2012/07/04
سامر محمد إسماعيل – تشرين
لا يمكن فصل اللهجة الخطرة عن أسلوب مذيعي قناة الجزيرة القطرية، فهي لهجة خاصة بنبرة صوتية مشحونة لصدم المشاهد، ودفعه نحو جحيم بصري قوامه النجاح على مدار التغطية اليومية بتقديم ثماني عشرة ساعة من العنف المتواصل،
قاعدة ذهبية باتت معروفة في أسلوب الإعلام الرأسمالي النفطي، فشخصية المذيع هنا ليست هامشية، بل هي جزء لا يتجزأ من شخصية القناة وتوجهها الإخباري، ولذلك تركّز القناة في تقاريرها على جدولة صوت قارئ التقرير بعد ثلاث ثوان من صور شديدة الدموية، تعقبها افتتاحية تمهيدية خالية من أي معلومة تخص الحدث الذي تسرده، افتتاحية تبدأ بكليشة عناوين تمهيدية لقارئ التقرير عن قتلى وجرحى وتفجيرات، عن بشر يموتون وآخرين ينتظرون موتهم الهوليوودي في تقارير إخبارية لاحقة، يحدث ذلك مدعوماً بموسيقا صدامية أوبرالية إشارةً لبدء الفترة الإخبارية، وهي هنا ومنذ انطلاقة القناة عام 1996 مجسّم لكرة أرضية تغطس في أمواج بحر لتخرج منه على هيئة كلمة «الجزيرة» بالخط الديواني.
هكذا على الأقل يمكن التذكير بنوعية خطاب القناة القطرية عبر تجهم دائم لوجه مذيعتها الجزائرية «خديجة بن قنة» ربما تعده هذه الأخيرة نوعاً من الرصانة، أو في طريقة استجواب مذيعة الجزيرة «ليلى الشايب» لضيوفها ومحاولة رفع نبرتها للمقاطعة على ضيوفها عبر الأقمار الصناعية وصلت أحياناً إلى أسلوب محققي الجنايات.. الأسلوب ذاته يمكن تسجيله لأحمد منصور في برنامجه «بلا حدود» والطريقة المخابراتية التي اشتهر بها الإعلامي المصري في محاورة ضيوفه، فيما سجلت القناة أنموذجاً جديداً من «محامي الشيطان», متمثلاً في الشخصية التي لعبها فيصل القاسم في برنامجه «الاتجاه المعاكس» والذي لجأ عبره الإعلامي السوري لاتباع نبرة عالية تصل إلى حد الصراخ أحياناً على ضيوف برنامجه، فيما يدير مبارزاته الكلامية بتوتير مستمر «لثورين متناحرين» في مباراة على الهواء مباشرة، مرسخاً لدى جمهوره العريض آداب الحوار على أنها نوع من المصارعة الحرة ليس إلا.
المفارقة الأكثر إدهاشاً أن النبرة الخطرة المتأصلة في أداء مذيع نشرات «الجزيرة» هي من أشد عيوب هذا النوع من الإعلام المرئي، حيث تعمل هذه الخشونة الصوتية على تحقيق شعار القناة القطرية في «الرأي و..الرأي الآخر» لأنها تجسد معادلة المأساة للأطراف السياسية أو العسكرية المتنازعة، فقناة "التغطية مستمرة" تؤكد باستمرار عبر أداء مذيعي نشراتها على سؤال نيتشه الشهير: «متى تقع المأساة؟..تقع المأساة عندما يقتتل طرفان, كل طرف منهما يشعر بأنه على حق فثنائية الرأي والرأي الآخر تتجاهل دائماً رأياً ثالثاً ورابعاً وخامساً.. وربما عاشراً، للوصول إلى برمجة مستمرة للشعوب، وغسيل دماغ جماعي يقوم المشاهد العربي من خلاله بفرز من حوله إما إلى «معارض شريف يموت بتراب الوطن» وإما إلى «موالٍ وبوق نظام» إما إلى تظاهرات محتجين، وإما إلى مسيرات مؤيدي نظام. يحدث ذلك الفرز عبر ديكتاتورية القالب لثنائية جامدة حكمت أداء «الجزيرة» سنوات, مستهلكةً فحواها في «رأي.. ورأي آخر» فيما يعلو صوت المذيع أو ينخفض وفقاً لترتيب الأولويات، وصولاً لصيغ هوليوودية في مخاطبة المشاهد العربي، فهذا الأخير كان ولا يزال متلهفاً لإعلام معاصر من دون أن يعرف أن «الرأي الآخر» للجزيرة كان ولا يزال منذ انطلاقتها رأياً إسرائيلياً، وذلك بتحقيق قناة الجزيرة «سبقها» الفظيع بظهور أفراد كيان العدوّ الإسرائيلي أول مرة على «شاشة عربية» أضف إلى ذلك أن مذيعي «الجزيرة» جميعهم لا يبتسمون على الهواء، وتعاني عضلات وجوههم من تراكم مزمن في حمض اللبن، ومرد ذلك يعود في رأيي إلى ما يديره هؤلاء من مصارعات ومبارزات كلامية تصل حدّ الاشتباك بالأيدي وعلى الهواء مباشرةً، والخروج نهائياً من لياقة الحوار نحو توجيه الشتائم والاتهامات، فيما يصب مذيع أو مذيعة الجزيرة الزيت على النار... يحدث ذلك باستمرار، وعلى مدى أربع وعشرين ساعة متواصلة من البث، ولتكريس أكبر قدر ممكن من العنف والتحريض تلجأ قناة «قافكو» الغازية إلى طبخ مشاهدها ببصرية دامية عن أطفال رضع يموتون أمام أنظار العالم وسمعه، فيما يواصل مذيعو المحطة رفع النبرة وتفخيمها وتفخيخها بالألفاظ المناسبة لقناتهم «المجزرة مستمرة».