطنية، فحينما أريد التحدث عن بلدي ينبغي أن يكون المنبر سورياً... هكذا تعوّدت، لنقل إنه في (الميادين) ظهر خوفي وقلقي على سوريا، وهذا حق مشروع، فأنا بالفعل خائف جداً من مستقبلٍ أرى فيه وطني بلداناً، ولو حدث ذلك فأفضل الموت قبل رؤية هذا اليوم، وذلك لإيماني على الدوام بكل ذرة تراب في هذا الوطن، وبوحدة سوريا الترابية، والثقافية، والمجتمعية، وهذا بالنسبة لي خط أحمر، والمس بهذا الكيان المقدس كما ولدت وأنا أعرفه؛ يساوي موتي، لذلك بدوتُ خائفاً، مع رؤية دم سوري يسيل يومياً على الأراضي السورية سواءً كان دم الجندي، أو المواطن السوري الذي يقتل بين النار والنار، فدم المدني البريء، ودم من يحمل السلاح من السوريين... دمي، أما غير السوري فليس كذلك، ولا أعرف ولا أقبل بما يفعله على أرض بلادي؟!... كل هذه الصورة السريالية لواقع سوريا لا تخيفني وتبكيني فقط، بل تجعلني أشتهي الموت قبل أن أرى بلدي، وإخوتي، وأهلي يبيحون دم بعضهم البعض."
هذا على قناة "الميادين"، أما على قناة "الإخبارية السورية" يقول مسعود:
"كنت أتابع في يومٍ من الأيام لقاءً لأحد قيادات التنسيقيات على قناة عربية، سألوه فيها: لماذا لا تظهر على الإعلام السوري لتقدم وجهة نظرك؟، فأجاب: (ذهبت إلى التلفزيون السوري، ومنعوني من الدخول)، وقبل يومين كنت أتابع مؤتمراً صحفياً لوزير الإعلام عمران الزعبي قال فيه بما معناه: (أيها المعارضون ... أهلاً بكم على الإعلام السوري)، فأصابتني حالة من عدم الرضا، حينما سمعت تصريحاً رسمياً يدعو المعارضين إلى للظهور في الإعلام الرسمي، وبعد فترة وجيزة علمت بأن أحد وجوه المعارضة ذهب إلى التلفزيون السوري ولم يستقبل!!، وهذا بدا أمراً غير مقبول بالنسبة لي، فأنا كمواطن أريد أن أرى كل أبناء بلدي (موالين، ومعارضين) يخرجون عبر الإعلام الوطني ليخاطبوا الرأي العام في سوريا، لذلك قلت ما قلت عبر قناة (الإخبارية السورية)، وأعلنت استيائي من هذا الموضوع، ورفضي له، فعلقّت المذيعة (إن هذا لم يحدث)، فقلت لها: (إن حدث هذا، وأظنّه حدث، فإنّه مرفوض)، ووجدت إثارة تلك القضية مدخلاً لمخاطبة التنسيقيات بوصفها مكوّنة من أناسٍ سوريين مدنيين يحلمون بالتغيير، ولديهم مشروع تغييري، لابد أن تحترمه -سواءً كنت معهم، أو لم تكن كذلك-، فدعوتهم إلى الإعلام السوري، وقلت لهم إعلامكم الوطني هو أحق بكم من الإعلام الخارجي، كي تخرجوا إلى جمهوركم وتخاطبوه عبر الشاشات الوطنية، فالتلفزيون السوري ليس ملكاً حصرياً للدولة، بل لكل السوريين، ولكلٍ منا كمواطنين حصّة فيه أياً كان توجهه السياسي، ولا منّة لأحد عليكم إن ظهرتم من خلاله، بل طلبت منهم المبادرة إلى ذلك قائلاً:(لاتنتظروا التلفزيون السوري لكي يدعوكم، فالأسهل بالنسبة له أن لا يفعل، ويتجاهلكم... وهذه آلية العمل السياسي في كل بلدان العالم للتوجه نحو الرأي العام... وهناك كتلة صامتة في البلد – كبيرة جداً- وعليكم أن تسعوا لاستقطابها)."
ويضيف غسّان مسعود في معرض حديثه الموّجه للتنسيقيات:
"لا تزيدوا القطيعة بينكم وبين الشارع، طمئنوه.. فأحد الأخطاء الكبرى التي وقعت فيها المعارضة السورية، أنّه تكرّس عند قسمٍ كبير من الشارع خوف منهم، بالمقابل هناك أخطاء عند الطرف الآخر لا أعتبرها مثالاً بالنسبة لي، فإذا أخطأت الحكومة ليس علي أنا المطالب بالتغيير أن أقع في نفس الخطأ، وهناك رأي عام يجب الاحتكام إليه على الدوام، وإذا طلبتم من جهةٍ رسمية التوجه له، ولم تمنحوا الوقت الذي تريدون، يكون هذا سلاح بيدكم، وحجّة على من منعكم."
ولكن هناك منطق آخر يقول إذا توجهت التنسيقيات بهذا الخطاب المباشر إلى الحكومة، فإنه قد يجعل من أفرادها عرضةً للاعتقال، هناك الكثيرون ممن لا يزالوا يخشون من الإفصاح عن أنفسهم كمعارضين... ومن المنطقي ألا نتجاهل هذه المخاوف!؟
"لا أتفق مع هذا الرأي... خاصّة بعد ما وجدته من إشارات إيجابية في عقد مؤتمرٍ للمعارضة بدمشق مؤخراً، ثم ألم نتفق أيضاً على أن الجمهور كسر حاجز الخوف ؟!، المعارضة أتت إلى العاصمة السورية وعقدت مؤتمرها أمام الإعلام... لذلك اسمح لي أن أضع أمام عبارة الخوف من الاعتقال – وفقاً للآلية التي ذكرناها- إشارة استفهامٍ صغيرة؟ ولتبثتوا للرأي العام خطأ ذلك...، أما بخصوص د. عبد العزيز الخيّر، ورفيقيه الذي خطفوا على طريق المطار، فأنا سمعت تبادل التهم بين السلطة، والمعارضة، وأنا شخصياً أدين، وبشدّة، خطف هؤلاء القياديين، وآمل أن أراهم سالمين بأقرب فرصة، وهذا أمر لا نقاش فيه، أما عن الاتهامات فعلى أحد الأطراف أن يثبت من هو المسؤول عن هكذا فعل أقل مايقال عنه: إنّه غير حضاري."
سبق أن أتيتم في حديثم على ذكر الصامتين، وتعتبرون أنكم تعبّرون عنهم، وقلتكم أنّكم رفضتم الانحياز إلى السلطة، أو المعارضة، على حدٍ سواء، ولم تستجيبوا لدعوات لحضور أكثر من مؤتمر للمعارضة... من هم الصامتون في سوريا اليوم؟، ومانسبتهم برأيكم؟
"الصامتون في سوريا هم أصحاب المصلحة الحقيقية في أن يروا أطراف الصراع في هذا البلد قد وصلوا إلى تفاهم يحفظ الاستقرار، ومكتسبات هذا الشعب، وأراهم كثر، وربما يتجاوزن الثمانية ملايين مواطن سوري – بتقديري-، وسبق أن توجهت بكلامي للجهة التي تريد إسقاط النظام بالعسكرة ، والتفجيرات، وبكل ما نراه من جنون، قلت لهم: ( أنتم تريدون إسقاط النظام، فمابالكم تسقطون الدولة، وذاكرة البلد، وآثاره، والمجتمع، والمدرسة، والمستشفى، والبنى التحتية التي نستفيد منها جميعاً كسوريين..)، وهذا ما حذّر منه هيثم منّاع حينما قال: (إياكم وتطييف المجتمع السوري)، هل تعرف ماذا تفعل حينما تطيّف المجتمع السوري ياسيدي؟، إنّك بذلك تفتح حرب المئة عام بين السوريين، وتذهب بسورية إلى مايزيد على الخمسة ملايين قتيل، هل هذا ما ينتظره السوريون، يا أخي إن دمّرت المجتمع، ومفاصل الدولة، وبناها التحتية، فماذا تتوقع أن تحكم عندما تأتي؟ وأظن أنه يحق لي أن أسأل هذا السؤال من موقع مواطن ينتمي إلى الكتلة الصامتة... هل ستحكم أشباحاً؟ أو الصومال؟ أو تورا بورا في أفغانستان؟، وأحلف بالله أنني أبحث عن جواب لهذا السؤال منذ مدّة ولا أجد له جواباً، وأستمع إلى المؤيدين والمعارضين على كل المحطّات... دون أن أجد أجابة لسؤالي... أنت إن فجّرت النسيج الاجتماعي لهذا البلد لاسمح الله، -وقد تم ضربه نسبياً-، فماذا يبقى؟ وماذا تريد أن تحكم؟ هل تريد خرابة؟... لا زلت أبحث حقيقةً عن الجواب."
مما ورد على لسانكم، وقد يبدو مثيراً للالتباس في ظل الانقسام الذي تشهده البلاد مؤخراً، أنكم تحدثتم من جهة عن قدسية فكرة الجيش العربي السوري ككيان ينبغي عدم المساس به، وقولكم من جهة أخرى عن أفراد الجيش الحر:"هم أبناؤنا وأخوتنا"... هل يمكن توضيح ذلك؟
"أنا طرحت فكرتين متقابلتين أولاهما فكرة الجيش كعنوان من أبرز عناوين السيادة الوطنية لأي دولةٍ في العالم، وأرفض هنا أن ينسب هذا الجيش لشخص، أو مجموعة بشرية سوريةٍ دون أخرى، أو محاولة شيطنة صورة جيشنا الوطني، ولمن يتحدث عن أخطاءٍ يرتكبها هنا أو هناك، أقول له: إن الحرب عمياء، ما يحدث في البلاد حرب، وحربٌ يشترك فيها عشرات الدول، والخاسر الأكبر فيها هو المدني البريء الذي لسوء حظّه قد يكون في الزمان الخطأ، أو المكان الخطأ، وهذا يحولنّا من الحديث عن التجاوزات، إلى فكرة الجيش ذاتها التي أتمسك بها، لأنه منذ استقلال البلاد واسمه الجيش العربي السوري، وإن تفكّك لاسمح الله تحولنا ليس إلى أمراء وطوائف فحسب، وإنما تحولت سوريا البلد الواحد إلى بلدان، كَمَثَلِ مسبحة سُحِبَ الخيط الناظم لأحجارها، وسرعان ما تتحول كل حبة إلى كرة نار تحرق نفسها ومن حولها، مما يعني اختفاءها من على صفحة التاريخ والجغرافيا، وهذا أبشع كابوس يمكن أن أشعر به كغسان مسعود."
يضيف مسعود قائلاً:
"أمّا فيما يخص الجيش الحر.. نعم هؤلاء الشباب هم أبناؤنا، وإخواننا... نعم هؤلاء سوريون في الهوّية، والإنتماء، والأب، والأم، والعائلة، وهنا أريد أن أسجّل شيئاً خطيراً، أخشى ما أخشاه أن من يمسك ورقة هؤلاء الشباب؛ قلبه أعمى عن احتراق هذه الورقة يوماً بعد يوم، بالمعنيين (المادي، والمجازي)، وهذه المواجهة ، الخاسر فيها هو سوريا، وأشك في أن يكون لمن يدفع بشبابنا أولئك في قلب النار؛ أحداً من أقربائه بينهم، وأخشى ما أخشاه بأن هذا الدم يقع في غير مكانه، وأتألم على ذلك."
ماهي آخر الكلمات التي يقولها غسّان مسعود في السياسة... قبل أن يعود للصمت عن التعاطي بها.. كما نوهتم في بداية حديثكم لموقع «بوسطة»؟
"أعود للقول: دمنا السوري غالٍ، ومقدّس، أيها السوريون لاتجعلوه رخيصاً في لعبة الأمم، ومخطئ من لازال يعتقد أن هذه الحرب التي نواجهها (سورية... سورية).. بل يبدو ساذجاً وسطحياً في السياسة، المعركة قد تكون بدأت بحراك مدني لشباب يحلمون بالتغيير في مكانٍ ما، قد تكون بدأت هكذا... ولكن لنرى إلى أين ذهبت؟!!! لقد وصلنا إلى ما حذرنا منه مراراً."
بتلك الكلمات اختتم نجمنا السوري حديثه الذي خصّ به موقع «بوسطة» عن السياسية في هذه المرحلة... وقبل الصمت هناك حديث آخر في الفن لبطل "المصابيح الزرق"، و"رسائل الكرز"، وعن شخصية "أبو بكر الصديق" (ر) التي أدّاها في مسلسل "عمر" الموسم الفائت... تابعوا الجزء الثاني من الكلام الأخير لغسان مسعود... في الفن والسياسة ... قريباً.