2013/05/29
جوان جان – تشرين
فترة ليست بالقصيرة مرّت على ظهور فنان سوري على شاشاتنا ليتحدث عمّا يجري في سورية من أحداث بعد أن كان فنانونا فعالين إعلامياً في الأشهر الأولى من الأحداث وقد أثار هذا الغياب الواضح تساؤلات الكثيرين من المواطنين الذين يبهجهم وجود فنانيهم المحببين على شاشاتهم الوطنية..
وهم بما يقدمونه من آراء ويعلنونه من مواقف يعملون على تشكيل رأي عام محليّ واعٍ ومستنير وقادر على رؤية الكأس من مختلف جوانبه في الوقت نفسه.
هذا الغياب أدى إلى شبه اهتزاز في علاقة المتلقي السوري بفنانيه المفضّلين في أفضل الأحوال، وفي أسوئها لم يخفِ الكثير من المواطنين نقمتهم على فنانينهم وهم يرونهم يترددون في القيام بواجبهم التنويري الرائد.. والواقع أن بعض المواقف المتشنجة من قبل الجمهور رداً على غياب فنانينا كانت لا تخلو من مبالغة، خاصة إذا ما علمنا أن (سوريين) معنيّين بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير ساءهم أن يقوم بعض فنانينا بدور توعوي فشنّوا عليهم في مواقع التدمير الاجتماعي حملات شعواء لا تبقي ولا تذر، تتهمهم فيها بأبشع الاتهامات، وتصفهم بأقبح الصفات، بل وتعمل على التحريض العلني ضدّهم بهدف النيل من سلامتهم الشخصية عبر نشر ما سمي بقوائم (العار) التي ضمّت أسماء شخصيات وهيئات ومؤسسات بالجملة تحوي آلاف الأشخاص من فنانين وإعلاميين وأطباء ومهندسين ومحامين ورياضيين ومختلف الفعاليات والأشخاص الذين أظهروا مواقف عقلانية ومتزنة بعيدة عن التوتر والانفعال الأهوج.
وعندما شعر فنانونا بأن أمر التحريض الشخصي أخذ طابع الجدية وليس مجرّد خربشات صبيان على حيطان المدرسة انكفؤوا على أنفسهم، سواء كانوا ممن أدلوا بدلوهم في بداية الأحداث أو لم يفعلوا.. ونحن هنا لا نسوغ هذا الانكفاء لكننا نشرح واقع الحال.
وكسراً لقاعدة غياب الفنانين عن التحدّث في الشأن العام لفترة من الزمن ظهر الفنان غسان مسعود مؤخراً في برنامج على شاشة الإخبارية السورية تحدث فيه عن وجهة نظره فيما يجري في سورية، محاولاً قدر جهده أن يكون موضوعياً من دون أن نذهب إلى القول إنه حاول أن يمسك العصا من منتصفها، لأن القضية هنا ليست قضية الوقوف على مسافة واحدة من طرفين لكنها قضية وطن يباع على مذبح الأرباح والمكاسب والمناصب الموعودة.
لم يكن غسان مسعود في حواره مع الإخبارية السورية مجاملاً لما تمثّله هذه الفضائية كوسيلة إعلام رسمية، بل يمكن القول انه كان مجاملاً أحياناً للطرف الآخر الذي حاول مسعود أن يقلل من حدّة الحديث عنه إدراكاً منه إنه يتحدث من وسيلة إعلام رسمية أولاً وعليه أن يكون (موضوعياً) قدر الإمكان، ولغياب الطرف الآخر عن طاولة الحوار ثانياً، لكنه في اللحظات التي لا مجال فيها إلا للموقف الشجاع كان أكثر جرأة حتى من أسلوب طرح السؤال في تعرية كل الأفكار والمواقف التي رأى فيها ابتعاداً عن كل ما هو إنساني، ولا نريد أن نقول كل ما هو وطني، فحديثه عن عدم وجود ولو احتمال ضئيل بأن تكون الولايات المتحدة ساعية لإحلال الديمقراطية في سورية بل ساعية لبثِّ الفوضى والقتل فيها كان دقيقاً، مستبعداً أن يكون هناك أحد في سورية وخارجها يمكن أن يصدق أن الولايات المتحدة يمكن أن تسعى لإحلال ديمقراطية حقيقية في سورية أو في غيرها، حاصراً الأمر في استغلال البعض للموقف العدائي للولايات المتحدة من وطنه لحصد أكبر قدر من المكاسب.
ولم يخلُ حديث مسعود من الألم والخيبة وهو يتحدث عن كيفية تحوّل البعض في الداخل إلى «حَطَب» تحقيقاً لرغبة من هم في الخارج لتحقيق مكاسب ذات طابع سياسي نفعيّ، كيف لا والحطب الذي يعنيه هو جزء من أبناء بلده الذين رأى مسعود فيهم وسائل استُخدِمت لهدم هيكل الدولة والمؤسسات، وهذه نقطة مهمة تحدث عنها مسعود بإحساس مفعم بالمسؤولية تجاه كل ما حققه الشعب السوري على مدى عشرات السنوات من بناء لمؤسسات الدولة التي تعني بمجموعها الشعب الذي يشكل العصب الأساس لهذه المؤسسات والهياكل، وتهديمها هو في الواقع تهديم لأملاك الشعب ولكل النواظم التي تنظم حياته اليومية من دون أن يدرك البعض هذه الحقيقة.
ولم ينسَ مسعود في حديثه أن يعرّج على ما وصفه بـ «جنون الميديا» أو ما يمكن أن نسميه بالحملة الإعلامية التي ضحّت بمصداقيتها بهدف تحقيق أهداف سياسية، حيث كان من الواضح أن مسعود غير راضٍ عن الدعاية الإعلامية الهائلة التي تعمل على تعزيز الهجمة السياسية والعسكرية.
وتوّج مسعود هذا الحوار بموقف أخاذ من الجيش العربي السوري عندما رفض بشكل قاطع الإساءة إليه معتبراً إياه رمزاً وطنياً ليس من حق أحد النيل منه قولاً أو فعلاً.
غسان مسعود مثلما هو متألق في الشخصيات التي يجسدها في التلفزيون والمسرح كذلك كان في هذا الحوار الذي سيُسجَّل كإحدى النقاط المضيئة في مسيرته الحياتية والإبداعية.