2012/07/04
سوزان الصعبي – تشرين
لعل الكثير من متابعي المسلسلات السورية مازالوا يتذكرون شخصية (فؤاد مسعود) التي فهمها وتقمصها الفنان(عبد الهادي الصباغ) بما أملته عليه من رومانسية حالمة تغلب كصفة عامة على الكتّاب والمبدعين،
فقد كان فؤاد أباً لطيفاً وكاتباً يمتلك طقوساً وأماكن تخصه للكتابة والشرود الذي يرافقها، ممتلكاً قدراً كبيراً من اللهفة والاستعداد للحب حتى أنه يقع في حب فتاة جميلة هي صديقة ابنته، وذلك في مسلسل( نساء صغيرات) للكاتبين حسن سامي يوسف ونجيب نصير وقد عرض قبل أكثر من عشرة أعوام، فكان بطلنا نموذجاً جذب الكثير من المشاهدات الإناث في ذلك الوقت، عبر شخصيته الهادئة الشغوفة الحالمة ، وقد حاول وحبيبته الشابة الصغيرة التمرد على التقاليد ولم يستطيعا، فهل كان مثالاً للمثقف المهزوم؟ وهل أراد الكاتبان أن يعكسا حبهما لشخصية (وليد مسعود) المثقف الجريء صاحب الإرادة والفعل في رواية(البحث عن وليد مسعود) لكاتبها الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا عبر هذا التقارب بين الاسمين؟
يبدو أن نظرة الكاتبين إلى المثقفين لم تتغير حتى الآن، ففي عملهما الجماهيري (الانتظار) تطرقا عبر (وائل، بسام كوسا) إلى نفسية المثقف ووجدناه ضعيفاً متقبلاً للواقع الحضيض بل متعايش معه وهارب منه إلى أوهام تبين مدى هشاشته.
وفي مسلسل(الغفران) لكاتبه يوسف وقد شاهدناه في رمضان الفائت، لم يخرج الكاتب حسن سامي يوسف عن نظرته السابقة إلى المثقفين, إذ دمغ (أمجد، باسل خياط) وهو شاب يصف نفسه بمشروع روائي، بالعاطفية المتسرعة والشخصية المتمسكة بطريقة روتينية للحياة، ما جعل زوجته تبحث عن رجل آخر أكثر حيوية.. والغريب في الأمر أن (عزة، سلافة معمار) و(محمود، قيس الشيخ نجيب) امتلكا من اللغة العالية والفلسفة ما فاق تلك التي أظهرها الروائي.
وذهب الكاتب (خالد خليفة) في توصيفه للمثقفين إلى أبعد من ذلك، ففي (ظل امرأة) وجدنا الأستاذ الجامعي والفنان التشكيلي(رجائي، عبد الهادي الصباغ) شخصاً مفاجئاً بسلوكه غير المبرر إزاء صديق عمره الشاعر(وائل، عبد المنعم عمايري) الذي تعرض لحادث أودى ببصره، فلم يعرف رجائي كيف يدعم معنويات صديقه ولم يتواصل معه كما يليق بالصداقة وبالإنسانية، مكتفياً بالبلادة على كرسيه الهزاز ماضغاً حبه المهزوم على مضض وحزن، تاركاً صديقه يتلمس خطواته في المدينة وحيداً.
النظرة السلبية ذاتها إلى المثقفين ظهرت أيضاً عبر(رياض، جمال سليمان) في (عصي الدمع) الرجل الناجح عملياً وصاحب الحب الشديد للموسيقا الكلاسيكية والمزود بثقافة عالية تخص هذا الميدان، فكان يستيقظ وينام ويقود السيارة ويصنع الطعام على أنغام الموسيقا، التي أوقع بوساطتها (رياض، سلاف فواخرجي) في حبه فتبادره باعتراف الحب وتتزوج منه متجاوزة فارق السن الذي بينهما، لتكتشف بعد ذلك أنه جذبها باحتياله، وأنه يتعمد إبقاءها خارج حرارة الثنائية الزوجية المفترضة، إذ لم يشركها في مشكلاته مع ابنه ولم يسمح لها بمشاركته الطبخ ككل النساء، ولم تستيقظ يوماً على صوت المذياع والأخبار كما كانت معتادة، فالموسيقا الكلاسيكية حاضرة دوماً بعقلانيتها، وهذا المثقف لم يتجاوز التنظير إلى الممارسة، فخسر ابنه وزوجتيه ونفسه.
من جانب آخر ليس كل المثقفين على الشاكلة ذاتها، ومن المهم في الدراما على اختلاف أشكالها التطرق إلى عوالم المثقفين الغنية بأحلامهم والمتمظهرة بأحاديثهم ومكتباتهم وأماكن عملهم كالصحف وأماكن وجودهم كصالات المعارض الفنية والمراكز الثقافية وبعض المقاهي، ومن المهم الإطلالة على قضاياهم وتطلعاتهم وخصوصيتهم، لا لأنهم فئة من المجتمع فقط، بل لتميزهم بأنهم يحملون مشروعاً تنويرياً حضارياً يرنون عبره إلى تحقيق منفعة إيجابية عامة وشخصية .
في مسلسل( ليس سراباً) يحتل الصحفيون مساحة كبيرة، إذ يسعى( جورج، سلوم حداد) ومحررو المجلة إلى فتح ملفات اجتماعية تهم المواطنين كالشرف والزواج العرفي، ويتابعون ملفات اقتصادية وقضايا فساد، ما يعرض المجلة للاقتحام والتخريب والتضييق من قبل فاسدين كبار، ويبقى الصحفيون على تماسكهم وقوتهم... وفي هذا العمل أجواء ثقافية متنوعة، كالصحفي ثقيل الظل، والصحفية الغيورة غير المتوازنة، والشاب الجامعي الذي يعود من الغرب بذهن ديني مغلق، والأستاذ الجامعي غير النزيه، وهناك أحاديث عن الأدب والترجمة والانفتاح بين الأديان قولاً وفعلاً بين ( جلال وحنان)أي بين الكاتب والمترجمة، وكانت النتيجة حباً وزواجاً متمرداً كجنديين في معركة ضد يباس المجتمع، معركة استنزفت أعصابهما وحياتهما لكنها لم تكن خاسرة بكل المقاييس.
إذاً, حاول بعض الكتاب أن يلتقطوا من دفاتر المثقفين قصصاً وأفكاراً مختلفة، وهنا نتساءل: متى يتحدثون عن المثقفين بإنصاف، لا كمهزومين ولا كأنبياء، بل كرافعين لرايات توعوية تنويرية شخصية وجماعية، كمجتهدين بين رفوف المكتبات وعلى المسارح لأجل رفع ذائقة ووعي الجمهور؟ متى يتحدثون عن الشباب الملتحق بهذا الركب والباحث عن فرصته الحقيقية لتحقيق تطلعاته في نشر الأدب والفن والفكر؟ أرجو أن تحمل الأعمال السورية القادمة هذا الهم.