«دليلة والزيبق» بين الحكاية والفرجة

تشرين – فنون

إذا كانت لحكاية دليلة وأحمد الدنف في حكايا شهرزاد في ألف ليلة وليلة، ليال طويلة تمتد إلى حكايا علي الزيبق المصري، فهي تؤشر إلى مدى الخيال الحكائي الذي عمل عليه الكاتب الدرامي هوزان عكو لجعل هذه الحكايا عملاً درامياً متكامل يقوم بالسرد والقص فيه، من منظار حكائي بعيد عن صيغة ألف ليلة وليلة، ويتصرف لخدمة المغامرة والروح الشبابية الوثابة التي يتمتع بها «علي الزيبق، وائل شرف» ابن حسن رأس الغول.

والقص الحكائي في ألف ليلة وليلة يعتمد على السرد والقص المباشر، الذي يعتمد على المط والشط في تطويل كل حكاية من حكايا دليلة والزيبق، لكي تصل ليالي شهرزاد إلى ألف ليلة وليلة, لكن البناء الحكائي في مغامرات دليلة والزيبق يقوم على شد المشاهد وتحفيزه على المتابعة لكل مغامرة من مغامرات الخصمين اللدودين «دليلة، كاريس بشار» و«علي الزيبق». وعلى الأغلب تجمع هذه المغامرات دليلة والزيبق في مكان واحد لكي تكتمل المغامرة كفعل إنساني يقوم على اللعب الفني المشدود إلى روح هذه المعركة التي تجري بين الخصمين, فالحكاية القديمة التي عرضتها الدراما السورية في سبعينيات القرن الفائت كانت أكثر قرباً إلى حكايا الف ليلة وليلة، إذ نجد أن زاوج «زينب، تاج حيدر» بنت دليلة من علي الزيبق يتم في سياق الحكاية النصية واللعب والصراع الدرامي القائم على اخضاع «دليلة وابنتها زينب»، لسياق الصراع يفوز بها المنتصر، بينما نجد أن الصراع الدرامي واللعب في النص الحديث يقوم على ادخال الوالي الحاكم في بغداد في مجرى الصراع القائم عن طريق »زينب» كجزء من اللعب والصراع الدرامي بين رغبة الوالي في الزواج من «زينب»، وإخضاعها لمنطق المغامرة والصراع واللعب، رغم كل محاولات أمها دليلة إبعادها عن هذا الصراع القائم بينها وبين الزيبق، الذي يكون فيه الوالي الحكم والخصم في قصة زواجه من زينب، أما في الحكاية القديمة فلن يخضع زواج الزيبق من زينب إلا لمنطق الصراع واللعب والخفة والفهلوية في سياق درامي واضح، وجاء الابتزاز الدرامي في العمل الحديث لجهة جعل هذا الزواج هو الفوز الذي يبتغيه علي الزيبق بعيداً عن تغير الواقع الشرطي في مقدمية الشرطة في بغداد، وكأن هذا التحول صعّد من المخزون الشخصي بعيداً عن الشرط الموضوعي في اقصاء دليلة من مقدمية الشرطة. وهذا التحول الجديد يلعب دوراً كبيراً في تدبير الصراع الدرامي واللعب إلى رقعة الشطرنج، ما يؤكد اهلية زينب لتقرر مصيرها بيدها من دون الصراع الذي اندلع من صراع دليلة والزيبق، ليصبح صراع الوالي، والزيبق عليها.

المغامرة في شروط تغير المكان والزمان

لم تظهر مغامرات علي الزيبق الجديدة في الجزء الثاني إلا امتداداً للجزء الأول وكأن تغير المكان والشروط الموضوعية، لا تدخل في استمرار المغامرة ومقاربتها الفنية في العمل الدرامي, رغم قلة الأصدقاء والمريدين بعد خروجه من القاهرة نجده يتصرف بالأسلوب ذاته وكأنه في القاهرة تماماً، وحتى لو تقبل المشاهد وجود أصدقاء وأعوان في بغداد، فإن سلوكه في الطريق ما بين القاهرة، ودمشق، وبغداد، لا يتغير مطلقاً كنموذج للبطل «السوبرماني» القادر على الفعل في كل الشروط والظروف الذاتية والموضوعية، وهذا المنحى يعتمد على أسطرة الأبطال كما هم في المخيال الشعبي بعيداً عن واقعهم العياني والحياتي، وتتجسد هذه الاسطرة عندما يلتقي قائد شرطة دمشق (جهاد عبدو، ابن السكري) مع دليلة في البراري، ومعهم الزيبق متنكراً بهيئة مسرور الخادم الذي يقضي على الأفعى الأولى التي تهاجم خيمة دليلة، ويسرد عندها (الزيبق، مسرور) أن للأفعى أخوات سوف يهاجمن خيمة دليلة مرة أخرى، نتيجة قتل الأفعى الأولى، وبالفعل يقتل الخادم مسرور الأفاعي الأخرى، وتصر دليلة على الرحيل إلى الشام وقبيل الرحيل يضع مسرور خلطة بودرة مطحونة تنشر الحكة في الجسم، وهنا تظهر المبالغة في انتقال هذه الحكة رغم الأزياء التي كانت ترتديها، ووصفة مسرور في الخلطة الثانية التي توضع في المغطس الذي فيه ماء الورد، مايزيد الحكة، عندها تبدأ دليلة في استذكار معرفتها بمسرور، وتربط بين شكله وهيئته،وشكل وهيئة علي الزيبق، وترسل قائد شرطة دمشق ابن السكري إلى بيت (مأمون الفرخ، أبو الحسن) ليبحث فيه عن علي الزيبق، الذي يتنكر في زي خالته زوجة أبيه، ولا يجده بعد أن بحث جميع مرافقيه من رجال الشرطة عنه في المنزل, ويلزم ابن السكري أبا الحسن أن يتدبر أمر فدية ابن الشيخ (5000 دينار)، وهو لا يملك هذا المبلغ.

إن فعل الاسطرة التي نجدها في شخصية الزيبق خالٍ من إنسانية واقعية حياتية في الشخصية وهذا يعتمد على النظرة الخاصة التي يريدها فريق العمل والشركة المنتجة، والجمهور الذي يتوجه إليه العمل.

لكن العمل يقدماً نموذجاً مغامراتياً عمل عليه المخرج سمير حسين لتقديم فرجة درامية تتناسب ومخيال ألف ليلة وليلة، وفق منطق عصر ألف ليلة وليلة، مخاطباً عيون المشاهد الدرامي في عصرنا الحديث، ولذلك جاءت العناصر في كل عمل دليلة والزيبق متكاملة لتحقيق هذه الفرجة، وقريبة من روحية الشباب التي تعشق المغامرة.

إن القراءة الإخراجية للعمل الدرامي دليلة والزيبق قدمت علاقات فرجوية تقوم على إعطاء كل ماهو مقدم حقه لتستكمل كل الحكايا سردها بهذه الرؤية الفرجوية مع التركيز الكبير على أداء الشخصيات الأساسية والثانوية بحيث تصل إلى المشاهد كجزء من الحكاية, وسخّر المخرج جميع العناصر من ديكور وأزياء وإضاءة وغيرها، وزوايا تصوير لالتقاط ما هو المناسب لإيصال ذلك للمشاهد السوري والعربي.