2013/05/29
سامر محمد إسماعيل – تشرين
«كانت لحظة تاريخية في حياتي الشخصية وحياة وطني سورية وحياة هذه الأمة التي صنعت نصر تشرين». هكذا قال الأستاذ عبد الكريم إسماعيل معلقاً على سؤال الزميلة رائدة وقاف عند سؤالها له عن المشاعر التي يتذكرها عند قراءته للبيان رقم واحد لحرب تشرين التحريرية،
حيث قام المذيع السوري المخضرم بقراءة بيان الحرب في الساعة الثانية من ظهر يوم السادس من تشرين الأول عام 1973، لتكون هي المرة الأولى التي تخرج فيها النشرة الرئيسة للأنباء على الفضائية السورية عن خطة تحريرها، مفاجئةً جمهورها باستضافة إعلامي سوري عايش الحرب مع كوكبة من رفاق المهنة كوديع اسمندر وأحمد زين العابدين: «كنا ننام في استوديو إذاعة دمشق، مواظبين هناك على استقبال انتصارات جيشنا العربي السوري، حيث تعرض مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وقتها لقصف من الطائرات الإسرائيلية ولحسن الحظ لم يتمكن العدو من تحقيق إصاباتٍ مباشرة للمبنى» يقول إسماعيل متذكراً تلك الأيام بشغفٍ وأمل كبيرين، ليبدأ بعدها بتقديم الخبر الأول من النشرة، تكريماً له واستعادةً لأصالة صوت كان شاهداً على عصره.
لمحة ذكية من محرري نشرة الثامنة والنصف في الذكرى التاسعة والثلاثين لحربٍ أعادت كرامة الإنسان العربي، وثقته بجيشه بعد هزائم متعاقبة في عامي 1948 و1967. من هنا كان هذا الاستحضار للصوت ولصاحبه حميمياً ودافئاً في استوديو المركز الإخباري في دمشق.. استحضار وضع الرجل أمام ذكريات لا تنسى، ليكون مشاهد هذا اليوم أمام عنوان مرحلة بأكملها، ولينجح التلفزيون الوطني هذه المرة في تظهير ذاكرة مغايرة وعميقة في وجدان جمهوره، فليس حضور عبد الكريم إسماعيل هنا إلا دلالة على عراقة إنسانية لذاكرة إعلامي سوري حضر بعد سنوات طوال إلى مكان عمله، مستجيباً لذائقة عالية المستوى في خطابها لمشاهديها، تماماً كما كانت إذاعة دمشق صوتاً لنقل الخبر مباشرةً عما يدور على الجبهة السورية والمصرية عام 1973، فالإذاعة الأكثر عراقة عربياً عملت طوال أيام الحرب على إعداد تقارير مكثفة، واضعة مستمعها في تفاصيل الخبر عبر شبكة من مراسليها الحربيين، مستهلةً برامجها بأغنية فيروز «خبطة قدمكن عالأرض هدارة» هذه الأغنية التي تردد صداها في كل مدينة وبيت وشارع من أرجاء الوطن السوري، ليكون الصوت بمنزلة مقاتل نوعي إلى جانب الدبابات والطائرات والمدفعية السورية، فصوت «هنا دمشق» قارع في جبل الشيخ والقنيطرة حاملاً روح وبسالة الجندي العربي السوري إلى أفئدة وضمائر من واكب انتصار تشرين، ليكون الراديو في قلب المعركة، ولتكون الصورة في نشرة الأخبار الرئيسة في حضور بيان رقم واحد أكثر من رسالة في ظل الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من سنةٍ ونصف، رسالة يتقدم فيها الإعلام الوطني لصياغة خطابه بأناقة.. وحماس منقطع النظير.
إنها ومضة من ومضات نادرة يسجلها الإعلام السوري مبتعداً عن خشبية التلفزيونات الرسمية، محققاً مباغتة بصرية لافتة في تكريس الحالة الوطنية، ورأب صدوعها، فحضور الأستاذ عبد الكريم إسماعيل ومشاركته في قراءة النشرة الرئيسة ليسا نوعاً من الاستعراض والنوستالجيا العابرة، بل هما حضور لذاكرة شعب واكب أحداث الحرب لحظةً بلحظة، حضور يؤكد على إيمان المؤسسة الإعلامية الحكومية بقوة الرسالة التي تقوم على تحريرها، لنكون أمام مهنية معاصرة، وديناميكية جديدة في توجيه الخبر والتعليق عليه، وإعادة النبض للنشرة، ليس تقليداً ربما، بل هو اقتباس حاذق للإطلالة على ذكرى الحرب، فلم يكن الضيف من رجال الجيش، ولا من الناس الذين شهدوها، بل هو هذه المرة من قرأ على الهواء مباشرةً قيام القوات المسلحة بشن الهجوم على جبهة العدو، إنه صوت «ساعة الصفر» التي عاشتها وتعيشها «إسرائيل» منذ تلك اللحظة، وقد تهدّد وجودها الزائف، وتحطمت أسطورة جيشها الذي لا يقهر، إنه الصوت يعود من أشرطته المخزنة على رفوف مكتبة الإذاعة، بارئاً من غبارها، صوت عبد الكريم إسماعيل الذي لم يخفِ فرحه بعد كل هذه السنوات بوجوده أمام كاميرا التلفزيون، وأمله بغدٍ أفضل لسورية الوطن والذاكرة والناس.