2013/05/29
البيان الموسيقار شربل روحانا تأثر في بداية حياته بالجو الموسيقي لأسرة محبة للفنون في قريته »عمشيت« بالجنوب اللبناني، خصوصا أن هناك صلة قرابة قوية تربطه بالموسيقي والمغني اللبناني مرسيل خليفة. وتابع دراسته للعود وللعلوم الموسيقية بالمعهد الوطني في لبنان حتى صار مدرسا لتلك الآلة ووضع منهجاً خاصاً بها، وألّف الكثير من المقطوعات الموسيقية التي صدرت كألبومات أحدثها »قبل الدوران« 2010.كما قام بتأليف موسيقى أعمال استعراضية لفرقة عبدالحليم مثل »الأندلس والمجد الضائع«، والموسيقى التصويرية لعدة مسلسلات مع المخرج نجدت أنزور كان آخرها »ذاكرة الجسد« الذي عرض في رمضان الفائت. يحظى شربل روحانا بشهرة عالمية وسمعة قوية كعازف عود له أسلوبه وشخصيته وكمؤلف وباحث موسيقي، أقام حفلات عزف منفرد في أغلب مسارح العالم ونال العديد من الجوائز®. وأخيرا حل روحانا ضيفاً ومشاركاً في وقائع ملتقى مصر الأول للعود وكان ل»الحواس الخمس« معه هذا الحوار. كيف تشكل وجدانك وشخصيتك الموسيقية؟ تربيت على ألحان الرحبانية وزكي ناصيف وفيلمون وهبى، فكانوا، ملء السمع، ينشرون الموسيقى المليئة بالحيوية والنشوة في ربوع لبنان، كما كان للأغاني الشعبية التي يرددها الناس في قريتي فضل في لفت انتباهي لذلك الكنز الذي لا نهاية له، كما أن التراتيل الدينية هذبت مشاعري وأفادتني كثيراً، أما الموشحات فقد ألهمتني الإحساس بالزمن الموسيقي والإيقاع. تلك هي المادة الأولى التي أثرت موهبتي ولا أنسى الموسيقي والمغني المعروف مرسيل خليفة، حيث تربطنا صلة قرابة قوية من ناحية الأم، وعلى الرغم من أنه يكبرني بسنوات عديدة فإنه آمن بموهبتي وساندني وأنا صبي صغير، وأشركني معه في كورال نادي »عمشيت« وهي اسم القرية التي تربيت فيها بالجنوب اللبناني الصامد. مخزون موسيقى كيف تعرفت إلى أنواع أخرى من الموسيقى من خارج لبنان؟ وجدت أنني في حاجة لتنويع مصادري في الاستماع، فكان الوقوع في عشق أغاني أم كلثوم خاصة مع السنباطي، أيضاً وجدت الكثير في ألحان محمد عبد الوهاب وسيد درويش بالطبع وأغاني عبد الحليم حافظ. ولكل فنان من تلك الأسماء الكبيرة تجربة في عالم الموسيقى والغناء، ولا يعود المستمع الفنان إلى سابق عهده بعد الاكتفاء بكل ما لديهم من تجديد ورقي وإبداع. لا أستطيع أن أحدد شيئا معيناً تأثرت به عند عبدالوهاب أو سيد درويش مثلاً ولكنهما يشكلان مخزوناً، يستقر في أعماق الوجدان، فقد تلفت نظري جملة هنا أو إيقاع هناك، يمثلان إضافة في رصيدي كموسيقي. وماذا عن رحلتك مع العود؟ من محاولات العزف على عود مرسيل خليفة في الضيعة إلى الدراسة في جامعة الروح القدس والمعهد الوطني حيث تلقيت علوم الموسيقى وتكنيك العزف على العود، إلى أن أصبحت مدرساً لهما، ولكن لا أزال أصغي إلى كل عازف حتى من الطلاب. ونتحاور ونستفيد، ثم وضعت منهجاً للعزف يقوم على الجمع بين الطريقتين اللتين يعتمد على إحداهما أغلب العازفين، إما عن طريقة التلقين الشفهي، وهذه تتطلب وقتاً ومجهوداً كبيرين حتى تصل المعلوم. والأخرى عن طريق الكتابة المدونة أي النوتة وكل من الطريقتين تؤدي إلى عازف جيد إذا كان يمتلك الموهبة التي هي الأساس بالطبع، وأعتمد في منهجي على الموروث والسمع والحفظ وأتعامل مع الطلاب مباشرة، وربما في المستقبل نستخدم الفيديو مثلاً لتحفيظ الطلاب. حيث أصبح الوقت لا يسع التعليم عن قرب بهذا الشكل المباشر، وهناك مجموعة العزف الجماعي ويكون التركيز هنا على الاستماع للآخر والتنسيق معه لخلق حوار، وأقوم بطرح ملاحظاتي على الإيقاع والنغم، وطبقت ذلك في أحدث ألبوماتي »قبل الدوران«، وشاركني العزف إيلي خوري وقدمنا معاً حفلات في لبنان وسوريا. مزاج علني أخبرنا عن مشوارك مع التأليف الموسيقي؟ منذ العام 3991 بدأت التفكير ثم العمل في وضع مؤلفات تحمل اسمي، وتعكس فكري الموسيقي ورغبتي في صياغة شخصيتي وبلورة اتجاه أسير فيه وأعبر فيه عن رؤيتي للعالم من خلال ريشتي وأوتاري، وتوالت الأعمال »مزاج علني، مدي، سلامات، ذكرى، العكس صحيح، العبرة«، وألبوم غنائي في العام 5002 بعنوان »خطيرة«؛ لأني أمتلك صوتاً مضبوطاً وسليما، وتعاودني فكرة الغناء من وقت لآخر. ماذا حاولت أن تقول في مقطوعة »العبرة«؟ بالطبع هي مأساة®. ليست فقط مقتل هذا الطفل الشهيد ولكنها مأساة الشعب الفلسطيني ومنذ زمن طويل أعرف أن الموسيقى لن تعيده للحياة ولكن لا أملك سواها أعبر بها عن حزني وتعاطفي. وبالنسبة للأعمال الموسيقية داخل الأعمال الدرامية؟ معظم ما قدمته كان تعاونا مع المخرج السوري نجدت أنزور مثل مسلسلات »فارس بني مروان، وحور العين، وسقف العالم«، ومؤخراً »ذاكرة الجسد«، وأعيش في جو العمل، وربما أقرأ بعض الأجزاء ثم أبدأ في تأليف الموسيقى، وبالنسبة ل»ذاكرة الجسد« فكنت قد قرأت رواية الجزائرية أحلام مستغانمى، ووجدت أن عليّ التعبير عن أجواء الموسيقى الجزائرية والفرنسية، ولكن بأسلوبي الخاص. نكهات متميزة لك تجارب مع فرقة كركلا الشهيرة، كيف تعاملت مع هذه التجربة؟ هي حقيقة تجربة جميلة وممتعة تعرفت خلالها على نماذج من الموسيقى الشعبية التي أعشقها وأعجبتني فكرة وجود راقصين واستعراضات تبنى علي موسيقاي. ويشاركني العمل مصمم للرقصات لإجراء بعض التعديلات حتى تتماشى إيقاعات الموسيقى مع خطوات وحركة الراقصين وأيضا في مرحلة المكساج ربما نقوم بتقصير جملة نراها طويلة نوعا ما، أو نجعل آلة ما أعلى من الآلات الأخرى في لحظة معينة. ومن أجمل الأعمال مع فرقة كركلا (الأندلس والمجد الضائع وليلة قمر وإليسا ملكة). شاركت أخيرا في ملتقى مصر للعود. كيف تقيمه؟ شيء مفيد ومهم أن يجتمع كل هؤلاء العازفين والصناع والباحثين من مختلف مدارس العود الكبرى تركيا والعراق ومصر، فنجد نكهات متميزة، فالبيئة التي يعيش فيها الفنان تؤثر فيه بالتأكيد، العادات وأنواع الغناء وطبيعة الحياة وبالأخص الموروث الثقافي. ولا يجب أن نغفل العود في المغرب العربي الذي أثر وتأثر بالحضارة الأندلسية التليدة، وأعجبني العازف التونسي باسم اليوسفي الذي شارك في برنامج »تجارب« . وهو البرنامج الذي أتاح الفرصة لشباب على قدر كبير من الوعي والاحترافية أن يقدموا رؤيتهم الموسيقية، ومنهم أيضا المصري مصطفى سعيد الذي قدم مقطوعات جريئة إلى حد التجريب، ولم يتخل عن أسلوبه الصوفي في الوقت ذاته. وأيضا المصرية شيرين التهامي مما يطمئن بأن يكون العود في صلب الحياة الموسيقية العربية على قدر أي آلة عالمية كالبيانو والكمان، ورغم مشاركتي في العديد من مهرجانات العود في اليابان وكندا وأوروبا والدول العربية فإن ملتقى مصر له طعم آخر لأنه ببساطة عقد في وطن الغناء والموسيقى.