2013/05/29
خاص بوسطة- تقرير: محمد الأزن
بغض النظر عن أهدافها التنويرية، التوثيقية، أو الترفيهية، وبعيداً عمّا يطالها على مدى السنوات الماضية من انتقادات تتهمها بالإغراق في الافتراضية، أو الإمعان في رسم صورةٍ طوباويةٍ لزمن دمشقي مضى يختزن في ذاكرته مئات الحكايات عن أبطالٍ شعبييين، ومخزونٍ من القيم لايفنى، ولايعكر صفوه نزوع بشري فطري للسعي وراء المصالح، ورغم كل قيل وما سيقال عنها تستمر مسلسلات البيئة الشاميّة في تصّدر المشهد الدرامي السوري للموسم 2012، بخمسة أعمال تعطيها الأولولية من حيث عدد الأعمال المُنتَجَة في هذا العام، والتي قد يصل عددها الإجمالي إلى اثنين وعشرين مسلسلاً.
على مستوى الكتّاب يبرز في موسم 2012 اسمين جديدين في التصدي لهذا النوع من الأعمال هما: محمد الزيد في "زمن البرغوت"، وسليمان عبد العزيز مُؤلف "الأميمي"، فيما تتعزز مكانة الكاتب مروان قاووق بثلاثة أعمال هي: "طاحون الشر"، "لعنة قسم"، و"مختار حارتنا" مع استمرار مسلسل السجالات الإعلاميّة والقضائية التي تطال عادةً نصوص "قاووق"، والتي تركزت هذا الموسم حول مسلسل "طاحون الشر" ابتداءً من اتهام قصي الأسدي وشريكه لمروان بسرقة أفكار النص، وقبلهما إحسان شرباتي التي قالت إنه سرق عنوان العمل "ابن الميتة" منها قبل أن يتم تغيير العنوان، إلا أن مروان قاووق رفض هذه الاتهامات، وفندّ عدم صحتها لوسائل الإعلام، وترك للقضاء الفصل فيها.
أما فيما يتعلق بأزمنة الحكايات والتي تعتبر عادةً عقدة ما يعرف بأعمال البيئة الشاميّة فيعود الكاتب سليمان عبد العزيز بحكايته "الأميمي": إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر أي بعد خروج "إبراهيم باشا" من دمشق، وعودة العثمانيين للسيطرة على بلاد الشام، بينما تبدور حكاية "زمن البرغوت" التي كتبها محمد الزيد على جزأين بين عامي 1915 و1926 أي في نهاية الحكم العثماني لسورية، مروراً بمرحلة الثورة العربية الكبرى، وحكم الملك "فيصل" الأول لـدمشق، وأواسط فترة الاستعمار الفرنسي للبلاد، والثورة السورية الكبرى، أما أزمنة الكاتب مروان قاووق فلا تزال افتراضية، وربما تبدو أكثر تحديداً في "طاحون الشر" الذي تجري أحداثه في أواخر عشرينيات القرن الماضي، إلا أن الزمن يبدو غائباً في "مختار حارتنا"، وفي فترةٍ غير محددة من الحكم العثماني لبلاد الشام في مسلسل "لعنة قسم".
وبالنظر إلى الموضوعات التي تتناولها أعمال البيشة الشاميّة في موسم 2012، فتبدو مقاومة الدمشقيين للاحتلال الفرنسي حاضرةً بقوة في مسلسل "طاحون الشر"، وكذلك في "زمن البرغوت"، مع تركيز أكبر في الجزء الأول على مرحلة نهايات الحكم العثماني، وما يعرف بالـ"سفربرلك" حيث تتجلى آثار الحرب العالمية الأولى وانعاكاساتها على تطورات المجتمع، والفقر الذي قاساه أهل ذلك الزمان، فيما يتناول مسلسل "الأميمي" عبر الفترة الزمنية التي يرصدها ارتدادات عودة العثمانيين لحكم الشام بعد خروج "إبراهيم باشا" منها على العادات الاجتماعية ضمن الحارة الدمشقية التي ينتمي إليها شخوص المسلسل، وعلاقتهم مع منظومة الحكم في ذلك الوقت، وربما يشكل مسلسل "مختار حارتنا" خرقاً في هذا النوع من الأعمال حيث تتسم أحداثه بشيءٍ من الطرافة، والمبالغة في رسم ملامح الشخصيات، أما "لعنة قسم" فكل ما يعرف عنه أنه يسرد مجموعة من الحكايات الشعبية التي تدور في إحدى الحارات الدمشقية، بين حمام السوق، والمقهى...
وربما تكون أسماء الحارات افتراضيّة في مسلسلات البيئة الشامية لموسم 2012، إلا أن مسلسل "زمن البرغوت" يسجلّ سابقةً في هذا النوع من الأعمال على مستوى المكان حيث تدور أحداثه في حارات حي "الميدان" الدمشقي الذي يقع خارج السور التاريخي للمدينة القديمة، ويسلط المسلسل الضوء في جانبٍ منه على تعامل أهالي دمشق مع القبائل البدوية المحيطة، وعلاقاته التجارية معها
ويبقى العكيد، وقبضاي الحارة، والحلاّق، والبيك، ورئيس المخفر الفاسد، والأزعر، والداية، والخطاّبة، وأفراح الحارة، وأعراسها، ومآتمها..... من العناصر الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها في أعمال البيئة الشاميّة، وفي مسلسل "طاحون الشر" يعود فنّان الشعب رفيق سبيعي بشخصية الزعيم، بينما تطرح فكرة توارث لقب العكيد لأوّل مرّة في مسلسل "زمن البرغوت" ويؤدي دوره الفنّان رشيد عسّاف، أما مسلسل "الأميمي" فيقدم شخصية كبير "الصوباشية" التي يؤديها الفنّان سلوم حدّاد وتمثل نموذجاً لمنظومة الحكم السائد في بلاد الشام إبّان الحكم العثماني، كما تدور حكاية المسلسل بمجملها حول شخصية من قاع المجتمع يتم إبرازها للمرّة الأولى على هذا النحو، وهي شخصيّة "سلامة الأميمي" ويجسدّها الفنّان عبّاس النوري.
وتتصدر أسماء شارات مسلسلات البيئة الشاميّة هذا العام مجموعة من أبرز نجومها الذين حققوا رصيداً جماهيرياً كبيراً خلال المواسم السابقة، إلا أن مسلسل "زمن البرغوت" نجح في استقطاب نجوم جدد ليقدموا تجاربهم الأولى في هذا المجال كالفنّان أيمن زيدان بدور المختار "أبو وضاح"، كما أدخل الفنّانة الجزائرية أمل بوشوشة دائرة المنافسة بين النجمات الشاميّات، ويحسب لمسلسل "لعنة قسم" أنه يضم على قائمة أبطاله العديد من الفنّانين الشباب الجدد حيث يشارك فيه 25 ممثلًا وممثلة من الشباب الذين كانوا ضمن برنامج "دراما ستار" لتعليم فنون الأداء.
كما دخل على خط المنافسة لهذا الموسم مخرجون جدد يخوضون تجاربهم الأولى في أعمال البيئة الشامية، كالمخرج أحمد إبراهيم أحمد بمسلسل "زمن البرغوت"، و"ناجي طعمي" مخرج "طاحون الشر"، وسيكون "مختار حارتنا" بتوقيع "فادي سليم"، و"لعنة قسم" موقعاً باسم ـشفيق محسن، في حين يشكّل "الأميمي" ثالث عمل شامي لـلمخرج تامر إٍسحاق.
ويبقى الغائب الأبرز عن أعمال البيئة الشاميّة لموسم 2012 المخرج بسّام الملا الذي اشتهر بهذا النوع من الأعمال، ويغيب أيضاً الفنّان الراحل خالد تاجا الذي لم تمهله الحياة لتقديم دور "مراد بيك": "كبير الصوباشية" بمسلسل "الأميمي"، أو "الزعيم" في "طاحون الشر".