2013/05/29
ماهر منصور – السفير
تعيد الدراما السورية تموضعَها في ما يخصّ مستوى جرأة مواضيعها. فلا تبدأ من الصفر، ولا تعوِّل على ردود الفعل، كما تفعل الدراما المصريّة اليوم. وما أنجزته مسلسلات اللوحات الانتقادية الساخرة مثل «مرايا» و«بقعة ضوء»، والحواجز التي كسرتها مسلسلات مثل «غزلان في غابة الذئاب»، و«رياح الخماسين»، و«لعنة الطين»، و«يوميات مدير عام» وسواها. ولا يمكن الحديث عن تأثيرات واضحة لرياح الربيع العربي على مضامين الدراما السورية. فالخطاب النقدي لهذه الأخيرة ثابتٌ في مكانه، على الأقلّ هذا العام، ريثما تأخذ الأزمة السورية أبعادها، ويصير من الممكن محاكمتها درامياً. لكنَّ هذا لا يعني أنَّ الدراما السورية وقفت مكتوفة الأيدي تجاه الأزمة، وتداعياتها. لكنَّها التقطت الجانب اليومي المعيش، من دون أن تُقحِم نفسها بالجدل الدائر بين طرفي الصراع. اكتفت بدور الناقل للسجال، من دون أن تحسمه لصالح طرف من الأطراف. كأنها بذلك أرادات أن تصنع من المسلسل التلفزيوني طاولة للحوار، كتلك التي يصعب اليوم جمع السوريين حولها. وبدا هذا التوجّه الدرامي واضحاً، في مسلسلات «فوق السقف» (أنتج بعد مرور نحو ستة أشهر على بدء الأزمة السورية وعُرضَ في رمضان 2011)، و«هات من الآخر» و«حصان طروادة» (عُرضا بين موسمي رمضان 2011 و2012). وكانت تلك الأعمال عبارة عن لوحات درامية، طرحت الأزمة بشكل متوازن بين منطق المؤيد ومنطق المعارض، ومن جوانب بلغت جرأتها حدّ اعتماد قناة «العربية» الإخبارية بعض لوحات العمل، للدلالة على صحة وجهة نظرها من الأزمة. ولعلّه من المفيد التذكير هنا أنَّ الجهة المنتجة للأعمال الثلاثة هي «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي»، التي تُمثِّل القطاع العام في الإنتاج السوري. ويحسب لها بالتالي سبق مقاربة الأزمة، ويحسب للدراما ذاتها تحقيق سبق رصد تلك الأزمة بجرأة وحرفيّة، مقارنةً مع أداء وسائل الإعلام السورية.
في موسم دراما 2012، تبلور الشكل الثاني من مقاربة الدراما السورية للأزمة، وذلك من خلال رصد تداعياتها وانعكاساتها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية للسوريين، من دون الخوض في جانبها السياسي على نحو مباشر. وقد ظهر ذلك بوضوح في مسلسلي «بقعة ضوء» و«موازييك»، إذ قدّم العملان مقاربات ذكية، شاكست الرقيب كثيراً، واستطاعت في النهاية أن تمرر معظم مقولاتها، وخصوصاً تلك التي تتعلّق بالأزمة المعيشية التي تعصف بالسوريين اليوم، وأصبحت موضع تندر بينهم، مثل أزمات المازوت والغاز وسواهما. فالأب في «بقعة ضوء» لا يمانع انتحار ابنه، شريطة ألا يحرق نفسه بالمازوت. بينما يرفض آخر أن يضع جرّة الغاز ضمن ضمانات القرض الذي سيأخذه. هذا لا يعني أنّ «بقعة ضوء» أغفل الجانب السياسي للأزمة، لكنه لم يتناوله بشكل مباشر. ولعلّ المقاربة الذكية، والأكثر نضجاً جاءت في مسلسل «موازييك» (خلصت). فالموعد الغرامي بين شاب وفتاة، وموعد المصادفة بين الفتاة ذاتها وشاب ثان ضمن المكان ذاته، ستحوّله أصوات الرصاص إلى جلستي نقاش حول الأزمة. وسيكشف مضمون النقاش آراء الشارع بالأزمة والضرر النفسي والاجتماعي الذي أحدثته. واللافت أنّ تلك المقاربة جاءت بصناعة شابة، إخراجاً (يامن الحجلي) وتأليفاً (أحمد قصار) وتمثيلاً.
ومن جهة أخرى، ثمة مقاربة قديمة/ جديدة، سبق وتعرضت لها الدراما السورية، وهي طرح قضايا الفساد. ومن قضايا الفساد تلك، ما دفع البلاد نحو أزمتها اليوم. خلال هذا الموسم، تقدم الدراما السورية مسلسلين حملا جرعة كبيرة من الجرأة في مقاربة تلك القضايا. ويطرح مسلسل «المفتاح» للكاتب خالد خليفة والمخرج هشام شربتجي آلية تشكل الفساد، وكيفية تطويع القانون في خدمة الفاسدين. بينما يتناول مسلسل «الولادة من الخاصرة2 ــ ساعات الجمر» للكاتب سامر رضوان والمخرجة رشا شربتجي، علاقة الفساد بالمؤسسة الأمنية، من خلال اعتقال المقدم رؤوف الذي يكشف عن تكاتف فاسدين ضمن المؤسسة ذاتها. بينما يتناول في خط درامي ثانٍ، متمثل بشخصية أبو نبال، فساد الطبقة الاقتصادية وممارساتها اللاقانونية.
الأعمال السابقة، لم تستسلم لمقولاتها العريضة، بل حملت صياغات حكائية درامية محكمة، ورؤية فنية موفقة، سببها بالغالب أن موضوعاتها ليست طارئة على الدراما السورية. ولعل القادم من الدراما، سيطرح جوانب أخرى من الأزمة السورية، ضمن شرطه الفني الطبيعي، حين تأخذ الأزمة أبعادها على الأرض، وتختمر تعبيراتها الفنية والفكرية في الدراما.