نجوم من الزمن الجميل في «المصابيح الزرق»

تشرين – فنون

لا شك في أن النجمة السورية سلاف فواخرجي تعد من الفنانات القليلات اللواتي يمزجن أو بعبارة أدق يواكبن بين موهبة التمثيل ونعمة الجمال الشكلاني... وهو ما بدا واضحاً من خلال مشاركاتها وحضورها في العديد من الأعمال الدرامية,

وإن كان هناك إجماع كبير على أن النجمة سلاف فواخرجي تملك قدرات تمثيلية كبيرة إلى جانب جمال الشكل فإن هناك إجماعاً أيضاً على نوعية خياراتها الفنية وشكل حضورها الذي تختاره في كل موسم درامي... فبعد الموسم الدرامي الرمضاني 2011 والذي ظهرت فيه بشخصية «سماهر» في الجزء الأول من مسلسل «الولادة من الخاصرة» للكاتب سامر رضوان والمخرجة رشا شربتجي وقد قدمت وقتها أداءً لافتاً وجذاباً حيث إنه من الصعب أن نجد نجمة جميلة تغامر بشكلها لتظهر مشوهة وهو ما دل بشكل واضح على أن سلاف فواخرجي ممثلة ممتازة قبل أن تكون سيدة جميلة، وفي موسم 2012 ظهرت النجمة السورية في مسلسل «المصابيح الزرق» عن رواية للأديب السوري الكبير حنا مينه وسيناريو وحوار: محمود عبد الكريم وإخراج فهد ميري، وجسدت في العمل شخصية «رندا» هذه الشخصية التي تجمع مزيجاً من الحب بكل تفرعاته والوطنية وجمال الروح ومقاومة الاحتلال .. إنها شخصية رسمها الروائي الكبير حنا مينه بخياله الساحر رسماً جميلاً .. كأنه يرسم لوحة بحرية بكل مكوناتها الإنسانية.. ويبدو أن تجسيدها على الشاشة كان بحاجة إلى ممثلة من طينة فواخرجي التي استطاعت أن تحيط بالشخصية من كل جوانبها وخصوصا ً ما يتعلق بالنواحي العاطفية التي كانت واضحة من خلال علاقتها بـ«فارس» وأيضاً من نواحي العاطفة الوطنية التي ظهرت بقوة في العمل, وفي كل هذه التفاصيل كانت فواخرجي حاضرة بقوة حيث رأينا ذلك في بريق عينيها وفي تفاصيل وتقاسيم وجهها لتعيش الحالة العامة للشخصية نفسياً وفكرياً قبل أن تنقلها جسدياً, ولم يقتصر تطويع «رندا» كشخصية من الناحية العاطفية بل قابلها الجانب الآخر المتمثل بتقديم الشخصية المقاومة للاحتلال الفرنسي وكذلك تقديم الانعكاس الاجتماعي لهذه الحالة من خلال الفقر والعوز والاستغلال الذي عاناه المواطن السوري تحت نير الاحتلال الفرنسي، وقد شاهدنا فواخرجي تقدم «رندا» المقاومة و «رندا» العاشقة و«رندا» الفتاة الرقيقة صاحبة الروح الطاغية .. في مشاهد كثيرة بالعمل أقنعتنا فواخرجي بأنها ممسكة بكل أدوات وتفاصيل الشخصية وأنها فهمتها ودرستها قبل أن تقدمها.. وبالطبع ساعدها في ذلك الحضور الجميل للفنان الشاب محمد الأحمد الذي بادل فواخرجي اندماجها بأداء الشخصية ليحضر هو الآخر بشكل جيد وهو بالطبع ما خلق حالة من استفزاز القدرات عنده فأظهر قدرات استثنائية لم نشاهدها عنده من قبل..

كما كانت شخصية «رندا» بكل تفاصيلها وبالتحديد المكياج والملابس التي ظهرت فيها فواخرجي وكذلك شكل الأداء العام للنجمة السورية وطريقة تقديمها للدور، مثال على قدرة التنويع التي تملكها فواخرجي عدا عن أنها ذكرتنا بالأفلام السينمائية العربية الرومانسية وذلك الزمن الجميل حيث ظهرت فواخرجي بطريقة مشابهة لذلك الزمن فكانت قريبة من العقل والقلب معاً عبر أدائها أولا ً والطريقة التي ظهرت بها على صعيد الشكل.

وبكل تأكيد ظهر النجم السوري غسان مسعود بطريقته الخاصة من خلال شخصية «محمد الحلبي» هذه الشخصية الوطنية المقاومة والقادرة على الدفاع عن أبناء بلدها وبدا جلياً ان مسعود الذي شارك فواخرجي بطولة العمل متمكن من الشخصية ضمن السياق العام للعمل وقد استطاع إظهار نفسه بصورة جديدة ومختلفة وفيها من التجديد الشكلاني والتمثيلي فظهر كعادته نجماً كبيراً وفناناً قادراً ومتمكناً من أدق تفاصيل الشخصيات التي يؤديها.

طبعاً ترافق هذا الأداء الجميل من قبل المشاركين في العمل مع العودة الجميلة للمخرج المخضرم «فهد ميري» الذي استطاع إدراك أبعاد العمل واستطاع اختيار نوعية وطبيعة وشكل كوادره وألوانه وصورته التي جاءت منسجمة إلى درجة كبيرة مع الجو العام للحكاية والفترة الزمنية  عدا عن الانسجام الكبير مع ممثلين قدموا أدوارا ً جميلة واستطاعوا نقل نسيج الحكاية الروائي الجميل إلى قصة مصورة بصورة لا تقل جمالية عن الرواية في حد ذاتها, وإن كان هناك العديد من الملاحظات على طول الحوارات بعض الشيء والإطالة في عدد من حلقات العمل ... ولكن في الشكل العام بقي العمل ضمن الإطار الجميل وقدم عدداً من الفنانين بشكل جديد وجميل على الرغم من عمرهم الفني الطويل, ولعل مثال ذلك الفنانة رنا جمول والفنان زهير رمضان ومحمد حداقي وضحى الدبس وغيرهم الذين أظهروا جمالية أداء مماثلة لحميمية المكان الفقير الذي جمعهم .

وكان للفنان سعد مينه حضوره الجميل والمميز في العمل وقد أعادنا إلى دوره بشخصية «مفيد الوحش» في صغره في مسلسل «نهاية رجل شجاع» فاستطاع تقديم شخصية المقاوم الوطني وكان واضحاً مدى ملامسته للشخصية وقربه منها ومن تفاصيلها وهو ماجعله يقدم نفسه بشكل متجدد وبدور بث الحياة مجدداً في مسيرته الفنية بعد أن قدم العديد من الأدوار المتشابهة خلال السنوات الماضية.

إذاً, في النهاية يمكننا القول: إن «المصابيح الزرق» كان عملاً جيداً بالمجمل وكانت النواحي الايجابية والجمالية فيه أكثر بكثير من النواحي السلبية وهو ما يضع العمل في مصاف الأعمال الدرامية الجيدة في موسم 2012  ولكن لابد من أن نقول أيضاً: إن النجمة سلاف فواخرجي قدمت نفسها بطريقة جميلة جداً ولائقة عدا عن ظهورها بشكل جديد ومختلف وهذا من سمات النجوم الذين يختارون التنويع والاختلاف في كل موسم.