2012/07/04
محمد رضا – دار الخليج
حينما قدم المخرج ريدلي سكوت “أليان” (“غريب” من دون أن يعني التعريب كل المقصود) سنة 1979 بدا الفيلم غير مسبوق على الرغم من انتمائه إلى واحد من أعرق الأنواع السينمائية وهو “الخيال العلمي”، فحكايته لا تقع على الأرض، ولا على كوكب آخر، بل تبقى عالقة في مكان ما من كون مظلم .
العدو ليس مخلوقات تنطلق بمركباتها لكي تغزو الأرض، ولا هو مخلوق يمشي على رجلين أو أربع . إنه مخلوق يستطيع أن يزحف وينسل ويتمدد . يستطيع أن يتقمّص شكل آدمي، أو أن يتكوّن من جديد على شكل خاص به . الأهم من ذلك، أن المسألة لم تعد أن الفضاء ليس آمناً فقط، بل الفضاء والمركبة التي أطلقها البشر أيضاً، فالوحش صار في الداخل .
في حين كانت مهمّة المركبة الأرضية جلب ذلك المجهول حيّاً، فإن المشكلة لم تكن الإتيان به حيّاً، بل حيّاً أو ميّتاً . الوحش من الشراسة والقدرة على الفتك بحيث أنه قضى على كل الناجين باستثناء امرأة وفتاة صغيرة . المرأة في النهاية (سيغورني ويفر) تثبت أن أعتى الرجال قد يفشل، لكنها قد تنتصر، فهي لا تدافع فقط عن نفسها، بل عن محاولات المخلوق الوصول إليها لكي يزرع فيها جيناته فتحبل وحوشاً صغيرة أخرى .
من ذلك العام إلى اليوم، تعاقب عدد من المخرجين الآخرين على السلسلة: جيمس كاميرون صنع فيلماً ذا ميول عسكرية في “أليانز” (1986) . سيغورني ويفر تنطلق مجدداً مع فريق جديد لنحر ذلك الوحش الكاسر، وهذه المرّة تكاد تخسر معركتها مرّة أخرى مكتشفة أنها تحارب على جبهتين: عملاء في المركبة من البشر والوحش نفسه . كان فيلم كاميرون جيداً ومثيراً مقابل فيلم سكوت الجيد والمشوّق . والتشويق أفضل من الإثارة، لكن الجزء الثالث (1992) الذي أخرجه ديفيد فينشر كان غريباً بالفعل . هنا الأحداث تنتقل إلى كوكب يسكنه مساجين الأرض والملاحة إلين ريبلي (ويفر) تنضم إليهم لعلمها أن الوحش سيتبعها إلى هناك . التكوين هنا لا يشبه السينما الخيال علمية ولا الفيلمين السابقين، بل يتّخذ لنفسه شكلاً منفرداً وعالماً قائماً بذاته . الفرنسي جان-بيير جونيه حاول العودة إلى الأصل في “غريب: انبعاث”، لكن “انبعاثه” كان طفيفاً وغير مفاجئ . كتب نهاية السلسلة إلى حين طويل .
اليوم وبعد عشرين سنة على ذلك الفيلم و33 سنة على الفيلم الأول يعود ريدلي سكوت إلى السلسلة في “برومثيوس” . إنه ليس الجزء الخامس، بل الأول من أحداث تقع قبل الجزء الأول من سلسلة “غريب” على غرار ما كان جورج لوكاس (ثم سواه) فعله بسلسلة “ستار وورز” حين وجد أن الجديد المتاح للسلسلة هو العودة في سلسلة جديدة إلى أحداث ما قبل السلسلة المعروفة . هذه المرّة من دون الممثلة ويفر (التي قامت قبل أعوام قليلة بالاشتراك في خيال علمي مشهور آخر هو “أفاتار” وستعيد الكرّة في “أفاتار 2” وكلاهما لجيمس كاميرون) إنما مع ناوومي راباس وتشارليز ثيرون (نراها حالياً في “سنو وايت والصيّاد”) ومايكل فاسبندر وغاي بيرس وإدريس إلبا وشون هاريس من بين آخرين عديدين .
لا أحد يشكك في أن ريدلي سكوت مخرج حذق، وماهر، ومُلم، يعرف كيف يصنع أفلاماً كبيرة تحفر في التاريخ ويحفرها التاريخ في سجلات الفن السابع، لكنه أيضاً شخص لا يستطيع أن يكون ثانياً . فهذا المشروع لم يكن وارداً قبل قيام جيمس كاميرون بتحقيق “أفاتار” سنة 2009 الذي هو، في الحقيقة، نوع مختلف تماماً من أنواع الخيال العلمي . “غريب” وباقي “الغرباء”، وهذا الفيلم (نصفه يمت بصلة ونصفه الآخر جديد كخيط قصصي) هو فيلم رعب فضائي، لكن “أفاتار” فيلم فانتازيا خيالية علمية مع جانب معاد للحل العسكري، على عكس “أليانز” و”توتال ريكول” . والمرجّح أن سكوت كان يعمل خفية على هذا المشروع لكنه اضطر للإعلان عنه بعد نزول “أفاتار” كنوع من التحدّي، خصوصاً أن الإعلام نقل عنه ما يُفيد بأن الجمهور سيكتشف، حين عرض الفيلم، أنه لم ير فيلماً مشابهاً ل “بروميثيوس” من قبل .
وإلى حد بعيد فإن هذا صحيح .
في الأساس، فإن الكلمة مأخوذة، كما توحي، من المفردة الإغريقية . برومثيوس هو إله إغريقي، تبعاً للأسطورة، أسندت إليه مهمّة صنع إنسان من طمى، وفي خلال سعيه وجد عند الإله زيوس عداوة وصدّاً له . هذا منع عن بروميثيوس النار، فسرقها الثاني على أية حال ليصنع منها الإنسان . وحسب ذات الأصول الأسطورية فإن زيوس، وقد أدرك أنه خسر معركته مع بروميثيوس، قام بابتداع باندورا وهي أوّل امرأة على الأرض لكونها ستجلب نهاية الرجل . أكثر من ذلك، تسبب في القبض على برميثيوس وتركه ليموت مقيّداً إلى عمود خشبي تأكل منه الغربان لولا تدخل هيركوليس وإنقاذه .
طبعاً، ليس هناك شيء من هذا في فيلم سكوت . الكلمة هي اسم مركبة فضاء منطلقة ولو أن بحثها يعود إلى معرفة أصل الإنسان . مثل فيلم ستانلي كوبريك “2001: أوديسا الفضاء”، يبدأ “بروميثيوس” الفيلم على الأرض قبل أن ننتقل إلى الفضاء في العام 2089 حيث يكتشف الملاحان إليزابث (راباس) وهولواي (لوغان مارشال غرين) على سطح أحد الكواكب ما يثبت أن أحداً من الفضاء زار الأرض . هي نقلة مستقبلية أخرى تضعنا على مدى أربع سنوات من العام المذكور وفوق كوكب آخر . وهناك تبدأ المخاطر التي يبني لها المخرج بتؤدة وصبر .
يقف الفيلم على أرضية قويّة يؤسسها سكوتْ ساعياً لتحقيق فيلم كلاسيكي آخر في عداد كلاسيكياته . وهو ينجح في هذا المسعى إلى حد بعيد .