2013/05/29
بشار إبراهيم – الحياة
دائماً كان التشويش قـضيـــة! ربما كان الظـــــهور التـــقــنــــي الأبرز لها، من بوابة الرياضة، وذلك خلال مباريات كأس العالم الأخيرة، إذ باغتت الخيبة كثراً من المشاهدين الذين بذلوا مالاً وفيراً للحصول على فرصة مشاهدة مباريات كرة القدم، على قنوات «الجزيرة الرياضية». فمع انطلاق صافرة المباراة الأولى، تلكأت الشاشة، وتمزّقت الصورة، وتقطّع الصوت، وما كان ممكناً متابعة أحداث المباراة، بيسر وسلاسة، إلا بعد لأي!
بدا واضحاً أن البثّ يتعرّض للتشويش، ولم يُفلت المعنيون، في القنوات الرياضية تلك، من البحث في الفضاء، عمن يكون باعث التشويش، ومن أين، ولماذا؟ وانتهت الأمور إلى القضاء، كما أُعلن حينها.
ستعود قصة التشويش للظهور، مع انطلاق وقائع «موسم الربيع العربي» (2011). هنا بات الموضوع آخذاً معانيه السياسية المباشرة، وفق متحارجة «من هو مع، ومن هو ضد»، وباتت الدلالة واضحة، تماماً إلى درجة فُهم منها أن التشابك الحاصل على الأرض، في شوارع المدن العربية وساحاتها وميادينها، وجد ظلاله وصداه في فضاء البث، في شكل لا يمتّ إلى الغرابة بصلة!
كان من الطبيعي، وانطلاقاً من الانتباه إلى الدور المؤثر الذي تلعبه الفضائيات في الحراك الشعبي، أن يذهب المتضررون من هذا الصوت الإعلامي، أو ذاك، إلى التشويش عليه، إن لم يكن ممكناً إسكاته، أو استمالته، على أقل تقدير.
على هذا النحو، بات التشويش وسيلة وأداة في مجرى صراع تشهده المنطقة. إنه فعل مقصود وآليات وتقنيات معقدة (وربما بسيطة)، توظّف، لقطع التواصل والتفاعل بين المُرسل (القناة) والمتلقي (المشاهد)، ومنع الصوت والصورة من الوصول إلى المُستهدفين. كأنما هو يقوم على ذهنية مفادها؛ أنه إن لم يكن بالإمكان التحكّم بالمنتوج الإعلامي، ومتضمناته، ومقولاته، فينبغي العمل على منعه من الوصول، ودفعه إلى التبدد في غياهب الأثير.
دائماً كان التشويش قضية! ولعل كثراً من مشاهدي التلفزيون، في سبعينات القرن العشرين، يذكرون محاولات التشويش على محطات تبثّ من بلدان مجاورة. حينها كان بعض التشويش يأتي من بوابة السياسة، وبعضها الآخر يأتي من بوابة الرقابة.
كان من المألوف مشاهدة انهماك أفراد الأسرة؛ أحدهم يعتلي سطح البيت، أو يقف على الشرفة، يدير قضبان الألمنيوم للاقط البثّ (الآنتين)، يمنة ويسرة، والآخر أمام الشاشة الصغيرة، يوجّهه وينبّهه ويبلّغه، لعله ينجح بالحصول على القليل من إشارة بثّ، آتية من وراء الحدود. وإذ توّهم كثر بأن زمن التشويش انتهى، على الأقل مع ولادة أجيال متتالية من البثّ الفضائي، ومع التطور المذهل في أجهزة الاستقبال، بدءاً من التماثلي إلى الرقمي... فإن مجريات الأحداث أتت لتبدّد هذا الوهم، وتعود السيرة إلى مبتداها، وينشغل أفراد الأسرة، مرة أخرى، بالبحث عن هذا التردد، أو ذاك! ولتبدو قصة التشويش قضية غير ذات نهاية، في اشتباك لا يريد أن ينتهي، عنوانه: سيرة منع!