2013/05/29
إبراهيم حاج عبدي- الحياة يدور نقاش في منابر سورية مختلفة حول النقد ومدى موضوعيته في تناول الأعمال الدرامية السورية التي عرضت خلال الموسم الرمضاني الأخير، والتي لم تنل رضا نقاد الدراما كثيراً، إذ شنوا هجوماً على العديد من الأعمال، فانبرى أصحابها، بدورهم، للدفاع، والتشكيك في «نزاهة» تلك الأقلام «الناقدة». من البديهي أن يختلف النقد في شأن مسلسل معين، ومن البديهي، كذلك، أن تتباين الآراء لدى تناول هذا العمل الدرامي أو ذاك، وثمة أعمال قليلة جداً تتفق الآراء في بشأن «تميزها» أو «رداءتها». لكن المشكلة ان التباين والاختلاف يصلان في الكثير من الأحيان إلى حد النقيض بين من يعلي من شأن عمل درامي معين، وآخر يهبط به الى الدرك الأسفل. فهل يحتمل المسلسل التلفزيوني هذا الانقسام النقدي الحاد؟، خصوصاً، ان المسلسلات تختلف عن فيلم السينما، مثلاً، بوصف هذا الأخير فناً يغوص في عمق القضايا وينطوي على تأويلات ومعالجات معقدة أحياناً، قد تبعثر أقلام النقاد في اتجاهات شتى، أما المسلسلات فتنجز للتلفزة وهذه وسيلة جماهيرية تتطلب الوضوح والسلاسة والرشاقة في عرض الحكاية، ما يدفع الى التشكيك في ذلك الانقسام بين مديح بلا حدود، وهجاء بلا حدود. قليلة هي الأقلام الحصيفة التي تتناول المسلسل بموضوعية، وبمعزل عن عوامل أخرى كالصداقات أو العلاقات الشخصية التي تربط بين الناقد وصناع العمل، فهذه العلاقة السلبية أو الإيجابية تؤثر على مفردات الناقد وتجعله يتجاهل «المهنية» على حساب الصداقة، أو العداوة، وثمة ما هو أسوأ، إذ يمتثل بعض النقاد لسطوة المال، فيدبجون مقالات مادحة؛ مضللة طالما ان ثمة من يدفع، وهو ما يذكرنا بكاريكاتور يظهر قلماً يخط على صفحة بيضاء، بينما ثمة يد في الأعلى تضخ فيه نقوداً معدنية، فتهتدي ريشة القلم بضياء النقود، وتسرف في المديح كلما أُسرِف في منح النقود. ما سبق لا يعني ان الناقد وحده يتحمل المسؤولية، فأصحاب العمل، بدورهم، يشككون في قدرات الناقد ومواهبه إنْ هو وجّه نقداً موضوعياً لعمل ما. فحين يذم يكون «مراهقاً» في عالم الصحافة، مبتدئاً وجاهلاً بمبادئ النقد، أما حين يمدح، ومهما كانت ركاكة العبارات والجمل، فإن أصحاب العمل أولئك يبالغون في الاحتفاء به وتبجيله على ما خطت يمينه. إن مدحتَ فأنت مرحب بك، وإنْ هجوتَ فأنت صحافي مارق، والمعضلة تتمثل، أساساً، في افتقار الذهنية العربية الى ثقافة النقد والحوار والاختلاف، والمفارقة أن من يفاقم من تأثير هذه المعادلة هم النقاد أنفسهم من جهة، وصناع العمل الدرامي من مخرجين وممثلين ومنتجين من جهته ثانية، وسيبقى النقد الموضوعي؛ المنزّه عن أي غرض شخصي، استثناءً طالما أن هناك من يسمح لنفسه بتبديل حرف النون حاءً في كلمة: «ناقد».