2013/05/29
ماهر منصور - السفير
يشغل الجدل حول مسلسل «الفاروق عمر» رواد «فايسبوك» هذه الأيام. وينقسم المعلّقون بين صفحتين، الأولى تحمل عنوان «لا لعرض مسلسل عمر بن الخطاب»، والثانية سميت «أنا مع عرض مسلسل عمر بن الخطاب في رمضان». وعلى الطريقة ذاتها، تنقسم الفتاوى الدينية بين مؤيّد لعرض العمل، ومعارض له. هكذا، تعدَّدت التفسيرات، وارتفع مستوى الجدل، برغم أنّ أحداً لم يطلع بعد على مضمون المسلسل، سواء أكان من فريق مؤيّديه، أو من الفريق المعارض له.
يحمل مسلسل «عمر» توقيع المؤلّف وليد سيف، وهو من إخراج حاتم علي. ويعدّ أضخم الانتاجات التي شهدتها الدراما التلفزيونيّة العربيّة منذ سنين. وبرغم الحملات الترويجيّة الكثيفة، لا تزال مقاربة المخرج والمؤلّف لسيرة عمر بن الخطاب مجهولةً. ولا يمكن أحدا أن يعرف إن كانت هذه المقاربة ستنصف الخليفة الراشد أم لا، إلا بعد عرض العمل على الشاشة. وبالتالي، فإنّ الهجوم الساخط على المسلسل قبل عرضه، لا يستند إلى أيّ حوامل منطقيّة. كما أنّ كل ما رشح عن العمل حتى الآن، في تصريحات مخرجه الصحافية، يكشف الحرص على «نشر رسالة الإسلام السامية، وقيم التسامح والمحبة والعدل والإحسان التي عمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على نشرها خلال خلافته، وهو ما سيساهم في تغيير الفكرة المغلوطة التي رُسمت في ذهنية بعض المجتمعات الغربية عن الإسلام والمسلمين»، بحسب تعبير حاتم علي. ويدفعنا هذا الحرص المعلن لانتظار العرض، قبل إصدار الأحكام النهائية بحقه، خصوصاً أنَّ الثنائي وليد سيف/ حاتم علي، حقق نجاحات عديدة في مسلسلات تاريخية شهيرة، منها «صقر قريش»، و«ربيع قرطبة»، و«صلاح الدين الأيوبي»، و«ملوك الطوائف»، إضافة إلى رائعة «التغريبة الفلسطينية». وفي أعمالهما المشتركة السابقة، أظهر سيف وعلي فهماً خاصاً لطريقة التعاطــي مع المادة التاريخية، حين تصير دراما مصورة. وكشــفت مقارباتهــما عن وعي في أسلوب تقديم المادة التاريخية، إذ جاءت على نحــوٍ شديد الالتصاق بعالمنا اليــوم، من دون التجني على صدقية التاريخ و«قدسيّة» أصحابه، إن جــاز التعــبير. وقياساً بما أنجزاه سابــقاً، لا يبدو أنّ المخــرج والمؤلــف سيشذان عن القاعدة هذه المرة، خصــوصاً أنّ القضيّة المطروحة هي سيرة من لقــبّه الرسول محمد بالفــاروق، ثاني الخلفاء الراشــدين، الذي شهد عهده أكــبر فتوحات الإســـلام. وفي ذلك كله ما يغري لتقديم ســيرة عمــر بن الخطاب درامــياً، لأنّــنا سنكون أمام مقاربــة جديــدة لتاريخ العدل والحق والإيمان، والذي تمثل في رســالة الإسلام وروحه.
هذا الجدل الاستباقي حول مسلسل لم يعرض بعد، يعيد إلى أذهان السيناريو الذي واجه المخرج الراحل مصطفى العقاد، أثناء إعداده لفيلم «الرسالة». فقد جال بالسيناريو على مرجعيات عديدة، للحصول على موافقتها، من الأزهر، إلى السيد موسى الصدر. وحاول الحصول على موافقة «رابطة العالم الإسلامي» في السعــودية، لكنّه قوبل بالرفض. ثمّ واجهــته مشكــلة التمويل. وفي ذلك الوقت، تحمّس كثـــيرون لإنتاج الفيلم، فحصل العقــاد على تمويــل مشترك كويتي ـ مغربي ـ إمــاراتي، ليــباشر التصوير في صحراء المغــرب. إلا أن المملكة العربية السعودية اعتبرت في ذلــك تحدياً شخصيّاً، لها فعملت على إيقاف التصوير. هــكذا، اضطر السيــنمائي للانتقــال إلى ليبــيا لمواصلة العمل هناك. ولم تقف الســـعودية وحدهـــا في مواجــهة العقاد. بل إنّ إيــران في عــهد الشــاه، أوجدت لنفسها الحقّ أيضاً في التدخل بالعمل، وسرعان ما تبنّته. وكانـــت ولادة الشريط الشهير عام 1976، إيذاناً بولادة رواية مشرقة عن الإسلام، قدّمت صورة بهية عن الدين الحنيف، بوصفه ديناً متسامحا ومتنوّراً. فهل سيكون نصيب «عمر» لحاتم علي من النجاحات، كنصيب فيلم «الرسالة» لمصطفى العقّاد؟
تبقى النقطة الأكثر إثارةً للجدل، هي حول إظهار وجوه الخلــفاء الراشدين على الشاشــة، أو الاكــتفاء بمؤثرات صوتيّة لهم. وستــبقى الإجــابة على هــذه النقــطة معلــقةً حتى عــرض الحلقة الأولى من المسلسل، خصوصاً أنّها تخضع لمراجعة دقيــقة من قبل علــماء دين. هكذا، ينتقل مــزاج الجــدل العالم المثار حول العــمل إلى طاولة المرجعيّات الدينــية لتبتّ به، قبل رمضان المقبل.