2013/05/29
عفاف يحيى الشب - الوطن السورية
إنهن النساء اللواتي تسعى الدراما السورية مؤخراً إلى عرض قضاياهن على الشاشة الرمضانية بشكل لافت للنظر وتفسح المجال الكبير لطرح أسئلة عريضة وخطيرة من أهمها: هل حرصت الدراما السورية بين طيات عروضها الرمضانية أن تتناول قضايا مهمة تمس واقع المرأة السورية بشكل شامل، بناء لا يقف فقط عند حدود استعراض صبايا جميلات أنيقات غارقات في الماكياج المبهر الطبيعي وغير الطبيعي بعيداً عن ملامسة جادة ولو قليلاً لهموم المرأة المتعددة الوجوه والتي تمتد وتتوغل في عمق النسج الحياتية لتصل إلى كل مفاصل قضايا المرأة وما يتفرع عنها من حقوق سلبت منها دهوراً مثل حقها في التعلم والعمل والزواج والطلاق واعتماد رأيها واعتبار شأنها
كما شاهدنا في مسلسل «صبايا» على سبيل المثال حين تعرفنا عليهن جيداً وأحببناهن لكننا لم نقرأ مشاكلهن بشكل واقعي والتي لم ترتفع عن متابعة خطوط الموضة والبحث عن الحب والزواج رغم أهمية تلك المواضيع لو جاءت ضمن خطوط درامية تؤكد أن مثل هؤلاء الصبايا لابد لهن من طموحات وأهداف عملية جادة خاصة أن لهن الحرية الكاملة في كل ما يفعلنه ويحملن الشهادات المتعددة الاختصاصات...
وأقول: إن الدراما السورية حرصت في معظم الأحيان على تواجد الفاتنات من النساء في أعمالها أكثر من توظيف هذه الأعمال لتتناول مشاكل كل شرائح النساء في المجتمع السوري حيث لم نلحظ تناول حكاية امرأة قاضية وكيف وصلت إلى منصة القضاء رغم حساسية هذا المنصب، ولم نر المرأة السياسية التي تتبنى فكراً ما وتلقى مقاومة الرجل ليس من مبدأ اختلاف وجهات النظر بل لأن الشعوب العربية بالمجمل لم تؤمن بالمرأة بالقدر الكافي لانطلاقها واخذ دورها وكذا الحال بالنسبة إلى المرأة الطبيبة ومعاناتها في الدوام الطويل وحالات الإسعاف الليلية مثلاً، وهناك منظور المجتمع إلى المرأة وهنا بيت القصيد أن أحبت أو طلقت أو... أو... وما هي التحديات المطلوبة لمجابهة هذه الحالات بشكل لا تنحدر معها إلى الانحلال ولا إلى السقوط كما نرى في بعض المسلسلات.. المهم إننا حتى الآن نريد أن نستجر استعطاف الرجل للانتباه إلى المرأة أكثر من دفعه إلى احترامها ولطالما أظهرنا نساءنا وبناتنا ينسقن إلى الرذيلة والاعتداء والسرقة وغيره ممن قد تناولته السينما المصرية منذ عشرات السنوات دون فتح خط درامي يوضح أنه ليس كل امرأة جافتها الظروف وأرهقتها الحياة معرضة للسقوط أو الانهيار بل العكس صحيح أحياناً وهذا العكس هو الغائب تقريباً عن مسلسلات النساء في معظم الدرامات.. من تلك المقدمة البسيطة انطلق إلى «مسلسل رفة عين» الذي أكتب عنه مقالتي تلك في الحلقة السابعة والعشرين منه وكان السكر هو العنوان.. وكيف لا!! وقد استخدم السكر بشكل مقزز وبزخم كبير من وجهة نظري حيث كان حاضرا بقوة لنشاهد مباشرة وعلى الهواء وبالتفصيل الطويل كيفية طهيه وسكبه وتحويله إلى عجينة يجري تطريتها باللعاب ثم تلصق على بعض من أجساد النساء وخاصة في المنطقة الممتدة من القدم حتى الركبة ومن ثم يجري سلخ عجينة السكر من أجل نزع الشعر في عرض دقيق لتلك الطريقة القديمة في إزالة الشعر الزائد عند النساء ولطالما حدثنا التاريخ عن أن استخدام السكر لإزالة الشعر عرفته النساء منذ ما قبل التاريخ وليس في القرن الحادي والعشرين حيث استخدم الشمع بديلا عنه واستخدمت تقنيات حديثة وأشعة الليزر لنزعه وخاصة في صالونات التجميل وعيادات الأطباء كما أصر المسلسل على أن يظهر تلك الحالة الخاصة جداً وكأنها مشاع وقابلة للاستعراض بشكل مبالغ فيه حتى أنني اعتقدت أن الشركة المنتجة قد خصصت قسما من ميزانيتها ليس قليلا لشراء السكر المطلوب للمشاهد الخاصة بنزع الشعر.. وأتابع القول: إنني لم أفهم لماذا استمر استعراض هذه اللقطات في معظم الحلقات ويكفي عرضها مرة واحدة لتثير اشمئزاز المشاهدين، وأؤكد أن واحدة من النساء أيا كانت قد تكره أن يراها أحد من رجال عائلتها وهي في هذه الحالة التي لم تدهشنا فيها فن صناعة عجينة السكر وطريقة استخدامها ولم تبهرنا بعدها جمال المرأة التي خضعت في المسلسل لنزع بدائي للشعر الزائد لديها وبالتالي لم تستخدم تصوير هذه المشاهد لضخ حكاية ما تخلص مثلاً إلى طرح درامي بناء استخدم السكر معه لتسليط الضوء عليه حيث جاءت اللقطات في المشاهد السكرية تقوم بها بطلة العمل أمل عرفة أو غيرها من البنات بما يعني أن الغاية من استخدام عجينة السكر لا تتعلق ببطلة العمل بل راحت إلى فتيات أخريات يعملن في صالون التجميل. ليبقى الأهم من هذا السؤال التالي وقد لحظت استنكار العديد لهذا العرض الفج، والسؤال هو: هل المرأة التي تعلمت في السجن تلك الصناعة هي فقط من تعاني من غدر المجتمع والزمن وتعاني التشرد والفقر!!!.. وهل قلوب السوريين في حالة انشراح وحبور ليتابعوا لقطات تعقيد السكر وترطيبه ولصقه وكأن الغاية هي تنشيط تلك الطريقة بسبب كثرة عرضها واستعراضها وفرشها على مساحة الشاشة الفضية بكل فخار... وأتابع بكل استغراب وليس من باب تقليل شأن أحد، ما، نهائياً وأقول: إلى ماذا كان يرمي مسلسل رفة عين من تميع سكري للطرح الدرامي ضاربا عرض الحائط بخصوصية رمضان ومستهترا بالقيم الاجتماعية التي مازالت لها تأثيرات سلطانية على الكثير من الناس الذين استنكروا مثل هذه الجرأة التي كللت العمل، وان كانت الغاية هي التحدث عن معاناة بطلة العمل «هدية» التي عرفت حياة السجن منذ طفولتها فلا يعني ذلك أن تلك الحالة عامة أو شبه عامة ويجب الدفاع دراميا عنها حتى تتناولها الدراما الرمضانية دون أي محاولة من البطلة هدية للخلاص من عقدة السجن انطلاقا من أن ردود أفعال الإنسان ضد ما فرض عليه قد تدفعه للاجتهاد والبحث عن طريق للخلاص وتغيير واقعه من خلال التحدي واللجوء إلى الدراسة مثلاً وإلى عمل آخر قد يؤلمه ويتعبه لكن المحاولة هي منفذ الوجدان الذي يرفض بداية التمسك بالأخطاء والموروثات المغلوطة وكل المفروضات القسرية والقهرية.. وأعود إلى المقدمة لأقول: إن معظم النساء لسن في أحسن حال وان تغريب حقوقهن وتشريد وعيهن وقمعهن واستغلالهن هو السائد ولكن بالمقابل هناك نساء اخترقن أسوار الدونية وتحدين الظلم والتهميش وعملن واجتهدن ونجحن في تغيير نظريات الاستخفاف وقد عانين الأمرين من أجل طرح أنفسهن بشكل ايجابي وفعال وبأسلوب مشرف وثمين رغم ما قد تعرضهن له من نبذ ومقاومة واضطهاد، وهنا تخطرني حكاية شابة حرمها شقيقها متابعة دراستها الجامعية لأنه رآها واقفة وسط الحرم الجامعي مع زميل لها على حين هو يعيش العلاقات المتعددة دون حساب لكنها تابعت وأصبحت الآن دكتورة في إحدى الاختصاصات.. في مسلسل «رفة عين» لم ألحظ إلا نساء سقطن في دراما الانتقاد والتركيز على أخطائهن وما يكمن خلفها من نظرة دونية حتى من المرأة للمرأة فهناك الراقصة التي تعشق طبيباً صغير العمر وهناك ثلاث نساء لا يعرفن إلا الثرثرة والوقوف في طابور مراقبة الصبية الموجودة معهن والتي سقطت في زواج عرفي فاشل ولجأت إلى الغش والكذب على الزوج الجديد من خلال عملية نسائية وما أكثر ما طرح مثل هذا الموضوع الذي يحرص عليه كل عمل بشكل غير لائق ومحترم ومعزز لأخلاقيات المرأة السورية و... و.. وكأن على المرأة في الدراما دوما أن تكون ضحية وجانية على نفسها معا وان النجاة هي باستمرار بالخداع.. نساء كثر في مسلسل «رفة عين» قدمن للمشاهد على أنهن قليلات عقل ويركضن وراء السخافات بما في زوج جهاد سعد التي سارعت إلى طبيب التجميل من أجل إصلاح ما أفسد الدهر وقد تقدمت بالعمر وخشيت على زوجها من الابتعاد عنها رغم أنها سيدة جميلة وأنيقة.. إن ما يؤرقني ليس استعراض قضايا النساء في الدراما السورية ولكن المبالغة في الإسفاف بسيرتهن مع التغييب الواضح لنساء استطعن التألق والنجاح وتحقيق منجزات تحسب لهن لا تقلب ظهر المجن عليهن.. في النهاية مع اعتذاري الكبير من المشاركين في مسلسل رفة عين وما للبعض منهم من تاريخ في الإبداع ومع أن أمل عرفة ممثلة لها ثقل ووزن وكان هناك عناصر فنية لها أيضاً حضورها وكبير التأثير لكني أردت تقديم كلمة لا يراد بها باطل إنما هي الحرص على صورة نسائنا حتى الضعيفات منهن والخشية على درامانا السورية لأنها درامانا السباقة دائماً إلى النجاح وهناك الاحترام الشديد لشهر رمضان وحرمة أيامه البهية التي يزداد الإقبال فيها على مشاهدة المسلسلات بما يفتح للدراما مساحة واسعة لتكون مؤثرة وفاعلة ومسلطة الأضواء على قضايا أهم من صناعة السكر المزيل للشعر الذي كان حاضراً بصورة أقوى من فكرة العمل وأهدافه، والاهم الألم الكبير الذي يعصر القلب لما تمر به سورية من ظروف عسيرة والتي جفت الأرواح لأجلها ولم تعد حاضرة بالمجمل لاستعراض أي انتهاكات للذائقة العامة ولا للمفهوم العام. في النهاية أقول: إن الدراما كما هو معروف هي ذاكرة الأمة ونافذتها الثقافية وعلينا توثيقها بالواقع العام بكل مناحيه وليس فقط السلبي منه كي لا تستنكر الأجيال القادمة سيرة الأجداد وتعيب علينا أشياء وأشياء... ولا أدري!!