2013/05/29
بسام سفر – تشرين
يعرف الكاتب حكمت قفلجملي الانتهازية بأنها الجسر الممتد كسراط مستقيم «أدق من الشعرة وأحد من السيف»، وهي مع تناهيها في البساطة متناهية في التعقيد, فالإنسان، الذي يبذل الكثير من الجهد للهروب من الانتهازية عن يمينها، كثيراً ما يجد نفسه وقد اصطادته وتعلقت بأذياله من الشمال. هذا إذا كان الإنسان حذرا منها فكيف إذا سعى إليها بيده وقدميه مثل شخصيتنا الأساسية «باسم ياخور، مسعود» في العمل الدرامي «المفتاح» من تأليف الروائي والكاتب «خالد خليفة» ومن إخراج هشام الأحمد، وتمثيل وفاء موصلي، أمل عرفة، عبد المنعم عمايري، جرجس جبارة، جمال قبش، قمر خلف، ديمة الجندي، محمد حداقي، أسامة السيد محمد، هنوف خربوطلي.....الخ...
الفساد القانوني
يقوم العمل الدرامي «المفتاح» على حكاية معقب المعاملات «باسم ياخور، مسعود» الذي يعمل في البداية في مكتب «علي كريم ،أبو منير», والذي تقيم زوجته «أمل عرفة، ليلى» علاقة مع «أحمد رافع, مراد» لأن الزوج فقير مادياً, هذه الوضعية تجعل مسعود عندما يعلم بعلاقة زوجته مع مراد، يذهب إلى مكان عمل والدها (جرجس جبارة) في حجز التذاكر لإحدى شركات النقل بين المحافظات, ويأتي به إلى منزل زوجته (غادة بشور) وابنته ويعلن مسعود طلاق ليلى منه, وبعدها يذهب إلى مكتب «أبو منير» ويطلب منه مبلغ (20) ألف ليرة سورية، فيرفض أبو منير, ويطلب منه أيضاً أن يعطيه الزيادة التي وعده بها منذ سنوات, فيرفض أيضاً, عندها يبلغه مسعود قراره بعدم الاستمرار في العمل مع تسفيه للحالة القائمة في مكتب أبو منير, ويبدأ بالزبائن عبر معارفه, ويكون ذلك عن طريق دكتور, ويعمل على قضية إرث عائلي, فيقوم بحل هذه القضية بالتعاون مع الوريث (محمد خير جراح, المعلم جوان) وإخوته, ويحسم قضية الوراثة لمصلحة موكله, ويأخذ منهم «300» ألف ليرة سورية, ويطلب منه سيارة فوكس ويحولها إلى مكتب لتكون معلما من المعالم الخاصة بمسعود, وعمله كمعقب معاملات والانجاز الذي قام به مسعود هوفي تسريع العمل الإداري لإنجاز التركة, لكن العمل الأبرز في القفز فوق القوانين لهم في البداية هو حسم صراع (محمد قنوع ،حسان), مع الورثة أخته سحر وزوجها شيخ الجامع وأخيه الكبير مع أخيه المريض, وذلك من خلال بيع والد حسان المريض الأرض التي في المزة إلى مسعود مقابل (مليون) ليرة سورية, بذلك يحرم حسان إخوته من أرض المزة, ويدخل الأب إلى غرفة العمليات لتكون نهايته, وأثناء العزاء يخبر مسعود الجميع بأنه اشترى أرض المزة وبقي له مليون ليرة, وأنه سوف يسددها إلى حسان كجزء من ثمن الأرض, عندها يقوم الشيخ برفع دعوى على مسعود (أحمد الأحمد، فراس), وبمجرد وصوله إلى قسم الشرطة يبرز فراس عقد البيع, فيخرج مسعود من القسم, ويهدد الشيخ والأخ الكبير بوجود محاميهم برفع دعوى رد الاعتبار, بعد ذلك يذهب الشيخ والأخ إلى حسان في منزله طالبين حل الأمر بالحسنى, فيرد حسان إن لم يذهبا فسوف يرفع دعوى على الشيخ بسرقة أموال التبرعات للجامع, وسرقة أموال من أفواج الحجاج الذين يطوف بهم في مكة أثناء الحج, وهنا يجنح مسعود لاستغلال ظرف حسان ويرفع المبلغ الذي يريده من مليون ليرة سورية إلى خمسة ملايين تحت بند أن سعر الأرض الذي وضعه حسان هو«5» ملايين، بينما سعرها في السوق يقارب الخمسين مليوناً وتكون ردة فعل حسان هي إرسال خيرة رجاله إلى أمام بيت مسعود وفراس, لكن فراس يكون في بيت أهله فيشاهد الرجال ويعلم مسعود بهم, فيصورهم في وضعيتهم, ويذهب بالصور إلى مكتب وشركة حسان قائلاً: في حال استمرار هذا التعامل فسوف يقدم شكوى للنائب العام بهذا الاعتداء والحد من حرية حركتهما, ويهدد حسان بأفعال قضائية أخرى, ويرغبه بالتعاون في الكثير من الأعمال في حال نسي الأمر الذي كان بينهما ونظر إلى التعاون المستقبلي, أما الإشكالية الأكبر التي يمر بها مسعود فهي في التعريض الذي يقوم به أبو منير وبقية أصحاب المكاتب على مسعود أمام المدير العام للمديرية وهنا يستشيط مسعود غضباً, ويدخل إلى غرفة المدير ويهدده إن بقي في مكانه ولم يسمح له بالعمل, ولا يكتفي بذلك وإنماً يذهب إلى مكتب «أبو منير»، ويحطم الكومبيوتر وقسماً من الأثاث, ويهدده بالمعاملات التي اشتغل عليها عندما كان في مكتبه ويستدعي أحد العاملين في مكتب الشرطة, لكن «أبو منير» يغضب منهم ويقول: إن ما جرى هو نقاش بين شركاء في العمل, وبعد هذا الحادث يطير المدير العام من منصبه, ويتصل أبو منير بمسعود سائلاً إن كان له يد في ذلك, فيرد مسعود: مين أنا حتى طيّر المدير العام، وتنعقد الصلات, ويكون مسعود قد استطال في السوق, ويذهب مع فراس إلى (محمد حداقي, رشيد) احد رجال السلطة والمتعاونين معه لكي يعمل في ظله كمخلص جمركي في ميناء اللاذقية, ويرحب به وبفراس على طريقته الخاصة, ويشغل المحامي (غسان عذب، أنور) في القضايا الإجرائية, وتزداد أموالهما وعلاقتهما بالسلطة التنفيذية قوة، وينفذان الكثير من الأعمال غير القانونية, وفي قضايا التخليص الجمركي يسيرعملهما بشكل جيد حيث يقدمان إلى رشيد شيكاً بـ«12» مليون ليرة سورية, لكن أعمالهما تسوء بعد زواج مسعود بـ(قمر خلف ،مايا عبد الكريم )، ومعرفة رشيد بذلك، فيسحب الدعم عن مكتبهما ويبدأ بإعداد العدة لتحطيم عملهما إذا لم يطلق مسعود مايا, وبعد معالجات مختلفة يطلق مسعود مايا على أمل إيصال رسالة أنه قام بذلك على سبيل التراجع التكتيكي، من أجل انسحاب عام من التخليص الجمركي، والخروج من العمل مع رشيد في عمل جديد له علاقة بالعقارات والمدن السكنية الجديدة على طريق مطار دمشق الدولي ويستثمر مسعود خبرته وذكاءه الشخصي بأن طليقته مايا لن تقدم له المساعدة فيبيع فراس الأرض على أساس المخطط التنظيمي القديم فيكسبان ماكان لهما عن طريق مسعود ليصبح عن طريق فراس وهكذا يكون الفساد في القصر العدلي والمديريات العقارية جزءاً من آليات العمل القانونية والإدارية في جهاز السلطة القانوني والإداري.
أثر الفساد في العلاقات الاجتماعية..
يظهر الأثر الاجتماعي للفساد بطريقة سيئة حيث يكون عدم العمل بالأسلوب الفاسد ضريبته خراب أسرة مثل «ليلى، مسعود، هاني» ويظهر فقر هذه الأسرة أيضاً العلاقة غير السوية بين الزوج والزوجة التي تقيم علاقة مع مراد من أجل كسب المال كما نجد ذلك في أسرة «أبو زهير» التي تمنح فرصة جديدة لعلاقة فراس بـ«ديمة قندلفت، لينا» المتزوجة من سوري أميركي, وهاتان العائلتان تنتميان إلى الدين المسيحي ونجد في العائلة ذاتها سعي «شكران مرتجى، حنان» العانس للزواج ويساعدها أخوها فراس بشراء شقة سكنية لها لأنها مرت بتجربة حب فاشلة نتيجة رغبة الشاب بأن تكون لديها شقة خاصة باسمها من قبل أهلها، ونرى في الأسرة ذاتها معاناة «أبو زهير» في الغسيل الدوري الشهري للكلى، ونجد رفض «أبو زهير» لأي وساطة في المشفى يكلفه الحضور اليومي لحجز دوره من أجل غسل الكلى ويرفض أيضاً غسيل الكلى في مشفى خاص، وبهذا تتضح العقلية التقليدية العصملية عند أبي زهير، وتتدخل هذه العائلة وحنان وأم مسعود عند مسعود لكي يرجع ليلى إلى عصمته فنجده يعود إلى العلاقة الجنسية معها بعيداً عن الزواج التقليدي فتذهب معه إلى منتجع خمس نجوم لكي تكون في صورة الوضع الطبقي الجديد له وهذا التساهل من قبل ليلى على أمل الرجوع إلى كنف الأسرة التقليدية يخرقه مسعود بالزواج من مايا وقبلها بمعاشرة شادية وأخريات بعد طلاقه من مايا، أما مشروع المحامي فراس فانه يعاشر «لينا» بعد عودتها من عند زوجها الشاذ ولا تثمر هذه العلاقة وإنما يرفضها فراس ويطلب منها العودة إلى أميركا ويظهر من جديد مقدار الشكلانية الموجودة عند مسعود بألا يقدم الكثير لشادية عندما أنقذت والدته وفاء موصلي من الموت لأنها ترتدي زياً قريباً من أزياء بنات الليل في المشفى ونرى أيضاً فصلاً من فصول العراك بين الضرتين «مايا، وليلى» عندما تجتمعان في المشفى عند أم مسعود، وهكذا نرى ان الفساد القانوني والإداري يوسع من دوائر الفساد الاجتماعي على مستويات مختلفة منها الطبقية والإنسانية والنفسية.
الأداء والإخراج..
نستطيع القول: إن أحد أعمدة الأداء للموسم الدرامي للعام 2012، هو الفنان باسم ياخور، الذي يلعب دوراً بطولياً بامتياز ويحمل هذا العمل الدرامي «المفتاح» من موقع إلى موقع ولا يخيب أمل المخرج الخبير هشام شربتجي إذ يعيد باسم ياخور كنجم أول في الدراما الاجتماعية، وينجح المخرج في توظيف طاقة الفنان المبدع فايز قزق في دور جميل ويجعل من حضوره عنصرا محفزا للنقاش الإنساني والقانوني والأخلاقي، أما الأداء الممتع للفنانة قمر خلف فيوضح مقدار العفوية وتلقي الحالة الصائبة لتصل إلى المشاهد بصيغة جذابة, بينما تقفز تلقائية مدروسة في تموجات الانفعال والسلبية عند حالات الفنانة ديمة الجندي في حين نجد من سمات الفنانة أمل عرفة الأداء المتوتر المتصاعد حسب الحالة الإنسانية والنفسية عند ليلى ويؤشر أداء الممثلة هنوف خربطلي إلى إمكانات مفتوحة على أداء يعطي الحالة الإنسانية حقها سواء كبنت ليل أو كمربية في روضة أطفال.
إن ما عمل عليه المخرج شربتجي لحضور ممثليه كان واضحاً وفعالاً ومثمراً في تظهيرهم جزءاً من الحالة العامة للفساد في المفتاح، أما الصورة التي نقلها المخرج فقد وضعت العمل في صيغة الصورة السلسلة ولاسيما عندما يلتقط في الحلقة 14 عودة فراس وحنان من شراء الشقة إلى بيتهما في الحارة الشعبية إذ تبدأ اللقطة من انعكاس صورة التلفزيون على بلور النافذة مرورا بفراس وحنان من خارج البيت إلى داخل الغرفة التي فيها أمهما ويجري النقاش الحامي الوطيس حول الخيانة والشراء والملكية.