2013/05/29

فضائيات ترعاها مشروبات الطاقة والإعلانات الحمراء!
فضائيات ترعاها مشروبات الطاقة والإعلانات الحمراء!


سامر محمد إسماعيل – تشرين


لا غرابة في أن يسجل برنامج «للنشر» كل هذا الاستقطاب لشركات الإعلان على شاشات الفضائيات اللبنانية، فالبرنامج الذي يُعدُّه ويقدمه طوني خليفة ابتعد بشكل شبه نهائي عن هموم حقيقية تشغل بال الشارع اللبناني،

فهو برنامج مدعوم على ما يبدو من شركات «مشروبات الطاقة» التي تعلن فيه عن نفسها وفق الصيغة ذاتها التي تقدم فيها «مشروبات خلي الجو ولعان» ماركاتها بين وقفاته الإعلانية. صراخ بصري لا ينفك يطرح قضايا جنسية عن أسواق الدعارة في فراديس بيروت، وعن استقدام نساء من أوكرانيا والفلبين للعمل في فنادق الليالي الحمراء؛ وصفة فضائحية يقدمها خليفة تبعاً لمزاج سوق فضائيتي «الجديد» و «lbc» اللتين تقومان بعرض حلقات «للنشر» بطريقة التزامن، فالفضائيتان المذكورتان خير مساحة إعلانية لمشروبات الطاقة التي منعت وزارة الصحة اللبنانية استيرادها بقرار من وزير الصحة حسن خليل منذ كانون الثاني الماضي، لكن هذا القرار لم يمنع كلاً من قناة «الجديد» وسواها من قنوات التلفزة اللبنانية من بث إعلاناتها عن ماركات مختلفة من مشروبات الطاقة؛ وذلك وفق صيغة إعلانية اقترنت بفقرات برنامج «للنشر» حيث يظن من يشاهد حلقاته في الأشهر الثلاثة الأخيرة أن المواطن اللبناني والعربي عموماً لا همّ له ولا غمّ سوى قضايا الجنس والاغتصاب والدعارة، هذا ما يركز عليه معد ومقدم البرنامج كتيمة دائمة جعلت من برنامجه أشبه بموضوعات الصحافة الصفراء، فمن قال لخليفة إن الصيغة التي يقدم عبرها فقراته الجنسية هي محل هواجس حقيقية لمشاهديه؟ ولاسيما تلك الفقرة التي «أبدعها» الإعلامي اللبناني عن «الواقي النسائي الجديد ضد الاغتصاب» المُنتظر توافره قريباً في الأسواق؟ حلقة في غاية الغرابة، ولاسيما عندما نعرف أنها اقتربت من إعلان مبطن لمنتج جديد روج «للنشر» له رغم كل ما يحاول خليفة إخفاءه باستضافة خبيرة نفسية عن قضايا الاغتصاب ومعانيه ودلالاته عند النساء المغتصبات.

ليس هذا فحسب، بل يعمد «للنشر» إلى انتحال صيغة التحقيق الصحفي للتعمية على ما يريد استقطابه من جيل المراهقين، فمن يفسر للمشاهدين كل هذا التركيز من قبل هذا البرنامج على قضايا الجنس والاغتصاب في الوقت الذي تكون فيه الرعاية الحصرية لبرنامج خليفة من قبل شركات مشروبات الطاقة؟ كيف نفهم فعلاً أن تلك الموضوعات الساخنة تقترن برعاية مشروبات «الجنس» نفسها؟ كيف علينا أن نصدق أن البرنامج يقف في وجه جرائم الاغتصاب وسِفاح القربى وها هو يتموّل من قبل مشروبات «خلي الجو ولعان»؟ أليست هذه مفارقة من مفارقات هذا العصر التلفزيوني المتوحش؟ أليس هذا نوعاً من النفاق الواضح من قبل إعلام يفضح هنا لمجرد الفضيحة، ويمد يده هناك للتسوّل من رعاة مشروبات العجز الجنسي، هذه المشروبات التي حظرت دول غربية، في مقدمتها الدانمارك وفرنسا وألمانيا وكندا دخولها إلى أراضيها لما تسببه من وفيات مفاجئة وقاتلة بين صفوف المراهقين؟ فيما تباع في سوبرماركات بيروت كمرطبات مفضلة لدى الفتيان والفتيات؟ كيف ينهى برنامج «للنشر» مشاهديه عن جرائم الاغتصاب وهو منضوٍ تحت راية مشروبات تعلن عن نفسها على طريقة أفلام البورنو؟! وكيف للمشاهد العربي أن يتعاطف مع ضحايا جرائم الاغتصاب وهو يشاهد في الوقت ذاته أفلاماً إعلانية عن مشروبات «بتعطيك جوانح» عبر ممرضة الإعلان التي تصب تلك المشروبات لرجل عنّين وامرأة في العقد الثامن من العمر، ليتحولا بعد تناولهما مشروبات «الحياة» هذه إلى راقصي ديسكو ليلي يضجان بحيوية القردة؟ ثم كيف سيسوغ خليفة لمشاهديه تلك الرسوم التوضيحية التي يوردها في برنامجه عن منتج «الواقي النسائي» ضد الاغتصاب؟ وكأنها رسوم تعليمية لنجاعة المنتج الذي يسوق له على شاشتي «الجديد» و«lbc».. رسوم تبتذل الجنس، وتشطب كل صور الحب والألفة؛ ليبقى التحدي الأكبر هو هل سيفرد برنامج «للنشر» حلقة من حلقاته المقبلة لقضية مشروبات الطاقة المحرّمة دولياً إن كان صادقاً في طرحه قضايا تمس حياة المواطن اللبناني؟ هل سيفضح تورط التجار ومخالفتهم قانون وزارة الصحة بتوريد هذه المشروبات؟ أم سيبقى أسير ريع إعلاناتها الحمراء؟ فتلك المشروبات التي حذر منها الأطباء ومن خطورة تناولها من قبل جيل الشباب يقبل النشء على تناولها بحماس عصري منقطع النظير بعد انتشارها المرعب في الأسواق اللبنانية؟ ولاسيما إذا عرفنا أن هذه المنتجات الكحولية الغامضة في تركيبة المواد التي تصنع منها تقدم إعلاناتها تماماً كسلوغونات «للنشر» إذ تُقحم موضوعات التحرش الجنسي عليها كمادة أصلية في تلقي أفلامها الحمراء؟ فمن ينقذ «للنشر» من مشروبات الطاقة؟