2013/05/29

حكمت داوود: الأزياء فلسفة وفن وخطاب موجه للجمهور
حكمت داوود: الأزياء فلسفة وفن وخطاب موجه للجمهور

سعيد محمود – تشرين


ارتبط اسمه بعشرات المسلسلات السورية التي حققت نجاحات كبيرة، إضافة إلى العديد من المسرحيات والأفلام السينمائية, بأزيائه، رسم للجمهور الكثير من (الكاركترات) المحببة والشخصيات التي بقيت محفورة في الذاكرة...

مصمم الأزياء حكمت داوود الحاصل على جائزة الإبداع الذهبية لأحسن ملابس من مهرجان القاهرة للإعلام العربي عام 2007 عن تصميمه لأزياء مسلسل (باب الحارة)، إضافة إلى العديد من الترشيحات والتكريمات وشهادات التقدير, يكشف لنا أسرار وتفاصيل مهنته في اللقاء التالي:

ما هو تعريفك الخاص لمهنة مصمم الأزياء في الدراما؟

لم تكن الأزياء حاجة اجتماعية وأخلاقية فحسب، بل كانت وما زالت انعكاساً ثقافياً وحاجة إنسانية بحتة، حيكت بإحكام و بكثير من التناسق والتناغم لتتناسب وبيئات معينة في كل زمان ومكان عبر تاريخ المسيرة البشرية منذ الخليقة الأولى، فمن خلال الأزياء يعلن الشخص انتماءه لبيئة ما، ولمكان وزمان وثقافة ما, مصمم الأزياء، في الأعمال الدرامية، يضيف و يبين هذه القيمة وهذا المعنى لأزياء الشخصيات، يضيف إليها أفكاراً يتم التقاطها بصرياً من قِبل لا وعي المُشاهد. مثلاً، في الأعمال التاريخية، لا يتعلق الأمر فقط بالجانب التوثيقي للأزياء المستخدمة في مرحلة العمل فحسب بل بإضافة القيمة الجمالية والثقافية أيضاً, يجب على مصمم الأزياء أن يضيف من إبداعه الخاص مع مراعاة أهمية الألوان وتركيب الزي على جسد الشخصية ضمن أبعادها الفكرية, الأمر نفسه ينطبق على أعمال البيئة، وحتى الأعمال المعاصرة.

أنا أرى أن للأزياء فلسفة خاصة بها، تتقاطع مع فنون عديدة وتلخص موروث كل شعب من خلال المنمنمات والتطريزات وطرق حياكة الزي وأدواتها، لذلك نرى في أزياء الشعوب الكثير من الإشارات والرموز التي تدل على تاريخ هذا الشعب وطريقة حياته وتراكماته الثقافية.

ما هي تفاصيل رحلتك، من قراءة النص إلى تركيب الزي على جسد الشخصية ضمن المنطق الخاص بها؟

تعد الأزياء انعكاساً مباشراً للواقع المعيش من قبل الشخصيات ضمن الإطار الزمني الذي تفرضه أحداث العمل ومرحلته التاريخية. يجب بداية أن يكون مصمم الأزياء على دراية تامة بالعصر الذي تدور فيه الأحداث بكل تفرعاته السياسية، الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية... لذلك من الضروري قراءة كل ما يتعلق بالمرحلة التاريخية الخاصة بالعمل كنقطة انطلاق لتصميم أزياء تساعد على بناء الشخصية وتحديد هويتها. في الدراما، لا تنحصر مهمة الملابس في ستر العورة أو تغطية الجسد، إنها نوع من الخطاب المُكون لمنطق الشخصية، ناهيك عن كون الأزياء الواجهة الدرامية الأولى ومرآة المشاهد للتعرف على الشخصية الدرامية وتكوين الانطباع الأول عنها.

ما هو الفرق في عمل مصمم الأزياء بين الأعمال التاريخية والأعمال المعاصرة؟

الأعمال المعاصرة لا ترتقي إلى درجة تصميم الأزياء، يعود ذلك إلى العديد من الأسباب، مثل عدم تقديم شركات الإنتاج مساحة إنتاجية تتيح اختيار الأزياء المناسبة لكل شخصية، لذلك نقوم بانتقاء ما يناسب الشخصية من أزياء الممثلين، عدا الحالات الخاصة التي تتعلق بـ (كاركتر) معين قد لا يتوفر لدى الممثل,  للأسف، ينحصر إدراك المنتجين لأهمية الأزياء في الأعمال التاريخية فقط وهذا ما يؤثر سلباً على تكوين ورسم الشخصية في الأعمال الدرامية المعاصرة، فنرى الكثير من الشخصيات تتشابه بملابسها رغم التباين الثقافي والاجتماعي فيما بينهم.

في مسلسل (ضيعة ضايعة) ألبستَ أسعد، القصير نسبياً، ملابس فضفاضة، أما جودة فقد كانت ملابسه ضيقة لتكريس فارق الطول بين الكاركترين، أعطنا أمثلة عن شخصيات من أعمال أخرى دعمت حالتها الدرامية والفيزيائية من خلال الأزياء.

الجمال في البساطة، مثلاً في مسلسل (الخربة)، كان هنالك صراع دائم بين جيل الشباب المنفتح والمنطلق والباحث عن الحرية، والجيل القديم المتزمت، لذلك تعمدت إلباس العجائز من الجيل القديم ملابس بزر يخنق الرقبة، مثل ملابس شخصيتي (أبو نايف) و(أبو نمر)، مع الإصرار على إلباسهم أزياء فلكلورية وتحميلهم ساعات قديمة، وإكسسوارات مثل الخواتم أو غيرها من تفاصيل الجيل القديم. أما جيل الشباب فقد ألبستهم أزياء عصرية (جينز، تي شيرت،...) لخلق (كونتراست) بين الجيلين يدعم الجو العام للمسلسل.

مثال آخر، للإجابة على سؤالك، في مسلسل (باب الحارة)، اخترتُ لشخصية (الإدعشري) زياً واحداً بسيطاً لم يقم بتغييره خلال جزأين من العمل, لم يُغسل هذا الزي ولا مرة خلال فترة التصوير الطويلة، وعلى الرغم من رائحة الملابس التي أصبحت مزعجة إلا أن الفنان بسام كوسا كان مقتنعاً بفكرتي التي تدعم شخصية (الإدعشري).

في العمل نفسه، لدينا شخصية (أبو غالب) والبخل والضيق الذي يعيشه نتيجة معاداته لأهل الحارة، لذلك اخترت له (شروالاً) قصيراً و(كسرية) صغيرة على قدمه وقميصاً ضيقاً بأكمام قصيرة بهدف التعبير عن الضيق الذي يعيشه من حركته ومن مجرد رؤيته.

إلى أي مدى تتفق خياراتك مع وجهة نظر المخرج؟


بشكل عام، يوجد اتفاق بيني وبين المخرجين بنسبة 90%, هنالك جسر من الثقة يربط بيننا من خلال الأعمال الكثيرة, هذه الثقة، تُحمّلني مسؤولية أكبر، وتدفعني إلى عطاء أكبر واهتمام أوسع في مجال عملي, وهي في الحقيقة عبء يحفزني للبحث عن الأفضل بما يتناسب مع العمل الدرامي.

حدثنا عن نسبة الاختلاف، العشرة في المئة!

هذا الخلاف لا يكون مع المخرجين، بل مع الممثلين، وتحديداً الممثلات. حتى لو كانت الشخصية قبيحة، ترغب الممثلة في أن تظهر جميلة! وغالباً ما تكون هذه الإشكالية مع الممثلات اللواتي لم يرتقين للعب الدور الأول، هذا ما يدفعني إلى نقاشات حادة معهن في بعض الأحيان، لكن في النهاية لا أنفذ إلا ما يرضي (الشخصية) وليس الممثلة، بهدف خدمة العمل الدرامي الذي ننجزه. طبعاً الأمر مختلف مع الممثلات ذوات الخبرة والنجمات الكبيرات، السيدة منى واصف تقول لي: «افعل ما تشاء، أثق بخبرتك».

ما هي المشكلات الإنتاجية التي تواجهك في مهنتك؟

هنالك معاناة دائمة مع شركات الإنتاج، ابتداءً من أجري وانتهاءً بتكاليف المواد, نحن نفتقر إلى تفهم الدراما كصناعة وطنية بمقدورها المساهمة في دعم اقتصاد البلد ونشر القيمة الجمالية للأزياء السورية بشكل خاص، فقد كان لأحد أعمالي البيئية التأثير الواضح في انتشار الأزياء الشامية في البلدان العربية ورغبة الناس في ارتدائها, أنا أرى أن مصممي الأزياء جزء مهم وفعال في عملية صناعة الدراما وتطويرها ورفع مستواها, شركات الإنتاج تفكر بطريقة عكسية، وتحاول دائماً التوفير من خلال الأزياء، مع أن الأزياء هي الواجهة الأولى لأي شخصية درامية، من خلال الأزياء نعرف الشخصية ونفهمها. في العديد من المرات كنت مع ممثلين، في أعمال معاصرة، لانتقاء أزياء تناسب شخصياتهم من الأسواق، وتكون النتيجة شراء أزياء بمبلغ يفوق أجرهم بسبب عدم تقدير المنتجين.

من المعروف أن مجالك الإبداعي أكبر في الأعمال التاريخية، ما هو العمل التاريخي الذي ترغب في تصميم أزيائه؟

كوني ابن مدينة القامشلي المعروفة بتنوع أطيافها ومكوناتها الإنسانية، أتمنى تصميم أزياء عمل من تراث هذه المنطقة، ضمن تنوعها البشري المذهل من عرب وأكراد وسريان وآشوريين، وغنى الأزياء الفلكلورية في هذه المنطقة. أتمنى تصميم أزياء عمل يضم كل هذه المكونات بروعتها وانتمائها الأصيل لسورية التنوع، لسورية الغنى.

من آخر الأعمال التي قدمتها مسلسل (بقعة ضوء) في جزئه التاسع، وهو العمل المعروف بجرأته النقدية وجماهيريته الكبيرة، برأيك الشخصي، هل كان الجزء الأخير من (بقعة ضوء) يتمتع بهذه الصفات؟

في هذا الجزء، تحفظت بداية على عدم تعدد الكُتاب، وهي الميزة الأساسية لبقعة ضوء، مع احترامي وتقديري لكتاب هذا الجزء. من ناحية أخرى، لم يرتقِ مسلسل (بقعة ضوء) إلى مستوى (بقعة الدم) المنتشرة في بلدنا للأسف.

ما هي توقعاتك للدراما السورية في القادم من الأيام؟

تطور الدراما السورية مرتبط بالاستقرار السياسي، وباستقرار الحياة الاجتماعية, يجب على الدراما أن تكون مرآة للناس، مرآة واقعهم، همومهم، مشكلاتهم، ومرآة أرواحهم, لذلك من الضروري توفر جو من الحرية لتقديم ما يتناسب مع تطلعات الناس للحفاظ على جمهور الدراما السورية ومتابعيها.

الحل برأيي يقع على عاتق القطاع العام، فالمنتج أو رجل الأعمال الغني، لا يهتم إلا بالنجاح المادي غير عابئ بالشريحة الأكبر المكونة من البسطاء, الدولة، هي الجهة الوحيدة القادرة على إنتاج أعمال تقترب أكثر من الناس وتلاصق همومهم.