2013/05/29
عدنان حبال – البعث
لفت انتباهي في مقابلة صحفية مع كاتب " درامي " حديث قوله إن الدراما ليست أكاديمية تعليمية أو تربوية ً وقال كاتب آخر محترفٌ إنها موجهة للمثقفين لكني أقول رأيي وأكرره ويتفق معي فيه عدد كبير من الكتاب والفنانين المثقفين: إن الدراما ومنذ نشأتها على خشبة المسرح الإغريقي ثم الأوروبي وأخيراً بعد انتشارها عبر العالم كله بوساطة السينما والتلفزيون ، كانت وما زالت أهم الفنون والآداب الإبداعية الجماهيرية والهادفة إلى بناء الإنسان وصقل عقله وعواطفه دون مباشرة ودون وعظ سطحي ، وتزويده أخلاقياً بما يفيده من ثقافة مجتمعية ونظرة ثاقبة عميقة لما يدور حوله في حياته من أحداث تتراوح بين الأفراح والأحزان ، وتنويره على تحقيق ما يصبو إليه من سعادة واطمئنان ...
وقد التزمت الدراما التلفزيونية السورية في بدايتها بهذه الأهداف أو بعضها وأنتجت أعمالاً جيدة سواء من حيث مضامينها وأهدافها أو بأشكالها وأركانها الفنية . وانتشرت ولقيت نجاحات عربية وعالمية ، لكنها وبعد أن سيطر على إنتاجها رأس المال الخليجي وشركاء من تجار القطاع الخاص الذين تركوا بضاعة اختصاصهم السابق وهيمنوا على سوق الإنتاج الدرامي ولاسيما التلفزيوني بقصد الربح المادي فقط وتلبية طلبات بعض محطات الخليج التسويقية. واستغلوا غياب القطاع العام الدرامي السوري في المسرح والسينما والتلفزيون وتخلف رقابته وإدارته .
وقد حذَّرنا مراراً من انحدار مستوى الدراما التلفزيونية في السنوات الماضية فاتهمونا بالشخصنة وحوربت النصوص التي كتبناها سواء للإذاعة أو التلفزيون أو للسينما . وقالت إحدى رقيبات الإذاعة ، وهي مذيعة سابقة: كيف نوافق على نصوصه وهو يسبنا في الجرائد ؟!! علماً بأنني اعترضت فقط على الأذى والتخلف والإسفاف وخلو العمل الدرامي من أية أهداف اجتماعية ولم اشتم أحداً باسمه بل وجهت إليه النقد الموضوعي لمصلحته ومصلحة فن الدراما الذي عشقته وآمنت به درباً أميناً لإصلاح المجتمع بصرف النظر عن ثقافة المتلقي أو مهنته أو ثراء الطبقة التي ينتمي إليها . وحذرت من آثاره الضارة على القلوب والعقول .
إن الدراما المسرحية كما وصفها أرستوفانس الإغريقي هي مدرسة تعلم الناس كيف ينظرون إلى الحياة والآخرين . إنها موجهة للعامة والكادحين !! ولذا بنيت المسارح كبيرة تتسع لعشرات الألوف . ونحن نقول اليوم إنها موجهة إلى العمال والفلاحين ومحدودي الدخل واليافعين وأما المثقفون العرب وأثرياء النفط فهم آخر من يشاهد التلفاز أو يهتم بالدراما والسينما والمسرح أو يصغي إلى دراما الإذاعة التي تراجعت أيضاً في مستواها الفكري والفني معاً .
إن أحد أسباب انحدار مستوى الدراما التلفزيونية السورية هو بالدرجة الأولى ابتعادها عن الهدف واعتمادها على رأس المال الخليجي وتنفيذ طلباته وتحويل شركات الإنتاج الخاصة الوسيطة المنفذة إلى دكاكين مغلقة تضم المنتج المنفذ والكاتب والمخرج وبعض " النجوم " ولاسيما الجنس اللطيف وانصراف كل دكان أو شركة إنتاج إلى صنع نوع من أنواع الدراما . حيث تنافس بعضها هذا العام في إنتاج العديد من مسلسلات البيئة الشامية الساذجة التي قلدت "باب الحارة " ولم تستفد من أخطائه الفادحة في تشويه الحارة الدمشقية وأهلها وإظهار جهلهم وغبائهم . بل إنها قلدته أيضاً في إنتاج الأجزاء المتتالية التي لن تتوقف إلا بعد إفلاس شركات إنتاجها أو إجماع المحطات الناطقة بالعربية على رفض عرضها كما حدث لشركات عديدة وكما سيحدث لشركات أخرى أو ورشات إنتاج تمولها المحطات الخليجية أنفسها بعد أن انحدرت إلى إنتاج أعمال كوميدية أو معاصرة تافهة .
إننا نتوقع نجاح وتميز المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني بعد أن شاهدنا أعمالاً لها جيدة مثل " المفتاح و " المصابيح الزرق " و " أرواح عارية " .
ونرجو أن تعيد هذه المؤسسة الحكومية للدراما التلفزيونية السورية مستواها الجيد المعروف غير المرتبط برأس مال أو شروط أو تدخلات من هذه المحطة أو تلك وأن تتابع بحزم واختصاص رقابتها المهنية والفكرية والفنية على إنتاجات القطاع الخاص الذي سيعود للظهور من جديد بأعمال تحمل توقيع شركات تجاوزت الأزمة لأنها نجحت في اختيار نصوصها ومخرجيها وفنانيها واحترمت رأي الرقابة الفكرية عليها والنقد الإيجابي الموجه إلى نصوصها .
وأخيراً فإن من يعترض على دور الدراما التلفزيونية في التربية والتنوير والتثقيف إلى جانب الإمتاع هو نفسه من يكتب نصوصاً ضحلة ضارة للناس يثير فيها الأحقاد بين الطبقات أو بين الشعب ورجال أمن يتصورهم من المجرمين الخطرين الذين يحبسون زوجاتهم ويشوهون وجوههن الجميلة أو رجال أعمال مجانين يقطع أحدهم لسانه بيده غضباً من ابنه وأخت زوجته الماكرة . أو نص يثير أهل الحارة ضد بعضهم البعض فلا يكفون عن الشجار والضرب والقتل لأسباب واهية متخلفة .
هذا النوع الضار من الدراما التلفزيونية مرفوض طبعاً وهو يؤكد للأسف أن الدراما السورية صارت بعيدة عن أهداف التنوير والتوجيه والتثقيف . وقد قال الشاعر الألماني برتولت بريخت لأحد تلاميذه إذا لم تستطع فهم هدف الدراما فابتعد عنها لأن الكثير من الآثام ترتكب باسمها . ودعوني أضيف إلى هذه المقولة قولي إن بعض هذه الآثام ترتكب دون قصد على شاشة سورية دراما المسكينة المظلومة .